مشاهدة لمشاركة منفردة
قديم(ـة) 26-06-2009, 02:12 PM   #11
الولاعة
عـضـو
 
تاريخ التسجيل: Jun 2009
البلد: على أارصفة الضياع
المشاركات: 1,429
فما صدق عينيه وقام برأسه وهو يقول:
- أعوذ بالله من الشيطان الرجيم , الحمد لله, الحمد لله...
ثم أردف قائلاً:
- لقد كنت في حلم مزعج.
قال أمين مستغرباً:
- أي حلم...
- عامر: لقد رأيت أشياء مخيفة في منامي!!
- هشام: أي منام يا عامر؟ هدىء نفسك إنها حقيقة.
- عامر: حقيقة؟
- أمين: نعم, وأنت بخير ولله الحمد, ونحن كذلك, فقم وهيا ننظر في أمرنا ونفكر في طريقة للخلاص مما نحن فيه.
تنبه عامر وقام فإذا هو بين رفيقيه في قبو مظلم إلاَّ من خيط رفيع للضوء يتسلل خلسة من ثقب ضيق في سقف القبو.
ونهض يعانق صاحبيه أمين وهشاماً ويملأ عينيه بالنظر إليهما, فِعل الجائع الذي الذي وجد الطعام بعد طول إنقطاع.
وكان حقاَ يشعر بجوع البطن وجفاف الحلق من العطش.. ولكن بقاءه وحده كان يخفيه ويشعر بوحشة ترهبه.
وأما الآن, فقد أنس للقيا صاحبيه وأنس صاحباه بلقياه. فكان ذلك في لحظته هذه أعظم من شهي الطعام وبارد الشراب.
قام الثلاثة يتحسسون جدران القبو ويفحصون أحجاره حجراً حجراً.. يطرقونه بأيدهم عسى أن ينفرج أحد هذه الأحجار عن مخرج, وكان هشام يفحص أرض القبو عندما لحظ ثقباً ضيقاً يشع تحته الضوء. فانكفأ على صدره ينظر في هذا الثقب وهوينادي صاحبيه, وأخذ يهلل بألفاظ وكلمات تنم عن عجب شديد وهو ينظر من هذا الثقب.. وصاحباه يستحثانه على جلاء الأمر, وهو مكب لا يزيد على ألفاظ التعجب وكلمات الإستغراب...
وأزاحه أمين بيديه ليستجلي ما يكشف عنه هذا الثقب. وما إن وضع عينه ليرى, حتى كان عجبه أشد من عجب صاحبه وكلماته وألفاظه أعظم تعبيراً وأكثر استغراباً من صاحبه هشام.
الأمر الذي جعل عامراً يقفز في مكانه فرحاً بقرب الأمل في الخلاص ويتشوق إلى أن يرى ما يراه أمين.
ودعا أمين عامراً إلى رؤية ما يكشف عنه هذا الثقب. وما كاد عامر يضع عينه ليرى ما رأى صاحبه حتى تعالى صوته بالتهليل وصيحات التعجب وكلمات الاستغراب, ثم أزاحه أمين دفعاً براحتيه, وبدأ ينظر ثم أشار إليهما بالسكوت..
وأخذ يصف ما يراه وصفاً دقيقاً.,
فقال:
- إنها سوق كبيرة جداً, مياددينها فسيحة ويملأ شوارعها مخلوقات غريبة, كلها تروح وتغدو في همة وسرعة.
ها هو أحد هذه المخلوقات يمشي بين أقرانه ويربو عنهم جسماً وله ثلاثة أرجل.
فصاح هشام:
- تقول ثلاثة أرجل يا أمين؟
- نعم.. كلا.. كلا.. رجلان وذيل طويل حسبته رجلاً أول الأمر .. ها .. كل المخلوقات تحملها أمهاتها تماماً كما يفعل الناس..
والأمهات لها ذيل قصير..
عجباً.. إن هذه المخلوقات لها مشية غريبة .. كلها تتراقص وتتمايل ويحيي بعضها بعضاً, وألحظ أنه كلما تقابل اثنان وضع كل منهما يده في فم الآخر ثم يبدآن العض.. وبعد برهة يصرخان فتنفرج..!! ويسحب كل واحد منهما يده من فم صاحبه.
أه إنها تحيتهم.. وهي تكرر كثيراً مما يجعل السوق كله ضاحكاً لهذه التحية الطريفة.
آه.. لقد أقبل موكب عظيم من هذه المخلوقات متجهاً إلى الميدان الكبير, وكلما مر بقوم منهم لحقوا بالموكب.. حتى انتظم الحشد جميع المخلوقات, كلها وتوسط الجمع الميدان ووقفوا في قوس منتظم ثم تقدم كبيرهم حتى توسط الجمع وأشار لهم بيده..
فصدرت على الفور أنغام أطلقها جميع ما في الميدان من مخلوقات العجيبة.
ولشد ما كان العجب أن جاء النغم من أصوات عذبة رخيمة حلوة.. لم يكن كلامها مفهوماً. ولكن النشيد الذي ترنموا به انساب مزيجاً حياً من التعبير الجميل بلحن يدخل البهجة على نفوس المكروبين فيزيل ما بها - فِعل البلسم الشافي في الجراح.
ما أعظم راحة النفس عند سماعها لأصوات هؤلاء في تغريدهم الرائع..
كان لإنشادهم في نفس أمين فعل السحر, وأدار أذنه يضعها على الثقب كي يشجي أذنه بمزيد من عذوبة النغم.


ودارت عيناه.. فراعة أن رأى صاحبيه ملتصقين بالحائط في ذهول المفتون من الخوف وأدار رأسه إلى الناحية الأخرى!
فرأى حيواناً غريباً رأسه يشبه رأس الفهد المفترس.. وجسمه كجسم الطائر الكبير يرمي أمين بشرر يتطاير من عينيه المتقدتين ويشير إليه بجناحه أن يقف بجوار رفيقيه في صمت وهدوء...
ووقف الحيوان بجوار فرجة واسعة فتحت من الجدار, ثم نشر جناحيه كأنه يؤكد سيطرته على الثلاثة.. وكشر عن أنيابه فبدت مخيفة.
ثم طوى جناحه أمام عينيه كأنه صحيفة رفعها للقراءة. وشد ما كان دهشة الثلاثة أمين وهشام وعامر حين بدأ هذا الحيوان يقرأ.. وكان صوته مخيفاً, له رنين غير منتظم يبعث الرعب في نفوس سامعيه فضلاً عن مشاهديه...
قال الحيوان الطائر:
(( الأمير أمر بتقديمكم للمحاكمة, فقد اعتديتم على مملكته ودخلتم دون إذن فأنتم جواسيس وستحاكمون بهذه التهمة الخطيرة والمحكمة الآن منعقدة وجئت آخذكم للمثول أمامها )).
وأشار بطرف جناحه إلى الثلاثة أن يمشوا أمامه في الفرجة المفتوحة في الجدار فساروا في ممر مظلم.. والحيوان الطائر يقودهم أمامه.. فإذا بهم يدخلون قاعة المحكمة, ولشد ما كانت دهشتهم أن رأوا...
قاعة فسيحة يتصدرها خنزير قبيح الشكل وعن يمينه فأر أشبه بفيران الغيط البرية وعن يساره ثعبان أسود أشبه ما يكون بثعبان (الكوبرا).
ثم جلست بعض الحيوانات الدميمة الشكل التي لا يعرف لها أ يمكن أن
يمكن أن تنسب إليها عن يمين الهيئة وشمالها...
ثم إن القاعة قد غصت بحشود كثيفة من الحشرات ضخمة ضخامة الحيوانات.
وكان منظر القاعة يثير الخوف والهلع.. وقد انبعث منها روائح كريهة عفنة لا سبيل إلى تجنب الغثيان الذي تثيره عندما تشمها الأنوف.
ووقف المساكين الثلاثة على مدخل القاعة وقد حاروا ماذا يفعلون وسط هذا الجمع الكثيف الكريه.. فدفعهم الحيوان الذس استدعاهم نحو صدر القاعة, وأمرهم بالمثول أمام رئيس هذه المحكمة العجيبة الخنزير البري الكبير...
وامتثل المساكين الثلاثة وساروا للأمام يجرون أرجلهم الثقيلة حتى وصلوا لصدر القاعة ووقفوا صامتين بين يدي القاضي العجيب وقد أطرقوا رؤوسهم إلى أسفل.. خوفاً وتجنباً لرؤية هذه الحيوانات المفزعة.
قال القاضي العجيب:
- إن المحكمة بعد دراستها للقضية واقتناعها بثبوت جريمة تجسسكم على مملكة أميرنا قد أصدرت حكمها بإعدامكم حرقاً في فرن المملكة الكبير, وإتماماً للعدالة فإنا سنفسح صدورنا لسماعكم بعد تنفيذ الحكم.
ونظر عن يمينه فأومأ الفأر تصديقاً...
ونظر عن شماله فاهتز الثعبان مشيرأً بالموافقة...
وبسرعة جاء حيوان رأسه يشبه الذءب وجسمه يشبه الحمار يتبعه ثلاث حشرات كبيرة... وقيدت كل حشرة واحداً من الثلاثة المساكين, أمين وعامر وهشام واقتادوهم إلى فرن لتنفيذ الحكم وما إن أقدموا على الفرن حتى استقبلهم الحارس أشبه ما يكون بالقرد وفتح باب الفرن.
فإذا بحفرة رهيبة العمق تأججت نارها فهي تزمجر بصوت رهيب, وترتفع منها ألسنة اللهب في أصوات قاصفة كالرعد.
وإذا بالمساكين الثلاثة ترتعد فرائصهم ويتصبب منهم العرق غزيراً غزيراً وتشحب وجوههم كأنها الزعفران صفرة.
وينظر بعضهم إلى بعض نظرة وداع وأسف لهذه النهاية الأليمة المحرقة ويزداد حزن أمين من أصحابه فهو الذي اقترح عليهم الخروج معه

آخر من قام بالتعديل الولاعة; بتاريخ 26-06-2009 الساعة 02:16 PM.
الولاعة غير متصل