قلتُ :
إن الروايات في هذا الباب كثيرة , ومن يتتبعها يتضح له الحق و المعنى الصحيح ومن أراد الحق فسيوفقه الله .
قال الشيخ :عبدالله الغنيمان :
[إن من يتتبع روايات هذه الأحاديث يتبين له بوضوح المعنى المراد بها, وقد تقدم ما فيه الكفاية من ذكر الروايات, لمن كان قصده الحق] أ . هـ
وقد ورد في المسألة عدة أقوال سأذكرها في معرض الرد , لكن أحب أن أنبه الاخوة الكرام , إلى أن مذهب أهل السنة والجماعة وتوجيههم للحديث ثابت مهما تعددت الروايات
ويوجد أقوال أخرى , تستند لبعض هذه الروايات ,
من ذلك مانقله لنا ناقد , وهو حديث { إذا ضرب أحدكم فليتجنب الوجه ولا يقل قبح الله وجهك ووجه من أشبه وجهك فإن الله خلق آدم عليه السلام على صورته}
فهذا الحديث استدل به من قال بأن الضمير يعود على المضروب ,واستدل به أيضًا من يقول بأن الضمير يعود إلى الله , ولإبن عثيمين توجيه جيد لهذا الحديث وتوجيههُ يتوافق مع مذهب أهل السنة والجماعة وتوجيه الأئمة , ويبيّن ألا تعارض بين الروايات , وسأذكره بعد قليل .
وقد ذكر ناقدُ سابقًا حديث
{لاتقبحوا الوجه فإن الله خلق آدم على صورة الرحمن}
(وهذا الحديث=
جاء من طريقين :من طريق الأعمش، عن حبيب بن أبي ثابت، عن عطاء، عن ابن عمر بلفظ (لا تقبحوا الوجه، فإن الله خلق آدم على صورة الرحمن). أخرجه عبد الله بن أحمد في السنة (498)، وابن أبي عاصم في السنة (529)، وابن خزيمة في التوحيد (1 / 85)، و الآجري في الشريعة (725) و الدارقطني في الصفات (45، 48 )، و البيهقي في الأسماء والصفات (640) كلهم من طريق جرير عن الأعمش به .
وهومختلف في صحته , وفيه علل خمس
أكتفي بذكر علتين وهما :
العلة الأولى : الإنقطاع في السند
ولينظر إلى ماتحته خط في الاسناد السابق , فعطاء بن أبي رباح لم يسمع من ابن عمر . فيكون منقطعًا
وقد نص على ذلك الإمام أحمد بن حنبل , وطبيبُ العلل علي بن المديني ، كما في جامع التحصيل للعلائي .
وذكر ذلك ابن أبي حاتم في المراسيل عن الإمام أحمد بأن عطاء لم يسمع من ابن عمر .
العلة الثانية : تدليس الاعمش , وحبيب بن أبي ثابت ..
وقد يقال بأن إسحاق بن راهويه , والإمام أحمد قد صححا الحديث (كما احتج بهذا الشيخ التويجري رحمه الله)
فيقال أنه ربما كان تصحيح ابن خزيمة للحديث تبعًا لغيره , ولم تظهرله علته .
قال الشيخ خالد بن عمر الفقيه الغامدي :
معلقًا على رواية (على صورة الرحمن). .
1/ لم يصحح الحديث بهذه اللفظة من المتقدمين فيما وقفت عليه إلا إسحاق بن راهويه.
2/ لم يرد عن الإمام أحمد رحمه الله تصحيح رواية " على صورة الرحمن " من وجه صحيح ، وقد أخطأ من نسب إليه ذلك ، وإن كان يرجع الضمير في الرواية " على صورته " إلى الله تعالى ويجعل من أعاده إلى آدم من الجهمية .
وقال بعض طلاب العلم أن تصحيح الحديث قديكون من صنيع المحقق . .
3 /أن الدارقطني أعلَّ رواية ابن عمر ، ورجَّح أن المرسل عن عطاء هو الأصح ، وهو خلاف ما قال الشيخ حمود رحمه الله ص ( 26:
وجاء من طريق آخر عند ابن خزيمة في كتاب التوحيد من طريق سفيان الثوري لكنه مرسل فقد رواه عطاء ولم يذكر ابن عمر .
قلتُ أنا أباريّان : وسواء صح حديث (على صورة الرحمن) أم لم يصح , فمذهب أهل السنة والجماعة , يتوافق مع هذا الحديث ومع غيره , ويمكن الجمع بينه وبين الآية . ولاتعارض .
فإن الضمير يعود إلى الله وهذا هو الصواب الذي دلت عليه النصوص؛ والذي أقره المحققون كالإمام أحمد وشيخ الإسلام وابن القيم, وغيرهم من أهل السنة والجماعة -قالوا: الضمير يعود إلى الله " خلق الله آدم على صورته " يعود إلى الله - عز وجل - ويدل على ذلك الروايات الأخرى التي صححها الحافظ في الفتح في الجزء الحادي عشر؛ خلق الله آدم على صورة الرحمن. وهذا يؤيد ماورد في صحيح مسلم وقلتُ سابقًا أن هذا وإن كان فيه نوعًا من مشابهه فإنه يكون في مطلق مسمى الصفة ومعناها.
وإن لم يصح حديث (على صورة الرحمن) فيبقى التوجيه سلميًا كما ورد في صحيح مسلم ( على صورته) بأن ذلك تخصيص وتشريف .
ويبقى لنا الحديث الآخر وهو {إذا ضرب أحدكم فليتجنب الوجه ولا يقل قبح الله وجهك ووجه من أشبه وجهك فإن الله خلق آدم عليه السلام على صورته}
وهذا الحديث استدل به من قال أن الضمير يعود على المضروب
وقال شيخ الإسلام :
[أنه في مثل هذا لا يصلح إفراد الضمير، فإن الله خلق آدم على صورة بنيه كلهم، فتخصيص واحد لم يتقدم له ذكر، بأن الله خلق آدم على صورته، في غاية البعد.
لا سيما وقوله: (( إذا قاتل أحدكم ))، و (( إذا ضرب أحدكم )) عام في كل مضروب. .
والله خلق آدم على صورهم جميعهم، فلا معنى لإفراد الضمير. إذاً القول بأن الضمير يعود إلى المضروب قول مردود .] أ.هـ
طيب طيب , لو قال ناقد ماالتوجيه الصحيح للحديث حتى يتوافق مع آية ليس كمثله شي وهو السميع البصير . .
وهل هذه اللفظة من الحديث (ووجه من أشبه وجهك)توافق ماذهب إليه أهل السنة والجماعة من تخصيص وتشريف .
فأقول له : نَعَمُ .
وقد واعدتكم في أوائل الرد أن أذكر توجيه الشيخ ابن عثيمين لهذه اللفظة , وفق النصوص الثابتة فقال :
[وأما الجواب المفصل: فنقول: إن الذي قال: "خلق الله آدم على صورته" رسول الذي قال: { لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ }(54)، والرسول لا يمكن أن ينطق بما يكذب المرسل والذي قال: "خلق آدم على صورته" هو الذي قال: "إن أول زمرة تدخل الجنة على صورة القمر"(55) فهل أنت تعتقد أن هؤلاء الذين يدخلون الجنة على صورة القمر من كل وجه أو تعتقد أنهم على صورة البشر لكن في الوضاءة والحسن والجمال واستدارة الوجه وما أشبه ذلك على صورة القمر، لا من كل وجه؟!، فإن قلت بالأول، فمقتضاه أنهم دخلوا وليس لهم أعين وليس له أناف وليس لهم أفواه!، وإن شئنا قلنا: دخلوا وهم أحجار!، وإن قلت بالثاني، زال الإشكال، وتبين أنه لا يلزم من كون الشيء على صورة الشيء أن يكون مماثلاً له من كل وجه.
فإن أبى فهمك، وتقاصر عن هذا، وقال: أنا لا أفهم إلا أنه مماثل.
قلنا: هناك جواب آخر، وهو أن الإضافة هنا من باب إضافة المخلوق إلى خالقه، فقوله: "على صورة" مثل قول الله عزَّ وجلَّ في آدم: { وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي }(56)، ولا يمكن أن الله عزَّ وجلَّ أعطى آدم جزءاً من روحه، بل المراد الروح التي خلقها الله عزَّ وجلَّ، لكن إضافتها إلى الله بخصوصها من باب التشريف، كما نقول: عباد الله، يشمل الكافر والمسلم والمؤمن والشهيد والصدّيق والنبي، لكننا لو قلنا محمد عبد الله، هذه إضافة خاصة ليست كالعبودية السابقة.
فقول: "خلق آدم على صورته"، يعني: صورة من الصور التي خلقها الله وصورها، كما قال تعالى: { وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلآئِكَةِ اسْجُدُواْ لآدَمَ }(57)، والمصور آدم إذاً، فآدم على صورة الله، يعني: أن الله هو الذي صوره على هذه الصورة التي تعد أحسن صورة في المخلوقات، { لَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ }(58)، فإضافة الله الصورة إليه من باب التشريف، كأنه عزَّ وجلَّ اعتنى بهذه الصورة ومن أجل ذلك، لا تضرب الوجه، فتعيبه حساً، ولا تقبحه فتقول: قبح الله وجهك ووجه من أشبه وجهك، فتعيبه معنىً، فمن أجل أنه الصورة التي صورها الله وأضافها إلى نفسه تشريفاً وتكريماً، لا تقبحها بعيب حسي ولا بعيب معنوي.
ثم هل يعتبر هذا الجواب تحريفاً أم له نظير؟.
نقول: له نظير، كما في: بيت الله، ناقة الله، وعبد الله، لأن هذه الصورة (أي: صورة آدم) منفصلة بائنة من الله، وكل شيء أضافه الله إلى نفسه وهو منفصل بائن عنه، فهو من المخلوقات، فحنيئذ يزول الإشكال.
ولكن إذا قال لقائل: أيما أسلم المعنى الأول أو الثاني؟ قلنا: المعنى الأول أسلم، ما دمنا نجد أن لظاهر اللفظ مساغاً في اللغة العربية وإمكاناً في العقل، فالواجب حمل الكلام عليه ونحن وجدنا أن الصورة لا يلزم منها مماثلة الصورة الأخرى، وحينئذ يكون الأسلم أن نحمله على ظاهره] أ. هـ
قلتُ :وأجزم أن جواب الشيخ مقنع لمن كان له عقل سليم ولم يتأثر ببعض الأفكار ..!
ونقل لنا ناقد بعض الإسرائليات الموجودة في الكتب المقدسة . ليثبت المماثلة .. وأن ابن باز أخطأ في إقراره لها .
وأحب أن أقول للجهبذ ناقد أن لديَّ أكثر مما ذكرت أنت من هذه الإسرائليات , كـ(سنخلق بشراً على صورتنا يشبهها)
وهذه الإسرائليات معلوم أمرها من جهة شريعتنا , فإن جاءت على مايوافق شرعنا فهي تقبل , وإن جاءت بخلافه فهي ترد , وإن جاءت بخلاف مالانعلمه إلا من جهتم فلانصدق ولانكذب
ولو أردنا أن ننظر إلى عبارة( سنخلق بشراً على صورتنا يشبهها) في ميزان الشريعة
لقلت إن كان المقصود بها أن يكون التشابه في اسم وأصل معناها فهذا صحيح يوافق الأحاديث السابقة ورأي العلماء دون مماثلة الخالق بالمخلوق , وإن كان المقصود بها المماثلة فهي مردودة تخالف الآية
بعدين أنت نقلت لنا هذه الإسرائليات من كتاب التويجري , وتخالف رأيه ورأي ابن باز وكذلك شيخ الإسلام . فهم يتبعون كلام شيخ الإسلام في نقلها :
قال شيخ الإسلام :
[لم يكن بين السلف، من القرون الثلاثة نزاع في أن الضمير في هذا الحديث عائد إلى الله - تعالى - فإنه مستفيض من طرق متعددة، عن عدد من الصحابة، وسياق الأحاديث كلها تدل على ذلك، وهو أيضاً مذكور فيما عند أهل الكتابين، من الكتب، كالتوراة، وغيرها، وما كان من العلم الموروث عن نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم -، فلنا أن نستشهد عليه بما عند أهل الكتاب، كما قال تعالى: {قُلْ كَفَى بِاللّهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِندَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ }. ] أ.هـ
أحبابي الكرام :
الأن شيخ الإسلام يقرر أن الصحابة يقرون ومن بعدهم من القرون المفضلة أن الضمير يعود إلى الله تعالى _ فهل إذا أقر الصحابة ومن بعدهم من القرون المفضلة عودة الضمير إلى الله أنهم يشابهون ويماثلون المخلوق بالخالق _ حاشهم وكلا _
والعلامة ناقد ينسف أقوال الصحابة والسابقين من أهل القرون المفضلة ويخطئهم ...بإعتقاده أن الحديث فيه مماثلة !!!!
أيضًا الفهامة النحرير ناقد يضعف الحديث أصلاً ويعجب ممن يصححه وهذا يلزمه أن يخطئ الإمام مسلم, ولاأدري هل هو يثبت صفة الصورة لله أم لا؟
والإسرائليات في جانب العقيدة يتحرز منها أكثر من أي أمر آخر .
وأنت تعلم أن الإنجيل نزل بالسريانية ثم ترجم ثم ترجم ثم نقل لنا وأيضًا النقل بالمعنى , وكذلك التوراة , ومع ذلك فإن نعرض هذه الآثار على الكتاب والسنة .
عرض لنا ناقد هذا الأثر :
حديث ابن عباس رضي الله عنهما أن { موسى صلى الله عليه وسلم ضرب الحجر لبني إسرائيل فتفجر وقال : " اشربوا يا حمير " فأوحى الله تبارك وتعالى إليه : " عمدت إلى خلق من خلقي خلقتهم على صورتي فشبهتهم بالحمير " فما برح حتى عوتب}
أولاً لابد أن نعرض هذا الأثر على ماجاء في شريعتنا ..
فقال فيه {خلقتهم على صورتي}
وهذا لايعني المماثلة . وهذا يتوافق مع توجيه الأحاديث السابقة وقد اتضح ذلك للجميع .
ثم قوله {اشربوا ياحمير فمابرح حتى عوتب}
معلوم في شريعتنا أنه لايجوز أن ينادى المرء بالحمار أوالكلب قال الله تعالى (وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آَدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً)
وقال عزّ وَجَلّ : (لَقَدْ خَلَقْنَا الإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ)
قال الإمام النووي في " الأذكار " :
[ ومن الألفاظ المذمومة المستعملة في العادة قوله لمن يخاصمه :يا حيوان ، يا تيس ، ونحو ذلك
فهذا قبيح لوجهين :
أحدهما : أنه كذب .
والآخر : أنه إيذاء .
قلتُ :هذا إن جزمت بصحة هذه الآثار عن موسى فهي تذكر عرضًا لا أصلاً في الباب , وفي شريعتنا من الأحاديث الصحاح مايغني المرء أن يذكر هذه الإسرائليات إلا أن يكون من باب اللطائف أو التأييد كما فعل شيخ الإسلام وحمود التويجري وابن باز فذِكرهم لهذه الإسرائليات تؤيد قولهم وتوجيههم للحديث وبهذا نخلص أن موافقة ابن باز على هذه الإسرائليات يتوافق مع ماذهب إليه في توجيه الحديث بأن المشابهة , في اسم الصفة وأصل معناها .ولاتثريب عليه ..
حسنًا حسنًا , قد سأل ناقدُ سابقًا هذا السؤال :