مشاهدة لمشاركة منفردة
قديم(ـة) 03-10-2009, 03:49 PM   #40
أبو سليمان الحامد
كاتب مميّز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2006
البلد: في مكتبتي
المشاركات: 1,537

الحلقة الرابعة :
قال الله تعالى :
{أَفَرَأَيْتُم مَّا تَحْرُثُونَ , أَأَنتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ , لَوْ نَشَاء لَجَعَلْنَاهُ حُطَامًا فَظَلَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ , أَفَرَأَيْتُمُ الْمَاء الَّذِي تَشْرَبُونَ , أَأَنتُمْ أَنزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنزِلُونَ , لَوْ نَشَاء جَعَلْنَاهُ أُجَاجًا فَلَوْلَا تَشْكُرُونَ } ( 63- 70) سورة الواقعة .

نلحظ أن الله تعالى قال في الزرع : (لَجَعَلْنَاهُ ) بإدخال اللام , وقال في المطر والماء (جَعَلْنَاهُ ) بدون اللام . فما الفرق بين الموضعين ؟
الجواب – الله أعلم – أن الزرع فيه بيان لعمل البشر فيه ( تحرثون , تزرعون ) فناسب أن تدخل اللام تقوية للجواب , لأن وقع فساد الزرع في نفوس المزارعين أشد وأقسى , لأنهم عملوه بأيدهم , فدخلت اللام لتبين التأكيد على قدرة الله تعالى على إفساده ولو أنه من صنعكم وتعبكم .
أما المطر فليس للبشر أي تصرف فيه ؛ لأنه من عند الله تعالى أنزله وهيأه للناس وجعله عذبا صالحاً للشرب .
فقدرة الله تعالى على إفساد الغيث وتحويله إلى أجاج أبين وأوضح من قدرته على الزرع ( بالنسبة للمخاطبين ) , فلم تدخل اللام هنا , لعدم الحاجة إليها . والله تعالى أعلم .

الحلقة الخامسة :
قال تعالى : {وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُم بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِّن الْعَالَمِينَ} (80) {إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِّن دُونِ النِّسَاء بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ مُّسْرِفُونَ} (81) سورة الأعراف .
وقال سبحانه :
{وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ وَأَنتُمْ تُبْصِرُونَ} (54) {أَئِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِّن دُونِ النِّسَاء بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ} (55) سورة النمل .
لو تأملنا هذين المقطعين من الآيات الكريمة لوجدنا أنها تتحدث عن خطاب لوط لقومه , ولكننا نلحظ في آية الأعراف أنه وصفهم بأنهم ( قوم مسرفون ) , وأما في سورة النمل , فقد وصفهم بقوله : (أَنتُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ ) .
فلماذا قال في الأولى ( مسرفون ) وقال في الثانية : ( تجهلون ) ؟
الجواب والله أعلم :
أنه لما قال في الأعراف : (أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُم بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِّن الْعَالَمِينَ ) ناسب أن يصفهم بالإسراف وتعدي الحدّ , لأن من يعمل عملاً سيئاً لم يُسبق إليه يكون عادة بسبب السَّرَف الذي يصيبه إلى أن يتجاوز المحدود والمعقول .
وأيُّ مجاوزة للمحدود والمعقول أعظم مما يفعله قوم لوط ؟ إذن فهو الإسْرَاف بعينه .
وأما في آية النمل فلم يذكر قبلها جملة ( ما سبقكم ... ) بل قال : ( وأنتم تبصرون )
ومَنْ يعمل عملاً يخالف الفطرة , وهو في كامل وعيه وبصيرته فهو الجاهل الأحمق .

ونلحظ أيضاً أنه قال في آية الأعراف ( مسرفون ) فعبر بالاسم , ولم يقل : تسرفون .
وأما في سورة النمل فعبَّر بالفعل المضارع ( تجهلون ) ولم يقل ( جاهلون ).
والعلة في ذلك والله أعلم أن الإسرَافَ – غالباً - طبعٌ في النفس لا يتغير , والاسم يدل على الثبات دائماً .
وأما الجهل فهو يزول مع العلم , فعبر بالفعل الدال على التجدد , لأن الجهل ليس ملازماً لهم , ولكنه متجدد معهم في كل فاحشة يعملونها , وكأن في التعبير بالفعل ( تجهلون ) دلالةً على أنهم يَتَقَصَّدُونَ الجهلَ والصَّدّ عن النصيحة والعلم , فيتجدد معهم الجهل كل مرة فناسب أن يأتي الفعل المضارع .
والله تعالى أعلم وأحكم .
__________________

وَمِنْ عَجَبٍ أنَّ الفتَى وهْوَ عاقِلٌ ,,, يُطِيعُ الهَوَى فِيما يُنافِيه رُشْدُهُ
يَفِرُّ منَ السُّلوان وهْوَ يُرِيْحُـهُ ,,, ويأوِي إلى الأشْجانِ وهي تَكُدُّهُ


[ محمود سامي البارودي ]
أبو سليمان الحامد غير متصل