السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.. أما بعد: فقد اطلعت على مقال الكاتب محمد بن عبداللطيف آل الشيخ، والمعنون ب(ولكن (الأحوط) الترك!) في جريدة الجزيرة العدد (12505) بتاريخ 4-12- 1427ه، وما استوقفني في هذا المقال قول الكاتب عن مسألة الاختلاط أنه: (ليس لها أصل من التحريم (مستقل) في المأثور الإسلامي، وإنما تم (تبنيها) حديثاً من قبل المتشددين من منطلق أنها (قد) تفضي إلى (الخلوة)، وأصبح هذا (الأحوط)). فالذي يتبين من مقال الكاتب أنه (ربما) لا يعرف من أدلة تحريم الاختلاط إلا أنها قد تفضي إلى الخلوة، وظنه بأن القول بتحريم الاختلاط إنما هو من (ابتداع) المتشددين (حسب رأيه) وكأنه ليس له أصل عند الصحابة وسلف الأمة.
ولبيان بطلان هذه الدعوى ودفع لهذا الوهم أذكر بعض الأدلة الشرعية الدالة على تحريم الاختلاط بين الجنسين مرفقاً بها (بعض) مواقف سلف الأمة وأقوالهم من الصحابة والعلماء، وتدل على أن المنع من الاختلاط متقرر عندهم وليس قولاً مبتدعاً:
1 - قوله سبحانه: {وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِن وَرَاء حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ}(53) سورة الأحزاب. قال ابن كثير - رحمه الله - في تفسير الآية: أي وكما نهيتكم عن الدخول عليهن كذلك لا تنظروا إليهن بالكلية، ولو كان لأحدكم حاجة يريد تناولها منهن فلا ينظر إليهن ولا يسألهن حاجة إلا من وراء حجاب.
2 - نهى النبي - صلى الله عليه وسلم - الرجال إماماً ومؤتمنين أن يخرجوا فور التسليم من الصلاة إذا كانت في الصفوف الأخيرة بالمسجد نساء، حتى يخرجن، وينصرفن إلى دُورهن قبل الرجال، لكي لا يحصل الاختلاط بين الجنسين - ولو من دون قصد - إذا خرجوا جميعاً، فقد ذكرت أم سلمة - رضي الله عنها - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان إذا سلم، قامَ النساءُ حين يقضي تسليمه ومكث يسيراً قبل أن يقوم، قال ابن شهاب (وهو الزهري): فأُرَى والله أعلم أن مُكثه لكي ينفذ النساء قبل أن يدركهن من انصرفَ من القوم. أخرجه البخاري. وفي رواية له أنها قالت: (كان يُسلِّمُ فينصرف النساء فيدخلن بيوتهن من قبل أن ينصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال الحافظ ابن حجر: (وفي الحديث.. كراهة مخالطة الرجال للنساء في الطرقات فضلاً عن البيوت).
3 - أفرد صلى الله عليه وسلم في المسجد باباً خاصاً للنساء، لا يشاركهن فيه الرجال.. فعن نافع عن ابن عمر - رضي الله عنهما - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: (لو تركنا هذا الباب للنساء؟ قال نافع: فلم يدخل منه ابن عمر حتى مات). وعن نافع مولى ابن عمر رضي الله عنهما: (كان عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - ينهى أن يُدخل المسجد من باب النساء).
4 - روى أبو أُسيْد الأنصاري أنه سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول وهو خارج من المسجد وقد اختلط الرجال مع النساء؛ مخاطباً النساء: (استأخرن؛ فإنه ليس لكُنَّ أن تحْقُقْنَ الطريق (تسرن وسط الطريق) عليكن بحافات الطريق)، فكانت المرأة تلتصق بالجدار حتى إن ثوبها ليتعلق بالجدار من لُصوقها به. رواه أبو داود في كتاب الأدب من سننه باب: مشي النساء مع الرجال في الطريق.
5 - عن أبي هريرة قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (خير صفوف الرجال أولها وشرها آخرها، وخير صفوف النساء آخرها وشرها أولها). وهذا من أعظم الأدلة على منع الشريعة للاختلاط، وأنه كلّما كان الرجل أبعد عن صفوف النساء كان أفضل، وكلما كانت المرأة أبعد عن صفوف الرجال كان أفضل لها.
6 - عن عبدالرحمن بن عابس قال: سمعت ابن عباس قيل له: (أَشَهدت العيد مع النبي صلى الله عليه وسلم؟ قال: نعم، ولولا مكاني من الصغر ما شهدته، حتى أتى العَلَم الذي عند دار كثير بن الصلت، فصلى ثم خطب ثم أتى النساء ومعه بلال فوعظهن وذكرهن وأمرهن بالصدقة) رواه البخاري. قال ابن حجر: (قوله: (ثم أتى النساء) يشعر بأن النساء كن على حدة من الرجال غير المختلطات بهم، قوله: (ومعه بلال) فيه أن الأدب في مخاطبة النساء في الموعظة أو الحكم أن لا يحضر من الرجال إلا من تدعو الحاجة إليه من شاهد ونحوه؛ لأن بلالاً كان خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومتولي قبض الصدقة، وأما ابن عباس فقد تقدم أن ذلك اغتفر له بسبب صغره).
7 - لقد حرصت الصحابيات على عدم الاختلاط بالرجال حتى في أشد المساجد زحاماً، وفي أشد الأوقات زحاماً، (في موسم الحج بالمسجد الحرام). فقد دخلت على عائشة مولاة لها، فقالت لها: (يا أم المؤمنين، طفت بالبيت سبعاً، واستلمت الركن مرتين أو ثلاثاً)، فقالت لها عائشة: (لا آجرك الله، لا آجرك الله، تدافعين الرجال ألا كبرت، ومررت؟!). روى ابن حجر (روى الفاكهي عن إبراهيم النخعي قال: نهى عمر أن يطوف الرجال مع النساء، قال: فرأى رجلاً معهن فضربه بالدرة).
وإذا كانت هذه الإجراءات في المنع من اختلاط الرجال بالنساء في حالات وأوقات أشرف العبادات (الصلاة، الطواف، المساجد).. في الحالات التي يكون فيه النساء والرجال أقرب ما يكونون إلى الله وأبعد عن وسوسة الشيطان وعن ثوران الشهوات، فمنع الاختلاط في غيرها من باب أولى ولا شك.
بندر بن إبراهيم العريدي -الرياض
نقلاً عن صحيفة الجزيرة
الأعجمية
__________________
أخي .. أختي :
كونوا على يقين
أن الأعجمية ستحترمكم
على قدر احترامكم لأنفسكم..
..الأعجمية..
|