( 6 )
منهج التغيير بين « أهل السنة » ، و« د.سعد فقيه »
إن مهمة « إرجاع الناس إلى دينهم » من أعظم الغايات التي يسعى إليها المصلحون على مدار التاريخ؛ فقد ضرب علماء السنة قديما وحديثا أمثلة رائعة في دعوة الناس إلى دينهم، وإصلاح أوضاعهم العلمية، والتعبدية، والسياسيَّة، والاجتماعيّة، ويتبع ذلك الاقتصاديّة .
رفع الإمامُ أحمدُ بن حنبل –رحمه الله - عقيرتَه بالسنة، والتحذير من البدعة، والدعوة إلى التمسك بكل ما ورد عن نبي الهدى عليه الصلاة والسلام حتى في أبسط الأمور التعبدية، ووقف وقفتَه الشهيرة ضد القول بخلق القرآن؛ فَعُدَّ إماماً من أئمة المجدّدين، ومصلحا عظيما، لا تزال آثار دعوته إلى اليوم.
وكذا الإمام ابنُ تيمية رحمه الله؛ ناصح وجاهد وكتب في الدفاع عن الحق المجلدات الكثيرة، ولم يمتنع وهو في ظروف سياسية صعبة أن يكتبَ في الدفاع عن عقيدة أهل السنة والجماعة؛ فالـ« العقيدة الواسطيّة » كتبها أيام الغزو المغولي على العراق، وقد أوذي في ذلك على يد علماء البدعة؛ فصبر، وجاهد، ونصح للأمة الإسلاميّة. وهذه دعوتُه أنارت – وما زالت تنير – أماكن شتى من الأرض، وقامت على أثرِ دعوته دعوات ناجحة نفعت البلاد والعباد .
ومن تلك الدعوات دعوة الإمام المجدد محمد بن عبد الوهاب الذي حارب الشركَ في جزيرة العرب؛ فجمع الناس على « التوحيد »؛ فمهد ذلك لإنشاء دولة مسلمة تحكم بما أنزل الله، وتدعو إلى التوحيد – أعادها الله كما كانت ، ووفق ولاتها لسلوك سبيل الرشاد - ، حتى سمعنا أن بعض المستشرقين تحدَّث عن محمد بن عبد الوهاب ووصفه بـ« النبي » ! .
هذه نماذجُ ثلاثة من دعوات « الإصلاح » التي آتت ثمارها، وامتدت آثارها، لأنها قامت على منهج الأنبياء والمرسلين عليهم الصلاة والسلام؛ فكانت تسير على هدى ونور متمسكةً بكتاب الله تعالى وسنة نبيه الكريم محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم .
وعوداً على بدء أقول :
إنَّ « رجوعَ النّاسِ إلى دينهم » هو السبيل – بلا شك - لصلاح بقية أمورهم، وانتصارهم على أعدائهم، وتمكينهم في الأرض .
قال تعالى : {إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِم} [الرعد: من الآية11].
قال أحد الدعاة معلّقا على هذه الآية : « فساحةُ التغيير هي النفسُ البشريَّة حتى تستقيم على منهجِ الله؛ فَتُؤَهل للاستخلاف.
والتمكينُ وعد، وتغيير ما في النفوسِ شرط، ولن يتم الوعد إلا بتحقيق الشرط : {إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ} [محمد: من الآية7] ».
وقال العلامة المحدث الألباني رحمه الله تعليقاً الآية الأخيرة : « كلنا يعلم –إن شاء الله – أن قوله تبارك وتعالى {إن تنصروا الله} شرطٌ، جوابه {ينصرْكم} إن تأكل إن تشرب إن ……إن الجواب تحيا ، إن لم تأكل إن لم تشرب ، ماذا ؟ تموت ؟.
كذلك تماماً المعنى في الآية {إن تنصروا الله ينصركم} المفهوم - وكما يقول الأصوليون - : مفهوم المخالفة ، إن لم تنصروا الله لم ينصركم ؛ هذا هو واقع المسلمين اليوم .
توضيح هذه الآية جاءت في السنة في عديد من النصوص الشرعية ، وبخاصةٍ منها الأحاديث النبوية » [انظر رسالة "واقعنا الأليم" للألباني رحمه الله تعالى، وأيضا رسالة "التوحيد أولا يا دعاة الإسلام" ].
وإنَّ السبيل إلى هذا التغيير هو بالدعوة إلى الله تعالى بتوضيح دينه للناس، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مع التزام الضوابط الشرعيَّة والأساليب المرعية في ذلك.
« إذاً؛ لا بدّ من التصفية والتربية على المنهج الصافي الذي تضلَّع منه جيل القدوة الأول، وقرن الأسوة الأمثل، محمد والذين معه.
ومع ذلك كله؛ فإن السلفيين لا ينكرون على العاملين ضرورة التغيير، ولكنهم ينكرون عليهم مناهجهم في التغيير التي لا تسمن ولا تغني من جوع، بل يركبها المستعجلون والمنتفعون؛ ليقدموا الشباب المسلم قرابين... ويقيموا العقابيل بسبب استعجالهم... ومن ثَمَّ تهافتهم على موائد أعدائهم... وسنة اللَّه خِلْفَة لِمَ أكده العالمون بقولهم: «من استعجل شيئاً قبل أوانه عوقب بحرمانه».
وينكرون المناهج الترقيعية التي تمكن للظالمين وتجعلهم يستخفون بالمسلمين، ويجعلونهم شيعاً وأحزاباً بأسهم بينهم شديد... ومن ثم تمييع العقيدة الإسلامية، بل القضية الإسلامية برمَّتها.
وينكرون المناهج الانقلابية الثورية التي يكون وقودها المسلمين، وتتأخر الدعوة بسببها سنوات كثيرات.
هذا الذي ينكره السلفيون ويحذرون منه، حاديهم في ذلك كله قوله -تعالى-: {إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت وما توفيقي إلا باللَّه عليه توكلت وإليه أنيب} [هود: 88] » [من مقالة بعنوان: "السلفيون والسياسة" لسليم الهلالي].فالتغيير إن لم يكن على منهج صفوة الأمة « السلف الصالح »؛ فهو جهد ضائع . قال بعض السلف: « لن يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها » .
لننظر الآن إلى « د. سعد فقيه » ، ودعوته :
هل تحققت مواصفات « دعاة الحق » في الدكتور سعد ، وهل سلك في دعوتِه، ما سلكه الأئمة المصلحون – الذين نجحت دعوتهم نجاحا باهرا - ؟! .
حقيقة نحن نعرف عن الدكتور سعد أنه « طبيب »، ولسنا نعرف عن نشأته وطلبه للعلم الشرعي شيئاً، ولا نعرف أنه من أهل الفتوى، ولا نعرف عنه سمتَ العلماء بل الرجل معروف بتصريحاته البعيدة كلَّ البعد عن العلم، والحكمة ! وهو أيضا يلبس اللباس الإفرنجي ! وهذا اللبس ليس من سمت العلماء .
أما عن « دعوتِه »؛ فإنَّ أموراً كثيرة تقدحُ في قلوبِنا الشكّ من صلاح هذه الدعوة – فضلاً عن إخلاص أصحابها - .
من هذه الأمور ما أشار إليه رئيس القضاء الأعلى فضيلة الشيخ : صالح بن محمد اللحيدان – في محاضرة له – حيثُ يقول : « إنَّ إنساناً يختارُ دولةً كافرة؛ جيوشُها تدوسُ حِمى العِراق، وتقتُلُ المسلمين، يجعلُها ملجأً له ومكاناً لبثِّ دعوتِه.. أعتقدُ أنَّ كلَّ مسلمٍ في هذه البلاد يفكِّرُ قليلاً يمقتُ هذا الشخصَ ».
ومنها أن صاحبَها لم يعرف بعلم الشريعة؛ فهو طبيب ! ، وليس مفتياً .
ومنها – وهو الأهم – أنَّ منهجَه في الدعوة – إن صحت التسمية – مخالف تماماً لما عليه سلف الأمة، وما وضَّحه النبي صلى الله عليه وسلم بأحاديث صحيحة صريحة؛ حيثَ وضَّح عليه أفضل الصلاة والتسليم المنهجَ الحقَّ في التعامل مع أثرة السلطان وجوره .
ومنها أنَّ علماء السنة في الداخل والخارج لم يوافقوه على ذلك المنهج سواء بلسان الحال، أو المقال.
فالألباني – رحمه الله – في الشام، وابنُ باز والعثيمين رحمهما الله والفوزان – حفظه الله - وغيرهم في السعودية، والوادعيُّ – رحمه الله – في اليمن . وغيرهم .
لم نعرف عن هؤلاء العلماء إلا التحذير من منهج « الثورات » و« المظاهرات » و« التكفير بغير حق ».
__________________
[mark=FFFFFF][align=right]قال الشيخ عبد الرحمن السَّعدي -رحمه الله-: «على كلِّ عبدٍ ... أن يكون في أقواله وأفعاله واعتقاداته وأصول دينه وفروعه متابعًا لرسول الله متلقيًّا عنه جميعَ دينِه، وأن يعرِض جميع المقالات والمذاهب على ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم؛ فما وافقَهُ قبلَهُ، وما خالَفَهُ ردَّه، وما أشكل أمره توقف فيه».
[/center]
[توضيح الكافية الشافيَة]. [/mark]
صفحة ناشر الفصيح
|