مشاهدة لمشاركة منفردة
قديم(ـة) 11-09-2009, 12:10 AM   #2
قمردين
عـضـو
 
صورة قمردين الرمزية
 
تاريخ التسجيل: Aug 2004
البلد: جزيره العرب
المشاركات: 2,443


لماذا النساء أكثر أهل ‏النار؟‎ ‎

المجيب‎ ‎ أ.د‎. ‎سليمان بن فهد العيسى‎
أستاذ الدراسات العليا بجامعة الإمام محمد بن سعود ‏الإسلامية‎ ‎



ورد في الحديث الصحيح أن أكثر أهل النار من‎ ‎النساء، ثم ذكر سببين لذلك: كونهن ‏ناقصات في العقل والدين. ثم سألت امرأة عن‎ ‎النقصان في العقل فأخبرها النبي صلى ‏الله عليه وسلم أن نقصان عقلها شهادتها على‎ ‎النصف من شهادة الرجل، ونقصان دينها ‏تركها للصلاة عند الحيض‎.

لكننا نرى من واقع‎ ‎الحياة كثيراً من النساء أعقل من الرجال، ومسألة الحيض هي ‏شيء كما ورد في خطاب‎ ‎النبي -صلى الله عليه وسلم- لعائشة -رضي الله عنها- ‏‏"كتبه الله على بنات آدم". فكيف‎ ‎تحاسب النساء على شيء مكتوب عليهن؟‎

أنا حديثة التزام بديني ومثل هذه المسائل‎ ‎سببت لي قلقاً لعدة أشهر، ولم يستطع أهل ‏الدين عندنا أن يجيبوني. أرجو التكرم‎ ‎بتقديم إجابة شافية. وجزاكم الله‎ ‎خيراً‎. ‎

الجواب‎ ‎
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على رسول الله وبعد‎:

أولاً‎: ‎ما ذكرته الأخت السائلة من أنه ورد في الحديث الصحيح أن عامة أهل النار من ‏النساء‎ ‎صحيح، بل هو حديث متفق على صحته، غير أن الحديث جاء بلفظ "أُرِيتكن ‏أكثر أهل‎ ‎النار‎".

ثانياً: ما ذكرته من أن الرسول صلى الله عليه وسلم- ذكر سببين لذلك‏‎ ‎كونهن ناقصات ‏عقل ودين غير صحيح، بل إنه صلى الله عليه وسلم ذكر سببين هما: "كثرة‎ ‎اللعن، ‏وكفران العشير، - أي الزوج- وبناءاً على هذا فالسببان اللذان جعلتهن أكثر‏‎ ‎أهل النار ‏هما: اللعن،وكفران الزوج. وجاء ذكر نقص العقل والدين زيادة على الجواب‎ ‎يُسميها ‏العلماء بالاستتباع، لا أنهما السبب في كونهن أكثر أهل النار‎.

وتتميماً‎ ‎للفائدة أنقل نص الحديث فقد روى البخاري في صحيحه عن أبي سعيد الخدري ‏رضي الله عنه‎ ‎قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في أضحى، أو في فطر إلى ‏المصلى فمر على‎ ‎النساء، فقال صلى الله عليه وسلم: "يا معشر النساء: تصدقن؛ فإني ‏أُرِيتكن أكثر أهل‎ ‎النار، فقلن وبم يا رسول الله؟ قال: تكثرن اللعن، وتكفرن العشير، ما ‏رأيت من ناقصات‎ ‎عقل ودين أذهب لِلُبِّ الرجل الحازم من إحداكن، قلن وما نقصان ‏ديننا وعقلنا يا رسول‎ ‎الله؟ قال: أليس شهادة المرأة مثل نصف شهادة الرجل؟ قلن: بلى، ‏قال: فذلك من نقصان‎ ‎عقلها، أليس إذا حاضت لم تصل، ولم تصم؟ قلن: بلى، قال: ‏فذلك من نقصان دينها" صحيح‎ ‎البخاري(304)، وقد رواه مسلم أيضاً عن ابن عمر ‏رضي الله عنهما بلفظ قريب من لفظ‎ ‎البخاري حديث(79) فالحديث متفق عليه‎.

هذا، وقول السائلة -في وصف النبي صلى الله‎ ‎عليه وسلم النساء بنقصان العقل ‏والدين- لكننا نرى من واقع الحياة أن كثيراً من‏‎ ‎النساء أعقل من الرجال، ومسألة ‏الحيض... إلى آخر سؤالها جوابه ما قاله المازري‎ ‎وغيره، فقد قال النووي في شرحه ‏لصحيح مسلم (ج2ص67)، وما بعدها ما نصه: (قال الإمام‎ ‎أبو عبد الله المازري رحمه ‏الله: قوله صلى الله عليه وسلم: "أما نقصان العقل فشهادة‎ ‎امرأتين تعدل شهادة رجل" ‏تنبيه منه صلى الله عليه وسلم على ما وراءه وهو ما نبه‎ ‎الله تعالى عليه في كتابه بقول ‏تعالى: "أن تضل إحداهما فتذكر إحداهما الأخرى‎" [‎البقرة:282]، أي أنهن قليلات ‏الضبط، قال وقد اختلف الناس في العقل ما هو؟ فقيل هو‎ ‎العلم، وقيل بعض العلوم ‏الضرورية، وقيل قوة يميز بها بين حقائق المعلومات، هذا‎ ‎كلامه، قلت: والاختلاف في ‏حقيقة العقل وأقسامه كثير معروف، لا حاجة هنا إلى الإطالة‎ ‎فيه، واختلفوا في محله، ‏فقال أصحابنا المتكلمون هو في القلب، وقال بعض العلماء وهو‎ ‎في الرأس والله أعلم‏‎.

وأما وصفه صلى الله عليه وسلم النساء بنقصان الدين لتركهن‎ ‎الصلاة والصوم في زمن ‏الحيض، فقد يستشكل معناه وليس بمشكل، بل هو ظاهر، فإن الدين‎ ‎والإسلام مشتركة ‏في معنى واحد، كما قدمنا في مواضع، وقد قدمنا أيضاً في مواضع أن‎ ‎الطاعات تسمى ‏إيماناً وديناً، وإذا ثبت هذا علمنا أن من كثرة عبادته زاد إيمانه‏‎ ‎ودينه، ومن نقصت ‏عبادته نقص دينه، ثم نقص الدين قد يكون على وجه يأثم به؛ كمن ترك‎ ‎الصلاة أو ‏الصوم أو غيرهما من العبادات الواجبة عليه بلا عذر، وقد يكون على وجه لا‎ ‎إثم فيه؛ ‏كمن ترك الجمعة أو الغزو أو غير ذلك مما لا يجب عليه لعذر،وقد يكون على‎ ‎وجه ‏هو مكلف به؛ كترك الحائض الصلاة والصوم‎.

فإن قيل فإن كانت معذورة، فهل تثاب‎ ‎على الصلاة في زمن الحيض؟ وإن كانت لا ‏تقضيها كما يثاب المريض والمسافر، ويكتب له‎ ‎في مرضه وسفره مثل نوافل الصلوات ‏التي كان يفعلها في صحته وحضره‎.

فالجواب: أن‎ ‎ظاهر هذا الحديث أنها لا تثاب، والفرق أن المريض والمسافر كان يفعلها ‏بنية الدوام‎ ‎عليها مع أهليته لها، والحائض ليست كذلك، بل نيتها ترك الصلاة في زمن ‏الحيض، بل‎ ‎يحرم عليها نية الصلاة في زمن الحيض، فنظيرها مسافر أو مريض كان ‏يصلي النافلة في‎ ‎وقت، ويترك في وقت غير ناوٍ الدوام عليها، فهذا لا يكتب له في ‏سفره ومرضه في الزمن‎ ‎الذي لم يكن يتنفل فيه) انتهى كلام النووي‎.

هذا وقول السائلة: ومسألة‎ ‎الحيض هي‎ ‎شيء كما ورد في خطاب النبي صلى الله عليه ‏وسلم لعائشة رضي الله عنها كتبه الله على‎ ‎بنات آدم فكيف تحاسب النساء على شيء ‏مكتوب عليهن؟ انظر ما رواه البخاري (294‏‎)‎،‎ ‎ومسلم (1211‏‎).

جوابه: أن نقول: ومن الذي قال بأنها تحاسب على ذلك؟ ليس في الحديث‎ ‎ما يدل على ‏ذلك، وما جاء في الحديث من أن النساء أكثر أهل النار تقدم ذكر سببه وهو‎ ‎اللعن، ‏وكفران العشير لا الحيض، وما جاء في الحديث من وصف المرأة بنقص الدين بين‏‎ ‎ذلك الرسول صلى الله عليه وسلم بأنها تجلس الأيام لا تصلي، وهذا نقص دين فمن ‏كثرت‎ ‎عبادته زاد إيمانه ودينه، ومن نقصت عبادته نقص دينه. فالكامل مثلا ناقص عن ‏الأكمل،‎ ‎ومن ذلك الحائض لا تأثم بترك الصلاة زمن الحيض لكنها ناقصة عمن ‏يصليها على الدوام،‎ ‎ومن طال عمره وحسن عمله، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء‎.

وأما وصف النبي صلى الله‎ ‎عليه وسلم للنساء بنقص العقل فليس معناه نقص أصل ‏العقل، وإنما المراد به قلة ضبط‎ ‎المرأة وضعف ذاكرتها غالباً، ولهذا جعل الله شهادة ‏المرأتين تقوم مقام شهادة الرجل،‎ ‎وبين سبحانه العلة في ذلك بقوله: "أن تضل إحداهما ‏فتذكر إحداهما الأخرى‎" [‎البقرة:282]، وهذا تشريع من الحكيم العليم الخالق الذي أوجد ‏الخليقة من العدم قال‎ ‎تعالى: "ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير" [الملك: 14]، وقال ‏تعالى: "هو أعلم بكم‎ ‎إذا أنشأكم من الأرض وإذ أنتم أجنة في بطون أمهاتكم فلا تزكوا ‏أنفسكم هو أعلم بمن‎ ‎اتقى" [النجم: 32]، والله سبحانه وتعالى لم يجعل المرأة مساوية ‏للرجل في كل شيء،‎ ‎قال –تعالى-: "وليس الذكر كالأنثى" [مريم: 36]، وقال –تعالى-: ‏‏"الرجال قوامون على‎ ‎النساء بما فضل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم" ‏‏[النساء: 34]، وقال‎ ‎تعالى: "وللرجال عليهن درجة" [البقرة: 228]، قال ابن كثير في ‏تفسيره (ج1 ص271)، أي‎ ‎في الفضيلة والخَلق، والخُلق والمنزلة، وطاعة الأمر ، ‏والقيام بالمصالح، والفضل في‎ ‎الدنيا والآخرة" انتهى، هذا، وقد جعل الله – سبحانه ‏وتعالى- المرأة على النصف من‏‎ ‎الرجل في عدة أحكام: أحدها الشهادة كما تقدم، ‏والثاني في الميراث، والثالث في‎ ‎الدية، والرابع في العقيقة، والخامس في العتق. والله ‏سبحانه يخلق ما يشاء ويختار،‎ ‎قال –تعالى-: "وربك يخلق ما يشاء ويختار ما كان لهم ‏الخيرة" [القصص: 68]، ولقد فضل‎ ‎الله بعض الرسل على بعض؛ قال –تعالى-: "تلك ‏الرسل فضلنا بعضهم على بعض" [البقرة‎: 253]‎، وفضل بعض الأماكن على بعض، ‏وبعض الزمان على بعض...إلخ‎.

هذا وعلى المرء‎ ‎المسلم التسليم لما جاء عن الله ورسوله صلى الله عليه وسلم من غير ‏تردد ولا شك، قال‎ –‎تعالى-: "وما كان لمؤمنة ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمراً ‏أن يكون لهم الخيرة‎ ‎من أمرهم" [الأحزاب: 36]، وقال –تعالى- في شأن طاعة الله ‏ورسوله صلى الله عليه‎ ‎وسلم: "فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم ‏لا يجدوا في أنفسهم حرجاً‎ ‎مما قضيت ويسلموا تسليماً" [النساء: 65]، هذا، وأكتفي بهذا ‏القدر من الإجابة‎. ‎سائلاً الله تعالى أن يهدينا صراطه المستقيم، وأن يثبتنا على دين ‏الإسلام، وأن‎ ‎يتوفانا عليه، وأن يرزقنا التسليم لما جاء عن الله وعن رسوله صلى الله ‏عليه وسلم،‎ ‎وأن يعيذنا من همزات الشياطين إنه على كل شيء قدير، وأن يرزق ‏الأخت السائلة الثبات‎ ‎على الدين وطمأنينة القلب وحسن الختام وصلى الله وسلم على ‏نبينا محمد، وآله وصحبه‎ ‎أجمعين‎.



__________________
قمردين غير متصل