ضَغَطْتُ زِرِّ الإيقَافْ فَهَا أنَا أدنوا مِنْ مَنْزليْ ، الشَّوارِعُ مِنْ المَارَّةِ خَاليَِة ، وظُلْمَةُ اللَّيلِ مُخِيفَةْ ، فَتَحْتُ بَابَ مَنْزليْ الكَئيبْ ، فَلَمْ أعُدْ أجْمَع بِهِ سِوى شَتَاتَ رُوحيَ عِندَ النَّومْ ..!
صَنَعْتُ لِيَ كُوبَ شَاي وَأضَئْتُ إنَارَةً خَافِتَةٍ ، سَأُسَلِّيَ نَفْسيْ بِالقِرَاءَةْ ، ثُمَّ أضَعُ رَأسيْ على الوَسَادةِ لأنَامْ ..
كُنْتُ مَشْدوهَاً مَعَ ذَاكَ الكَِتَاب ، غَيْرَ أنَّ دَاخِلَ نَفْسيْ شَيءٌ يُخِيفُهَا ، أصْواتُ الرِّيَاحِ تَخْتَرِقُ نَوافِذَ الغُرْفَة ، وَقَطَرَاتُ المَطَرِ لَهَا وَقْعُ شَديدٌ .
كُوخٌ صَغيرٌ تَلُفُّهُ أشْجَارٌ عِمْلاقَةْ ، و حَيَاةٌ يُخَيِّمُ عَليْهَا الهُدُوءْ ، كَأنيَ أعيشُ بِغَابَةٍ لا تَعْرِفُ مِنْ البَشَريَّةِ سِوى جَسَديْ النَّحيل ..
صَوْتُ مُواء حَزِينٌ فيْ الخَارِجْ ، لَمْ أسْمَع يَوْمَاً صَوْتَ أحَدٍ مِنْذُ شُهورٍ عِدَّةٍ قَضيْتُ فيهَا فيْ مَنْزِليْ ، وَقَفْتُ عَلى النَّافِذَةِ ألْتَفِتُ يَمْنَةً وَيَسْرَةْ ، لا شَيءَ أرَاهـُ عمَّا أسْمَعه ..
نَزَلْتُ مُسْرِعَاً كِدْتُ أسْقُطُ مِنْ عَلى السُّلمِ كُلَّمَا اقْترَبَ الصَّوتُ وَزَادَ أنينه ، فَتَحْتُ البَابَ فَإذا بِهَا قِطَّةٌ أغْرَقَهَا المَطَرُ ، فَتَوسَّدَتِ عَتَبَةَ المَنْزِل ..!!
بَعْدَ شُهورٍ طَويلَةٍ ، وَغُرْبَةٍ مُحْرِقَةٍ ، وَمَلَلٍ قَيَّدَ جَمَالَ الحَيَاةِ ، صِرْتُ أُقَابِلُ جَسَدَاً خَجولاً يَقولُ لِيَ مَا بِخَاطِرِهِـ بِإبتِسَامَتِهِ ، لَمْ أَكُنْ لأحْرِقَ أوْرَاقَاً مَجْهولَةً بَيْنَ يَديَّ وَأنا لا أَعْلَمُ بِمُحْتَواهَا ..
كُنْتُ أُقَابِلُ الإبْتِسَامَةَ بإبْتِسَامَة ، وَأُخْفيْ بِقَلْبيْ خَيَالاَتٌ كَثيرَةْ ، كَأنَّ ما بَيْنَ يَديَّ صُنْدُوقٌ أُخفيَ عَنِّيْ مَا بِدَاخِلِهِ ..
قَدْ يَمُرُّ اليَومُ واليَوْمَانِ وَالشَّهرُ وَالشَّهرَانِ ، وَلْم يَتَفَوَّهُ ذَاكَ بِحْرفٍ ولا كَلِمَةْ ، وَمِنْ نَظَرَاتِهِ يُخْفيَ ألفُ قِصَّةٍ وَرِوَايَةْ ..
يَومٌ سَعيدٌ سَمِعْتُ مِنْهُ هَمْسَة ، حِينمَا تَعَثَّرَتْ قَدَماهُ وَسَقَطَتْ أغْرَاضُه ، فَما أنْ انْحَنَيْتُ لأُقَوِّمَهُ قَدَّمَ إليَّ بِصَوْتٍ خَافِتٍ شُكْرَهـُ ..
ذَهَبْتُ وَ أَنَا أُعيدُ في مُخَيِّلَتيْ مَا سَمِعْتُهُ ، شَيءٌ لا أُصَدِّقهُ بَعدَ شُهورٍ أسْمَعُ كَلِمَةْ ، أيْقَنتُ أنَّهُ لا يُعَانيْ مِنْ بُكمٌ وَصَمْتُهُ لَيسَ بِعِلَّةٍ وَلا عَاهَة ..
كَانَ قَليلُ الخُروجِ غَريبُ المَظْهَرِ حَييُّ في المُواجَهَةِ ، شَيءٌ مَا بِدَاخِليْ عَجِزْتُ عَنْ تَفْسيرِهِـ ، حِينمَا أرَاهـُ سَأقَابِلُهُ بِالحَقيقَةْ ..!!
يَتْبَعُ إنْ شَاءَ اللهُ وَيَسَّرْ