خَرَجْتُ إِلى هَذهـِ الدُّنيَا عَلى نُورِ وَجْهِهَا وَابْتِسَامَتِهَا ، وَُدموعُ أَفْرَاحِهَا ، وَجَدْتُ الحَيَاةَ عَلى مَلامِحِ وَجْهَِهَا ، وَعَلَّمَتنيْ الأيَّامُ بِيَدِهَا ..!!
تَرَعرَعْتُ دَاخِلَ دِفئِ أَحْضَانِهَا ، وَحَرَمَتْ نَفْسَهَا مِنْ أجلي ، وَتَكَبَّدَتِ العَنَاءُ لِتُسْعِدُني ، كَمن مَرَّةٍ أَخْفَتْ عَبَرَاتِهَا عَنيْ لِكَي لا تُضَايِقُنيْ ، تَضْحَكُ وَقَلبُهَا بِجِرَاحِهِ يُدميْ ، كُنْتُ طِفْلاً لا أَقْرَأ مَا بِالعُيونِ ، وَلا أفْهَمُ مَنْ حَوليْ وَمَا يَدور ، جُلُّ هَميْ تَلبيَةُ أُمنيَاتيْ ..!!
كُنتُ أسْألُهَا مَنْ نَحْنُ وَمَنْ نَكون ، أَأَنَا وَإيَّاكِ وَحْدَنَا ..؟!!
تُسَارِعُ لِتَتَهَرَّبَ مِنْ سُؤاليْ ،، اللهُ مَعنَا وَلنْ يُضَيِّعنَا ..!!
خَرَجْنَا إلى السُّوقِ ذَاتَ مَرَّةٍ ، قُلتُ لَهَا هَذهـِ البَدْلةُ جَميلَة فَقَالتْ : لا ، قُلتُ : وَهَذهـِ .. قَالَتْ لا ، فَبَكَيْتُ وَصَرختُ في وَجْهِهَا " أَنْتِ لا تُحِبيننيْ "!!
لَمْ أُكُنْ أعْلَمُ ثَمَن الكلامِ الذيْ أَنطِقُ بِه ، لأننيْ طِفْلاً لا أَعْرِفُ بِمَا أَتَكَلَّمَ ، فَضَاَقَتْ بِهَا الدُّنيَا وَقَاَلت :
أَتَعْلَمُ لِمَا أقُولُ لَكَ " لا " لأَنيِّ سَأشْتَريْ لَكَ أَفضَلَ مِنْهَا ، فَلَسْتَ كَأبْنَاءِ النَّاس بَلْ أنَتَ أَفْضَلَ مِنْهُم ..!
كُنتُ أَشْعُرُ بِأنَّ الحَيَاةَ تَسيرُ بِسُهولَة ، لَكِنَّهَا في الحَقيقَةِ تَسِيرُ بِصُعوبَةٍ وَمَشَقَّة ، وَبِمَا أنَّ هُنَاكَ مَنْ حَمَلَ عَني هَمِّيَ لِيُسْعِدنيْ أَنْسَانيَ شَقَائُهَا ..!!
طَوَتْ الحَيَاةُ أيَّامَهَا ، وَأصْبَحْتُ أُحِسُّ بِعَنَائِهَا ، سَمِعْتُهَا يَومَاً تَقولُ لِصَاحِبِ المَحَلِّ " إِنْ وَجَدَتَ لِيَ عَمَلاً عِندَكَ أَخبِرنيْ "!!
عَلِمتُ أنَّ الدُّنيَا تُحَاصِرُهُا ، وَلَمْ تُظْهِر ذَلِكَ لِيْ ..
تَعِبَتْ مِنْ أَجْلي ، وَكَبرتُ أَنَا لأتْعَبَ مِنْ أَجْلِهَا ، أُشْقيْ نَفسي لأُسْعِدَهَا ، حتَّى غَيَّبَهَا المَرَضُ بَيْنَ رُدَّهَات المُسْتَشْفَى وَعَتَمَةِ أجواءِهـِ ، كُنتُ أَزورُهَا ولا تُحِسُّ بِمَنْ حَوْلَهَا ، أَبكيْ عَلى يَدِهَا ، أُقَبِّلُ جَبينَهَا ، أَقرَأُ عَليْهَا ، أَدْعوا الله لَهَا ، وَكَأنَّ جُدرَانَ الغُرفَةِ تُحَدِّثنيْ عَنْهَا ، أَبْحَثُ عَنْ ابتِسَامَتِهَا ، وَنَظَرَاتِهَا ، وَحَّتى هَمْسُهَا
أَخرُجُ مِنْ عِنِدهَا بِوقْتٍ مُتَأخِّرٍ ثَقيلَ الخُطى ، كَأنَّيْ شَريدٌ يَبْحَثُ عَنْ مَأوى ,,،
لَنْ أَنْسَى مُهَاتَفَةَ في آخِرِ اللَّيلِ مِنْ المُسْتَشفَى يَقولونَ ليَ : قَدْ أفَاقَت !!
خَرَجْتُ اُخَاطِرُ بِنَفْسيْ بَيْنَ الطُّرَقَاتِ مِن دوُنِ شُعورٍ ولا إحْسَاسْ ، كَأنَّ أَحَدٌ يَلْحَقُ بِيْ ..!
لَمَّا دَخَلْتُ عَليْهَا كَأنَّيْ اُسْقِطتُ مِنْ عَلى إرتِفَاعٍ بَعيدٍ قَدْ تَشَبَّثْتُ بِهَا ..
قُلْتُ لَهَا : أَبْقَيتِينيْ لِوَحديْ ، أُصَارِعُ الليَّالي .!!
ضَغَطتْ عَلى يَدي حَتَّى سَالتْ مَدَامِعُهَا عَلى خَدِّهَا ..!!
قَاَلتْ بِصَوْتٍ خَافِتٍ مُتَحَشْرِجٍ " اللَّهُ مَعنَا وَلَنْ يُضَيِّعنَا "
أَسْتَودِعُكم الله الذيْ لا تَضِيعُ وَدَائِعُه