تحدَّثَ العقادُ في أمرِ طوائف غَشِيَها الجهلُ والغرورُ فصارت -كما يقول-: «تظنُّ أنَّ المساواة في حريَّة الرأي معناها أن الجاهِلَ يساوي العارِفَ في القدرةِ على تكوين الآراء، والحُكْمِ عليها»اهـ
[يوميات: 2/ 116، ط: نهضة مصر].
فأنتَ -أخي القارئ- ترى وتسمع ما يُطرَح من قضايا على طاولة النقاش في الصحفِ، والإذاعات، والمنتديات مما لا يفرِّق كثير من المحاورِين بين الحكم فيه والحكم في مقدار حلاوة كوب الشاي!
ومن ذلك: استقبال المكالمات من عوام الناس ليطرحوا آراءَهم في قضية «تعدد الزوجات» -مثلا- أهو من الظواهر الصحية في مجتمعنا أم لا؟
ومنه (لقافة) بعضِ الصحفيين واقتحامُهم كبير المسائل مُعرِضين في نقاشها عن الأصول المعتبرَة ومعارضين -في شغَبٍ- بآرائِهم تقريراتِ أهل العلم والبصيرة.
فصدق في الواحد منهم قولُ الشاعر:
[poem="font="traditional arabic,7,black,bold,normal" bkcolor="transparent" bkimage="" border="none,4,gray" type=1 line=0 align=center use=ex num="0,black""]وإذا شهِدتَ بهِ مجالسَ ذي النُّهى=وَبَلَتْ سحابتُه بِنُوكٍ مُسْهِلِ[/poem]
[انظر: شرح الحماسة، للمرزوقي: 3/ 1550، ط: لجنة التأليف والترجمة والنشر- القاهرة].
ويا ليت وَبْلَه يؤذي السمعَ ويضيق به الصدر وحسب؛ لكن تجد من «خفافيش البصائر» من يرِد على واديه ويحتَفل بأوصابِه.
فلم نكتفِ من «الأبوابِ الواسعة» بفشو الدخلاء حتى بُلينا بازدحام المصفقين على كلِّ باب وطريق. وهذا -على أية حالٍ- أمر طبيعي؛ فـ«لكلِّ ساقطة لاقطة»، و«من جَلَسَ جُلِس إليه».
وأقول (عودا على قضية شغبِ الصحفيين): إنني إن رجعتُ بذاكرتي إلى زوايا في جريدَتَيْ «الرياض» و«الجزيرة» فقط: أقف على شيء من جهرِ بعضهم بسخافات عقولهم؛ إذ اتخذوا الحديث في أصول الدين كالحديث في تحليلات كرويَّة، ومخاطبةَ العلماء كمخاطبة حكام الملاعب؛ فلم يحشموا أنفسَهم في الدخول بما لا يعنيهم وإظهار نقص علمهم، حتى نسجوا من زخرف القول ركيكَ الفكر، ولن يضروا –إن شاء الله- إلا أنفسَهم ومن شابههم في قلة العقل وفساد الاعتقاد.
هذا الدخيل
كالأخطبوط
يبني بأرجلِه بيوتَ العنكبوت
يبني ويحسَب أنَّه
سيظل طاغيةَ الدهور
سيظل مرهوبا على مرِّ العصور
كلا، سيُسحَقُ بل يموت
فالحق أقوى من نسيجِ العنكبوت.
[ديوان: حسن عبد الله القرشي: 1/ 616، ط: دار العودة]
قال تعالى: {إنَّ البَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا}
[الإسراء: 81]. أي: ذاهبا
[انظر: تفسير البغوي: 5/ 122، ط: دار طيبة].
وإنَّ شيوع هذا الضرب من السخف في منابرنا الإعلامية: بلوى، نسأل الله أن يعافينا منها، ويتوب عنا فلقد أسرفنا على أنفسنا إسرافا كبيرا.
ولي عودةٌ قريبَةٌ بإذن الله تعالى...