بسم الله لرحمن الرحيم
يقول الله تعالى : {
وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} ، فالله سبحانه و تعالى أنعم علينا بهذا الدين القويم ليكون تبيانًا لكل شيء و هدى و رحمة ، به تقوم مصالح العباد و الأمم ، و به تُعمر الأرض التي استخلف الله البشر فيها .
بالعقيدة الصافية يتحقق العدل و صفاء التصوّر مع صفاء النفس و صفاء الحياة ، فالتوحيد الخالص هو أعدل العدل ، و على الضد من ذلك فإن الشرك بالله هو أظلم الظلم كما ذكر ذلك الإمام ابن القيم رحمه الله تعالى .
هذه العقيدة الغالية هي أعظم ما يمكن أن تملكه الأمم و الشعوب ، و هي مصدر العز و الفخر بالنسبة للأمة و المجتمع و الفرد ، و لهذا أثنى الله تعالى على من قدم هذه العقيدة على نفسه و ماله ، لثمنها الذي لا يعادله ثمن ، و جزائها الذي لا يجاريه جزاء ، بل إن الغاية من خلق الثقلين هي تقرير هذا الأمر أمر التوحيد و إفراده بالعبادة و هذا هو الغرض من وجودنا على الأرض ، و هذه مهمتنا قبل كل شيء ، و قد ضل من ضل و انحرف من انحرف عن هذه الغاية فذاقوا الويل و الثبور إن في الدنيا أو في الآخرة ، و أصبحوا من الهالكين الخاسرين .
من أجل هذا تدارك بعض الأقوام أنفسهم ، و صححوا مسارهم و ثبتوا خُاطَهم بعدما زلت أقدامهم ، و تاهت أفهامهم ، فهاهو الإمام أبو المعالي الجويني و مثله الفخر الرازي و مثلهما الغزالي كانوا يقولون: ليتني أموت على عقيدة عجائز نيسابور ، بعدما تاهوا في العلوم و تشعبت بهم السبل في علم الكلام ، و هذا يدلنا على أن وفرة العلومات ، و كثرة المعارف لا تغني الإنسان شيئا إذا انحرفت به الجادة و تاه عن الطريق ، و أن العجائز العاميات اللائي استجبن لنداء الفطرة بالتوحيد و استقمن عليه ، خير من عالم ظل السبيل .
و بين عجائز نيسابور العارفات لحق الله تعالى على العباد ، و بين عجائز الصحافة ممن يسمونهم نخبنا الثقافية ، تجد البون شاسعًا و الفرق عظيمًا ، فعجائز الصحافة ساهموا في جلب كتاب يهدمون أسس العقيدة الكبرى ، و مبانيها العظمى ، و لا تجد لهؤلاء الكتاب منكراً من عجائز الصحافة و لا محذراً ، بل احتواء في الأحضان و القلوب و ترحيب و مواصلة في نشر الكفر البواح ، و تسفيه أهل الديانة و الأمانة من حملةِ العلم الشرعي ، و السخرية بأهل الفضل و الصيانة .
عجائز نيسابور لا يعرفن القراءة ولا حقوق الإنسان و لا حقوق الكلاب و القطط ، و لكنهن يعرفن حق الله تعالى ، و كمال التذلل له و الخضوع إليه ، هذه مفارقة بين عجائزٍ و عجائزٍ . بينما عجائزُ الصحافة يصكون المسامع هذيانًا و شنشنة على بني قومهم و قمقمة من ثقافات أعدائهم مبدلين مغيرين ، ناقضين للعُرى مضللين للورى .
هكذا عاش أباؤنا و عاش الأولون في تسليم كامل ، و خضوع تام لما يريده الله ، بعيداً عن التأويلات و التعليلات ، حتى جاء من تجرأ بالباطل ، و بدأ يشكك و يضلل ، و يتحدث بما يناقض التسليم الكامل ، و الخضوع التام ، ولو هُدمت العقيدة و زعزعت الثوابت ..
و المؤسف أن في الناس سماعون لهم و الله المستعان .
اللهم توفنا مسلمين موحدين و لك خاضعين غير مبدلين ولا مغيرين ..
أخوكم / عبدالله