معاناة سائح حتى هذه اللحظة فمن يهتم له !!
[FRAME="14 70"]
كتب بتاريخ : 13 / 10 شوال / 1430هـ
مع التحية للمواصلات
وصورة للهيئة العليا للسياحة
وصورة للهئية العامة للموانئ
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ، وأسعد الله مساءكم بكل خير ، وجعل رحلاتكم سعيدة في ربوع بلادي !!
عندما كنت صغيرا كنت أسمع الناس يتحدثون عن جزيرة اسمها ( فرسان ) في جنوب المملكة ، وبعضهم يحكي مغامراته فيها !! ، وكبرت كما يكبر الناس ، وطالت خطاي ، وتجاوزت بلدي الذي ولدت فيه !!، وكما هي عادة الناس ، يتناقلون الأخبار ، من أماكن السياحة ، والرحلات ، والشواطئ الآسرة ، والمنتجعات الجميلة ، وسمعتُ عن هذه الجزيرة ؛ وأنك إذا أردتها فلا بد لك من سفينة أو ( عبارة ) تنقلك في لجة البحر ، ويحكي الناس أساطير لا يحسن ذكرها ، وفعلاً ذهبتُ قبل سنوات لأمتع ناظري بمشاهد رائعة ، خاصة مع وجود محمية الغزلان ، ولكن باءت تلك المحاولات بالفشل ، حجزتُ فيها قبل يومين وأتيت قبل الموعد بساعتين ولكن العبارة ذهبتْ دون أن نركب !! ولماذا ، قالوا زحمة ، مع أن التذاكر صادرة عن المواصلات الذين يعرفون كم تحمل العبارة ، وكم عدد من يركب فيها !! ؛ رجعتُ منهم وقلت أبها خيرٌ منها وأبهى ، وتكررت المحاولة مرة ومرتين وثلاثاً وأربعاً و السالفة هي السالفة ....
وفي هذه السنة بعد العيد وكان حلماً يراودني من أول السنة ، ويسر الله لي رفقة من خيرة الزملاء؛ ذهبنا وتجولنا في ربوع البلاد ، وتمتعنا بهواء نقيٍ، ومناظر جميلة؛ وإن كانت الرفقة هي ما يجمل الرحلات؛ هذا في قناعتي الشخصية ، وسبقنا بعض الإخوة من أجل ترتيب الحجز لجزيرة فرسان ، وفعلاً أتينا في الموعد المحدد ، وانطلقنا في انتظار مميت وقاتل لمدة ساعتين !! ثم انطلقنا إلى صالة الانتظار من خلال باص أظن أن أبرهة قد ركب فيه !! ، وانتظرنا هناك نصف ساعة ، ثم تفضلوا علينا بالإذن فركبنا العبارة الجميلة، وانتظرنا نصف ساعة أخرى ، ثم انطلقت الرحلة وكان الركاب قليل بالنسبة لسعة العبارة فهي كبيرة وجميلة ، وفيها من وسائل الراحة ما يرضي ، وسارت بنا مبحرة في عرض البحر ، وكنت أتابع سير الرحلة بالقارمن فسرعتها لا تزيد عن 52 كلم في الساعة ، ثم أرست السفينة على شاطئ فرسان ، ومن حظي أني اطلعت على صور كثيرة لها قبل قدومي ، فعلمت أنها ليست كتلك الجزر التي في المحيط الهادي ، أو كجزر القمر ، وإنما الفضول يزجي بنا أكثر من روعة المكان ، كانت سيارتنا معنا وإلا لكانت مشقة لا توصف؛ فالبلد ليس فيه تأجير للسيارات حتى في الموسم ، عدا ما يقوم به أهل البلد من خدمتك بأجور سمعنا أنها كبيرة ، تجولنا قبل الغروب على شاطئ ( جنابة ) الكورنيش !! كان ترابا بريئاً مع بعض حاويات للنظافة ، وكثير من إزعاج الشباب بالأغاني ، مع شيء من الرطوبة ، وسكون للرياح، وله من اسمه نصيب !! ... إلخ ..
رجعنا إلى فرسان كي نستأجر بيتا؛ وجدنا سكنا متواضعا، وبمبلغ معقول نوعا ما لا يهم هذا وغيره ، فالبلد بالجملة لا تفرق بينه وبين غيره وربما يتميز بسوق السمك الجميل والرائع وأولئك الباعة الذين لا تفارقهم البسمة ، ويسعون في خدمتك ، هذا ما رأيته وربما رأى غيري غير هذا ...
قيل لنا لا بد أن تحجزوا للعودة فور وصولكم ، وفعلاً قبل أن نستأجر الدار عرجنا على مكان الحجز وبمجرد دخولنا يوم الثلاثاء عصر لنحجز على رحلة الأربعاء فقال موظف الحجز : أقرب حجز لكم يوم الخميس العصر !!! ولم يدع لنا لسوء خلقه مجالا للكلام ، وقلنا طيب وفي أنفسنا حماس كي نرى هذه الجزيرة التي سارت بأخبارها الركبان !! وفوضنا أمرنا إلى الله ونعم بالله ...
لا تستحق البلد أن توصف فليس فيها شيء ، ونصيحة لمن أراد الذهاب ألا يكلف نفسه وعائلته المشقة، ثم لا يتحقق له شيء من معاني الرحلة والسياحة : الجمال ، والطبيعة ، والمتعة وشيء من الترف ، فكلها لا تجد نزرا منها في ذلك المنفى الكبير !! ، سوى طيبة الناس ، وحسن استقبالهم ، والوداعة التي نراها على وجوههم ، وهذا حق نشهد به لمن رأينا منهم .
ومضى يوم الثلاثاء ، وتلاه الأربعاء بقضه وقضيضه ، وأسفر يوم الخميس ، ونحن نعقد العزم أن نكفر عن هذه الرحلة بأيام في رأس أبها ( السودة ) وبعدها لكل حادثة حديث !! ولكن أنت تريد ، وأنا أريد ، والله يحكم ما يريد ، تهيأنا للسفر ظهر يوم الخميس الساعة الواحدة أي قبل مغادرة العبارة بثلاث ساعات ، وانطلقنا والأمل يحدونا ، والرجاء بفك الأسر يملأ قلوبنا ، وشفاهنا باسمة ، وأقلبنا على بوابة الميناء ، فإذا العدد لا بأس به من المغادرين ، ورصفنا سيارتنا مع من رصف ، وتحدثنا بكل شيء ، وعن أي شيء ، بل إن بعضنا نطق وليته ما نطق فالبلاء موكل بالمنطق كما قيل !!، ثم مضى الوقت، وتكاثر الناس ، وازداد المغادرون ، وقرب الموعد: الساعة الثانية والنصف هو موعد ركوب السيارات ، ولم يركب أحد !! ، ويمضي الوقت- تحت لهيب الشمس ، وعوادم السيارات- كئيباً ، فلا صالة انتظار ، ولا ما يظل من الشمس ، ولا تعرف من تخاطب ، ولا من يخفف عن كاهلك لوعة الانتظار القاتل ، وبلغت الساعة الثالثة وعشرٌ ونحن نرتقب ، ونتثاءب ، ونقلب أبصارنا بين طبائع الناس ، وحيلهم ، وسوء أخلاقهم ، ثم فُرجتْ فيما نظن ونبصر ، وفتحوا لمن يحمل تذكرة ومن لا يحملها لم يأتي من البداية !! ، وقد تجمع ما يزيد عن مائة سيارة !! مع أن العبارة لا يمكن أن تحمل أكثر من ستين !! فمن المسئول عن هذا !! ثم توقفوا فجاءة ، وكثر الخصام بين الناس وبين حرس الحدود أو خفر السواحل ، ثم سمح للسيارات التي لم تتجاوز الأربعين أن تدخل وكنا من بينها ، واستبشرنا ، فأسرعنا ، ورأينا بعضهم يتجاوز بسيارته غيره في وقاحة ظاهرة ، وصفاقة وجهٍ ، وسوء تربية ، مع أنَّ ظاهرهم يدل على خلاف ما رأيناه منهم !! لكن السفر يسفر عن وجوه الرجال كما قيل !!
ثم وصلنا قرب العبارة ، والناس وقوف !! نزلنا لنستيقن الخبر ، فقالوا العبارة ممتلئة !! هكذا وبدون مقدمات !! وقالوا أنها لا تتسع إلا لأربعٍ وثلاثين سيارة ، وأن العبارة الأصلية متعطلة ، وهكذا بإشارة من سبابة أحدهم ، أخرجوهم !! أما أن تجد أحداً تخاطبه ، وتتحدث معه ، وتبثه شكواك فتلك أحلام ليلٍ طويلٍ من ليالي الشتاء !!
رجعنا والأمل تنكسر مجاديفه على أخلاق الرجال !! ، وتكاثرت الآراء ، حتى استقر الرأي أن ننقسم فريقين ، فريق يبقى مع السيارة يأتي بها عندما تسنح الفرصة !! ، وكنت مع من ذهب وكنا ثلاثة، رجعنا إلى العبارة فأغلقوا دوننا الباب ، فأنكسر مركب الأمل تحت أقدامهم !! قالوا هناك من يخرجكم؛ ولكن تلك مغامرة ، قلنا كيف : قالوا بالفلوكة !! قلنا وما الفلوكة !! قالوا : سفينة صغيرة عندما تكون في لجة البحر يلعب بها الموج كما يعبث الأطفال بلعبهم !! تجربة لم نعرفها ، لكن غدا الجمعة ، ولا بد لي من الرحيل ، فكانت النفس فيها من اليأس ما يشجعها ، فتوكلنا على ربنا، وانطلقنا مع ذلك القائد البشوش ، والرفقة الطيبة ، وكانت سرعة المركب كسرعة العبارة 52 كلم في الساعة ، وانطلقنا بعدها بربع ساعة ، ووصلنا معهم أو بعدهم بقليل ، ولم نر فيها إلا عظمة ما خلق الله العظيم ، ولطف الله بعبده فوق ما يظن ...
وصلنا وانطلقنا بعيدا بعيداً علنا نسْلَى، ولم نقف إلا في ربوع أبها البهية ، بلدة طيبة ، ورب غفور ...
اتصلنا برفقتنا فإذاهم في لجة اليأس ، وتعكر المزاج ، ذهبوا لمكان الحجز ، فلم يجدوا إلا من ينفث الدخان في وجوههم؛ ويقول لهم: اصطفوا !! فاصطفوا طائعين ، وبلغ عددهم أكثر من مائة !! كثير منهم عوائل ، وكان صاحينا يحمل الرقم 49 فلما وصله الدور؛ نفث أحدهم ما تبقى من سيجارته وقال له : انتهى الدوام غدا تعال !! هكذا يقولها وبكل رعونة ، وصفاقة وجه ، وفوضوا أمرهم إلى الله ، وجاؤوا صباح اليوم الجمعة فإذاهم يبشرونهم بأن أقرب موعد لهم هو يوم الأحد وهو غير مؤكد ، وربما يكون يوم الاثنين !! أو الثلاثاء ، هكذا يتحدث أحدهم وكأنه يقرأ الفاتحة !! ولا زالوا عالقين هناك ، وأعدادٌ كثيرة من ( السياح !! ) كذلك !! ، والسؤال الكبير هنا ؟؟!! هل يعلم أحد بمعاناة هؤلاء البشر ؟ وهل سمع شكواهم شهمٌ من الرجال ؟ فالرحلات لم تزد ، والمعاناة باقية ، موظفون محبسون بلا جناية !! وآخرون لديهم مواعيد مهمة لوظائف كما قيل لنا ، وقائمة لا تنتهي ، لا نعرف مبرراً لتلك التصرفات ، وكأن هؤلاء الناس من طبقة الكادحين أيام الشيوعية !! لا حول لهم ولا قوة ، إنما يسمعون ويطيعون ...
وقد اتصلتُ بهم قبل قليل الساعة 10 مساءاً : وقد أخذوا زاد ثلاثة أيام بلياليها لكي يعتكفوا على بوابة الميناء !! كان الله في عونهم ، وعون من ينتظرهم .
هذه شكوى جردتها من مرارتها، لأكون واقعياً لا يهول الأمور ، ومنصفاً لا تأسره اللحظات الغاضبة ، ومستنجداً لمن بقي هناك، ولا يعلم متى تنتهي معاناته؛ حتى يعاهد الله عَهْدَ صدقٍ لا يحنث فيه أنه لا يعود !!كتبه أخوكم : أبو ربى - بريدة [/FRAME]
|