28-09-2009, 10:26 AM
|
#21
|
كاتب مميّز
تاريخ التسجيل: Feb 2006
البلد: في مكتبتي
المشاركات: 1,537
|
أخي العزيز الصمصام :
بحثت عن كلام المفسرين حول معنى الوسط في الآية , ووجدت ما يلي :
قال ابن كثير : الوسط هو الخِيار والأجود , كما يقال : قريش أوسط العرب نسباً وداراً أي خيرها , وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم وسطاً في قومه أي أشرفهم نسباً .
وقول آخر : أن الوسط هو العَدْل , والعدل معناه الوقوع بين طرفين مذمومين : الإفراط والتفريط ( لا ضرر ولا ضرار ) , ويؤيد هذا الحديث الصحيح عند البخاري وأحمد وغيرهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " يدعى نوح يوم القيامة , فيقال له : هل بلغتَ ؟ فيقول : نعم ... فيقال له : من يشهد لك ؟ فيقول : محمد وأمته , قال : فذلك قوله : " وكذلك جعلناكم أمة وسطاً " , قال : والوسط : العدل , فتدعون فتشهدون له بالبلاغ ثم أشهد لكم " .
قال الزجاج: فيه قولان: قال بعضهم وسَطاً عَدْلاً، وقال بعضهم خِياراً، واللفظان مختلفان
والمعنى واحد لأَن العَدْل خَيْر والخير عَدْلٌ " معاني القرآن وإعرابه : 1/ 219 .
ولعلك تلحظ أخي العزيز أن القول بأنه الوسط هو الخيار أو العدل قولان متقاربان في المعنى , ولا تضاد ؛ لأن خير الأمور أوسطها ( وقد جاء هذا في حديث مرسل أخرجه العراقي والغزالي في الإحياء ) .
ولابن الأثير كلام نفيس حول هذا المعنى أنقله لك بتمامه : " كلُّ خَصْلة محمودة فلها طَرَفانِ مَذْمُومان، فإِن السَّخاء وسَطٌ بين البُخل والتبذير، والشجاعةَ وسَط بين الجُبن والتهوُّر، والإِنسانُ مأْمور أَن يتجنب كل وصْف مَذْمُوم، وتجنُّبُه بالتعَرِّي منه والبُعد منه، فكلَّما ازداد منه بُعْداً ازداد منه تقرُّباً، وأَبعدُ الجهات والمقادير والمعاني من كل طرفين وسَطُهما، وهو غاية البعد منهما، فإِذا كان في الوسَط فقد بَعُد عن الأَطراف المذمومة بقدر الإِمكان " [ النهاية في غريب الحديث والأثر : 5 / 184 ] .
ولما كانت هذه الأمة وسطا كانت خير الأمم ( كنتم خير أمة أخرجت للناس ) , ولن تكون خيار الأمم إلا لأنها توسطت في الأمور كلها , وكانت شريعتها وسطا في الدين والأخلاق والمعاملات وكل الأمور .
وأما مسألة أن الوسط معناه العلو فقد يكون هذا من تفسير الشيء بنتيجته , لأن هذه الأمة لما كانت خير الأمم وقائمة على العدل والوسطية كانت عالية على الأمم الأخرى , وفوقهم في الدنيا والآخرة , ولعل تفسير العلو مأخوذ من بقية الآية " لتكونوا شهداء على الناس " فكأن هذه الأمة يوم القيامة على علو من الأرض يطلعون على الناس ويشهدون عليهم , ولك أن تتصور هذا الأمر وتتخيله ففيه جمال تصوير عجيب .
ويدل على ذلك حديث أورده ابن كثير في تفسيره عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " أنا وأمتي على كوم مشرفين على الخلائق , ما من الناس أحدٌ إلا ودّ أنه منا , وما من نبي كذبه قومه إلا ونحن نشهد أنه قد بلغ رسالة ربه عز وجل " رواه ابن مردويه والحاكم .
والله تعالى أعلم .
__________________
وَمِنْ عَجَبٍ أنَّ الفتَى وهْوَ عاقِلٌ ,,, يُطِيعُ الهَوَى فِيما يُنافِيه رُشْدُهُ يَفِرُّ منَ السُّلوان وهْوَ يُرِيْحُـهُ ,,, ويأوِي إلى الأشْجانِ وهي تَكُدُّهُ
[ محمود سامي البارودي ]
|
|
|