السلام عليكم ورحمة الله .
هذا التجزيء الذي ذكرته في صلب مقالك؛ هو أُسُّ عقيدة أهل الكتاب من يهود أو نصارى، وقد قرر القرآن هذا الأمر عليهم في مواضع .
قال تعالى : ( أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض ) .
وقال : (إن الذين يكفرون بالله ورسله ويريدون أن يفرقوا بين الله ورسله ويقولون نؤمن ببعض ونكفر ببعض ويريدون أن يتخذوا بين ذلك سبيلا * أولئك هم الكافرون حقا ... ) .
«لقد كان اليهود يدعون الإيمان بأنبيائهم؛ وينكرون رسالة عيسى ورسالة محمد؛[ عليهما الصلاة والسلام] كما كان النصارى يقفون بإيمانهم عند عيسى - فضلاً عن تأليهه - وينكرون رسالة محمد كذلك .
وكان القرآن ينكر على هؤلاء وهؤلاء؛ ويقرر التصور الإسلامي الشامل الكامل عن الإيمان بالله ورسوله؛ بدون تفريق بين الله ورسله؛ وبدون تفريق كذلك بين رسله جميعاً . وبهذا الشمول كان الإسلام هو (الدين) الذي لا يقبل الله من الناس غيره ، لأنه هو الذي يتفق مع وحدانية الله؛ ومقتضيات هذه الوحدانية .
إن التوحيد المطلق لله سبحانه يقتضي توحيد دينه الذي أرسل به الرسل للبشر ، وتوحيد رسله الذين حملوا هذه الأمانة للناس . . وكل كفر بوحدة الرسل أو وحدة الرسالة هو كفر بوحدانية الله في الحقيقة؛ وسوء تصور لمقتضيات هذه الوحدانية».
قال تعالى : (أولئك هم الكافرون حقاً وأعتدنا للكافرين عذاباً مهيناً)
«أما «المسلمون» فهم الذين يشتمل تصورهم الاعتقادي على الإيمان بالله ورسله جميعاً؛ بلا تفرقة . فكل الرسل عندهم موضع اعتقاد واحترام؛ وكل الديانات السماوية عندهم حق - ما لم يقع فيها التحريف فلا تكون عندئذ من دين الله ، وإن بقي فيها جانب لم يحرف ، إذ أن الدين وحدة - وهم يتصورون الأمر - كما هو في حقيقته - : إلهاً واحداً ، ارتضى للناس دينا واحداً؛ ووضع لحياتهم منهجاً واحداً ، وأرسل رسله إلى الناس بهذا الدين الواحد وهذا المنهج الواحد . وموكب الإيمان - في حسهم - موصول ، يقوده نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ومحمد وإخوانهم من الرسل -صلوات الله وسلامه عليهم جميعاً- ونسبهم هم إلى هذا الموكب الموصول عريق؛ وهم حملة هذه الأمانة الكبرى ، وهم ورثة هذا الخير الموصول على طول الطريق المبارك، لا تفرقة ولا عزلة ولا انفصام، وإليهم وحدهم انتهى ميراث الدين الحق، وليس وراء ما عندهم إلا الباطل والضلال .
وهذا هو «الإسلام» الذي لا يقبل الله غيره من أحد . وهؤلاء هم «المسلمون» الذين يستحقون الأجر من الله على ما عملوا، ويستحقون منه المغفرة والرحمة فيما قصروا فيه :
(أولئك سوف يؤتيهم أجورهم وكان الله غفوراً رحيماً) ».
سيد قطب : في ظلال القرآن (2/798،797).
رحم الله ذاك اليراع، أسأل الله تعالى أن يسكنه عليين على هذه الجواهر، وشكر الله لك؛ إذ جعلتني أرجعُ فأستفيد ما استفدتُ .