بينما نحن في فناء المدرسة إذ بالتلميذ (سليمان) يعتدي بالضرب على زميله (محسن) الذي ذهب إلى مشرف المدرسة وأخبره بما حدث ، وبعد أن تحقق المشرف من واقعة الضرب هذه وأن (سليمان) هو المعتدي ، قرّر عقابه في الطابور المدرسي أمام كل التلاميذ ، وفي الطابور وقف (سليمان) في ذلة وانكسار منتظراً عقاب المشرف ، عندئذٍ رق قلب (محسن) وذهب إلى المشرف وأخبره أنه قد سامح زميله عما بدر منه وأعلن المشرف أمام التلاميذ هذا الأمر ، فتهللت أسارير (سليمان) وأقبل (محسن) يصافحه ويشكره ويعتذر له عما بدر منه .
ابتسم الجد وقال :
هذا خلق كريم من (محسن) فهو يتمتع بقيمة دينية عزيزة وهي قيمة (التسامح)
تساءلت (مريم) قائلة :
- ومامعنى التسامح يا جدي العزيز ؟
أجاب الجد :
-التسامح يا بنيتي أن يتجاوز الإنسان عن الذنب أو الخطأ الذي فعله ضده إنسان آخر ولا يعاقبه ، فالمسلم الحق يعفو عمـّن ظلمه أو أساء إليه . فالإنسان بطبعه يودُّ أن يعيش في وسط إجتماعي يتعارف على أفراده ، قال تعالى : (( يَا أَيُّها النَّاسُ إنَّا خَلَقْنَاكُم مِن ذَكَرٍ وأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُم شُعُوبًاً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفوا))
قالت الجدة :
يُحكى أن أحد الأمراء جاء من سفر بعيد فكانت آثار التراب واضحة على وجهه وملابسه ، جاءه خادم صغير من العبيد الذين يمتلكهم . بإناء به ماء كي يغتسل وأمسك الخادم الصغير بالإناء وأخذ يصب منه الماء ليغتسل سيده وفجأة سقط الإناء من يده فأغرق الماء ملا بس الأمير .
فصاح الأمير غاضباً : ستجلد عشرين جلدةً على فعلتك الشنعاء هذه .
فقال الخادم الصغير وهو يرتجف من الخوف : سيدي الأمير ، ما حدث كان دون إرادتي أرجوك لا تغضب فقد قال الله تعالى : ((والكَاظِمِينَ الغَيْظَ))
فهدأ الأمير قليلاً ثم قال : كظمت غيظي .
فأكمل الخادم حديثه وهو يطمع في عفو سيده وتسامحه قائلاً : وقال تعالى : ((وَالعَافِينَ عَنِ النَّاس))
فهدأ الأمير تماماً وقال : عفوت عنك فلن أنزل بك أي عقاب .
فتشجع الخادم وقال : وأيضاً قال الله تعالى : ((واللهُ يُحِبُّ المُحْسِنِيْن))
فابتسم الأمير وسُرَّ من ذكاء الخادم الصغير وقال : من اليوم أنت لست خادماً بل أنت حر لوجه الله تعالى .
وهكذا أعتق التسامح هذا الخادم الصغير ونال الأمير ثواباً كبيراً ينفعه يوم الحساب .
قال (عمر) :
- وما جزاء من يسامح الآخرين ويعفوا عنهم ؟
أجاب الجد :
- من يسامح الآخرين ويعفوا عنهم يكتسب رضا الله ومغفرته ، قال تعالى ((واعْفُوا واصْفَحُوا أَلاَ تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللهُ لَكُم)) كما يكتسب حب الناس واحترامهم