تابع لما سبق :
24- استعظام شأن العهد والاستشعار بالمسئولية والعمل بتحقيق ما أخذ على الانسان من الموثق فإن هؤلاء لما استيأسوا من العزيز وأنهم لن يستطيعوا أن يسترجعوا أخاهم (فَلَمَّا اسْتَيْأَسُوا مِنْهُ خَلَصُوا نَجِيّاً ..) (يوسف:80) نجيا ليس المقصود منها الهرب وخلصوا نجيا أي المساره فيما بينهم أي اجتمعوا فيما بينهم وتشاوروا وأشار ابن الجوزي أن بعض العبث في الفهم الخاطيء أن بعضهم ذكر أن خلصوا نجيا أي هربوا وكقول بعضهم عندما فسر قول الله "ريح فيها صر " قال الصراصير وهذا ليس المقصود فالمقصود من "ريح فيها صر " أي البرد الشديد ، فأخوة يوسف استشعروا بالمسؤولية (.. قَالَ كَبِيرُهُمْ أَلَمْ تَعْلَمُوا أَنَّ أَبَاكُمْ قَدْ أَخَذَ عَلَيْكُمْ مَوْثِقاً مِنَ اللَّهِ ..) (يوسف:80) فاستشعر مسئولية الموثق الذي أخذه عليه أبوه وقال أنا لا أبرح الأرض حتى يأذن لي أبي أو يحكم الله لي بأن آخذ اخي أو تنتهي هذه المشكلة فعلا وقف أخوة يوسف ذلك الموقف الشديد في هذه الكربة والموقف العصيب وهذا يختلف تماما عن حالهم لما تحايلوا وأخذوا يوسف وألقوه في الجب فتغير أخوة يوسف وتابوا الى الله وهم في البداية كانوا مجرمين أخذوا أخاهم وطرحوه في البئر ولكن بعد ذلك تابوا الى الله ولعل التغير حصل لهم على مراحل وهذه مرحلة من المراحل ثم قالوا (قَالُوا يَا أَبَانَا اسْتَغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا إِنَّا كُنَّا خَاطِئِينَ) (يوسف:97) اعترفوا واعلنوا التوبة .
25- أن الانسان يبين كلامه بالشواهد اذا احتمل التكذيب (وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيهَا وَالْعِيرَ الَّتِي أَقْبَلْنَا فِيهَا وَإِنَّا لَصَادِقُونَ) (يوسف:82) فإذا كان الشك في كلامهم فيأخذ الخبر من مصادر أخرى .
26- أن الصبر الجميل عاقبته حميدة والفرق بينه وبين الصبر العادي والصبر الجميل الذي لا يقوم صاحبه فيه بالشكوى بل يفوض اموره لله .
27- حسن الظن بالله عز وجل وهذا من مقتضيات التوحيد ، بعد يعقوب عن يوسف أكثر من عشرين سنة تقريبا ومع ذلك قال (.. عَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَنِي بِهِمْ جَمِيعاً ..) (يوسف:83) فهو لم يقل أن يأتيني بولده الصغير وهو يعلم أنه حي في مصر ولكنه أسير وقوله جميعا فهو يقصد به ولده الصغير ويوسف ولم يكن عنده يقين بأن يوسف مات ولكن لازال ظنه بربه قويا .
28- أن البكاء لا ينافي الصبر (.. وَقَالَ يَا أَسَفَى عَلَى يُوسُفَ وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ ..) (يوسف:84) ما الفرق بين البكاء والنياح وهل يجوز لمن مات له ميت أن يبكي عليه ؟؟
الجواب نعم يجوز لمن مات له ميت أن يبكي عليه والدمعه التي نزلت من عيني رسول الله صلى الله عليه وسلم كانت رحمة وشفقه على الولد التي تفيض روحه في حجر النبي صلى الله عليه وسلم والنياحة ليست بكاءً النياحة صراخ واعتراض وتسخط على القضاء والقدر والنياحة فيها شق الجيوب ولطم الخدود "ليس منه من شق الجيوب ولطم الخدود ودعى بدعوة جاهلية " وانائحة لها عقوبة شديدة يوم القيامة لها ثوب من قطران ودرع من جرب تعذب به يوم القيامة الا ان تتوب الى الله لأن النياحة من الكبائر.
29- أن الانسان المسلم يشكو أمره الى الله ولا يشكو الى الناس في القضاء والقدر (قَالَ إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ ..) (يوسف:86)والشكوى للمخلوق يشكو الرحيم الا من لا يرحمه .
30- الفرق بين التجسس والتحسس أن التجسس فيه اطلاع على العورات والاستماع الى حديث من لا يريدك أن تستمع الى حديثه أما التحسس فهو جمع الأخبار والمعلومات بدون تسمع لحديث قوم لا يريدون أن تستمع لحديثهم ولا الاطلاع لعورات القوم أما أن تسأل عن الاخبار أو تستمع لحديث عام لتجد معلومة قد تفيدك ولتصل لشيء مباح فالتحسس يكون في الخير والتجسس يكون في الشر والتجسس وسائله محرمة والتحسس وسائله مباحة .
31- تحريم اليأس من رحمة الله وأنه مناف للتوحيد وأن القنوط من رحمة الله مناف للتوحيد فهو أمر محرم لا يجوز .
32- أن الله عز وجل يؤيد المظلوم ولو بعد حين ويجعله في منزلة عالية اذا صبر واتقى فكان أخوة يوسف الذين كادوه جاؤوا الآن اليه شحادين يقولون (..مَسَّنَا وَأَهْلَنَا الضُّرُّ وَجِئْنَا بِبِضَاعَةٍ مُزْجَاةٍ فَأَوْفِ لَنَا الْكَيْلَ وَتَصَدَّقْ عَلَيْنَا إِنَّ اللَّهَ يَجْزِي الْمُتَصَدِّقِينَ) (يوسف:88) أذله الله له فهؤلاء الذين ظلموه اتى بهم الله اذلاء صاغرين اليه .
33- أن الانسان اذا رأى قريبه في ذل فإنه لا يزيد همه وذله بل إنه يرق لحاله ويوقف المأساة فيوسف لم يكن يريد أن يتشفى ولو كان يريد أن يتشفى لتركهم يطلبون الزيادة ويتذللون ويردهم مرة ثانية وثالثة ويعذبهم لكن لما رأى بأن الحال وصل بهم لهذا رق لهم وأوقف المسألة وكشف الحقيقة وقال لهم (قَالَ هَلْ عَلِمْتُمْ مَا فَعَلْتُمْ بِيُوسُفَ وَأَخِيهِ إِذْ أَنْتُمْ جَاهِلُونَ) (يوسف:89) اذا الانسان لا يمعن في التشفي.
34- (قَالُوا أَإِنَّكَ لَأَنْتَ يُوسُفُ قَالَ أَنَا يُوسُفُ ….) (يوسف:90) هنا الفائدة المهمة جدا الجمع بين التقوى والصبر وأن الله يعقب العواقب الحميدة لمن يتقي ويصبر (.. قَالَ أَنَا يُوسُفُ وَهَذَا أَخِي قَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ) (يوسف:90) .
35- أن الانسان لا يقول هذا المنصب بذكائي وفضلي وهذه المكانة لقدراتي الجبارة يوسف قال (أَنَا يُوسُفُ وَهَذَا أَخِي قَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا ) اذا الانسان لا يغتر لما وصل مهما وصل لمرحلة عالية فإنه يردها الى الله فهي منة من الله .
36- أن المسلم يراعي مشاعر اخوانه فيوسف قال (قَالَ لا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ ..) (يوسف:92).
37- العفو عند المقدرة .
38- الدعاء لمن أخطأ عليك بالمغفرة قَالَ (.. يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ ..) (يوسف:92) .
39- معجزات الانبياء فإن القميص عندما ألقي في وجه يعقوب رجع بصيرا .
40- أن الاشياء المعنوية يحس بها الانسان عندما قال يعقوب اني أجد ريح يوسف فهل يمكن أن يجد ريح يوسف وهو في مصر ويعقوب عليه السلام في فلسطين ولكن هناك قوى خفية أودعها الله في نفوس الناس وقد تكون معجزة ثانية أن الله مكن يعقوب عليه السلام أن يشم رائحة ولده عبر هذه المسافة الطويلة جدا .
41- استحباب البشارة وأن البشير يسبق الناس الى المبشر (فَلَمَّا أَنْ جَاءَ الْبَشِيرُ ..) (يوسف:96) فهذا السابق الي يسبق بالخبر السار يسمى بالبشير واستحباب المكافأة على البشارة كما ورد في السنة .
42- طلب الاستغفار من الأب عند عقوقة فأخوة يوسف عقوا اباهم وطلب الاستغفار هي كفارة عقوق الوالدين (قَالُوا يَا أَبَانَا اسْتَغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا إِنَّا كُنَّا خَاطِئِينَ) (يوسف:97) .
43- التماس أوقات الاجابة في الدعاء لأن يعقوب لم يدعو مباشرة بل قال (قَالَ سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّي …) (يوسف:98) قال بعض العلماء أن يعقوب عليه السلام أخر الدعاء الى السحر ولم يعجل بالدعاء لعظيم جريمتهم فأراد أن يخلص الدعاء ويتحرى ساعة الاستجابة شفقة لأولاده عل الله أن يتجاوز عنهم .
44- إكرام الابوين وبرهم لأن يوسف عليه السلام آوى اليه والديه وأنزلهما عنده وضمهما الى منزله الخاص مثلما آوى اليه أخاه من قبل (فَلَمَّا دَخَلُوا عَلَى يُوسُفَ آوَى إِلَيْهِ أَبَوَيْهِ..) (يوسف:99) .
45- تطمين الخائف (.. ادْخُلُوا مِصْرَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ) (يوسف:99) وكذلك قول الرجل الصالح لموسى (.. قَالَ لا تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) (القصص:25) وهذا ما يحتاج اليه الشخص الخائف (وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ ..) (يوسف:100) وهذا زيادة على الاكرام كما تقدم.
46- أن تأويل الرؤيا قد يقع بعد سنين طويلة ولا يشترط أن يرى أحدهم رؤيا ويقع تأويله غدا وقد يكون الفارق كبير بين وقوع الرؤيا حقيقة وانطباق الرؤيا على الواقع وبين الرؤيا نفسها .
47- الحفاظ على مشاعر الاخرين وعدم جرحها وايذائها فإن يوسف قال (.. وَجَاءَ بِكُمْ مِنَ الْبَدْوِ مِنْ بَعْدِ أَنْ نَزَغَ الشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي ..) (يوسف:100) فلم يقل بعد أن ظلمني أخوتي وألقوني في الجب فوضع اللوم على الشيطان ولم يضعه على اخوته وهذا من مكارم الأخلاق وبما يليق بالأنبياء .
48- الاعتراف لله بالنعم في جميع الاحوال التي يتقلب فيها الإنسان (..وَقَدْ أَحْسَنَ بِي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ وَجَاءَ بِكُمْ مِنَ الْبَدْوِ ..) (يوسف:100) ومنة من الله عز وجل أن جمع شمل العائلة مرة أخرى فإخراجه من الجب نعمة واخراجه من السجن نعمة وجمع شمل العائلة نعمة ولاحظ أن يوسف لم يقل أحسن بي إذ أخرجني من الجب وإنما قال أخرجني من السجن فلماذا لم يذكر الجب مراعاة لإخوانه لأنهم هم الذين ألقوه في الجب فأعرض عن ذكره.
49- بيان لطف الله تعالى فالله لطيف ويلطف بعبادة فهو اللطيف فكم لطف بيوسف ولم يجعله يمت في الجب ولم يجعله يبقى في السجن ولم يبق مظلوما وإنما لطف به وجمعه بأهله بعد سنين .
50- قد يجمع الله الشتيتين بعدما يظنان كل الظن أن لا تلاقيا فسبحان الذي جمع هذه الأسرة بعد هذه المدة الطويلة .
51- أن الانسان المسلم اذا اكتملت له نعم الله فإنه يسأل الله الوفاة على الاسلام فلما رأى يوسف أن كل ما يريده تحقق فالعزة في الدنيا تحققت والملك صار اليه والمكانة والغنى واجتماع الأهل فتحقق كل ما يريد فقال (رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَنْتَ وَلِيِّي فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِماً وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ) (يوسف:101) والصالحين فيهم الانبياء الذين مضوا قبله وهم الرفيق الأعلى (.. فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقاً) (النساء:69) ولذلك النبي عليه الصلاة والسلام لما أتاه ملك الموت وخيره بين الدنيا أو أن يلتحق بالرفيق الأعلى قال "بل الرفيق الأعلى ".
**المصدر : موقع الصوتيات والمرئيات الاسلامي
__________________
سبحان الله وبحمدة سبحان الله العظيم
|