مشاهدة لمشاركة منفردة
قديم(ـة) 09-12-2009, 11:09 PM   #44
private.ID
عـضـو
 
تاريخ التسجيل: Jul 2009
البلد: Not your business
المشاركات: 810
~


بعدما أقيل الشيخ سعد الشثري وزف العفو لحثالة المجتمع من أهل الإعلام آمنت أن موضة ستستهدف بعض " لابسي المشالح " ليتقربوا من السلطان ، ويحاولوا أن يعللوا الأشياء ويحيدوها عما كان يريده السلطان وتغيير المسميات كالإختلاط امتزاج من أجل تحكيم الهوى والنفس ابتغاء رضى السلطان على رضى الله سبحانه وتعالى والله المستعان وكأن في حالنا يصدق قول النبي صلى الله عليه وسلم في أحد أحاديثه [ يبيع دينه بعرض من الدنيا ] نسأل الله السلامة والعافية والثبات حتى الممات .

وإن كان بحثك هذا عن جهل فإن المنتديات ليست بمجالسهم ، وإن كان من قناعة بالشر وتشجيعا على المنكر وزج العقول المراهقة بين أنياب الخلافات لتشبع هوى نفسك فإني والله لأخشى أن يكون صنيعك سعيا في الأمر بالمنكر والنهي عن المعروف وأن يكون فعلك فيمن قال الله عنهم [ إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ ] ، فعذ على دينك بالنواجذ والزم نفسك ولا تكن من دعاة الفتنة في دين الله سبحانه وتعالى .

وإن كنت صاحب حق فإني أسند إليك رد الشيخ المحدث عبد العزيز الطريفي على وزير العدل ورد الشيخ ابراهيم الحقيل على قاضي تبوك الذي حاول أن يزبد من أجل الدفاع عن رئيس عمله والله المستعان ، فتما لمن أخذ الدين من أجل مصالحه الدنيوية .


فقد قرأت ما نَشره وزير العدل "د . محمد العيسى" - وفقه الله - في "صحيفة الرياض" في حوار مطول، وعلمت أنه بُشّر بمقال الدكتور في "بعض المواقع العلمانية والليبرالية" قبل نّشره بنحو يومين، ولم أهتم بالرّحِم بين المقال واليد المبشرة به، قدر الاهتمام بالعدل الموضوع، والعهد المأخوذ على أهل العلم أن يبينوا الحق للناس .

لم أجد جديداً في مقالة الدكتور، بل هي من العمومات والنصوص المطلقة، وكنت أظنه قبل قراءة المقال على حال من سعة الاطلاع غير تلك الحال، فمسألة "الاختلاط" بالمفهوم الذي يُدعى إليه ليست مسألةً بالغة من الخفاء واللطف حداً يدق عن فطنة العالم ويزيد عن تبصره، فالعالم المتشبع بالاطلاع على علل الشريعة ومقاصدها، يفرق بين مقامات النصوص والأخبار، ويُدرك أن منها مقام حكاية عينٍ ونقل إجمال، ومنها مقام تقرير وتعليم وتحقيق، فيَرد نصوص الشريعة إلى موردها اللائق، وأما غيره فتتجاذبه المتعارضات مجاذبةً تقوده حينها الشهوة الخفية إلى ما لا يريده الله، وتُعميه عما سواه .

ومن المُسلم عقلاً أن من المجازفة الاحتجاج بما ورد في أحد أوصاف الموصوف في سياق الجواز، على وصفٍ آخر له انفرد حُكمه بنص، وإذا وُصف الموصوف بجميعها، لم يكن إفراده بوصف واحدٍ منها دليلا على مساواة ذلك الوصف لبقيتها، وبمثل هذا الاحتجاج والفَهم ظهرت البدع في أصول الدين المقتضية البيان عند نزول الوحي أكثر من الفروع، وُحجج الخوارج في تكفير مرتكب الكبيرة، والمرجئة في إخراج العمل من الإيمان، هي من هذا النوع من الاستدلال، ناشئة عن عدم إحاطة بموارد النصوص، والغفلة عن غرضها، وكيف لو ملك الخائض في الاختلاط نصاً صريحاً من الوحي، كما يملك الخوارج كقوله صلى الله عليه وسلم في "الصحيحين": "قتال – المسلم - كفر" وقوله صلى الله عليه وسلم: "لا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن" فكان بين يديه نحو "الاختلاط جائز بين الجنسين"، ماذا سَيُبقي من رأي سائغ لمن خالفه، كيف وهو متجرد من ذلك كله، فصفة العالم العدل الجمع والتحرير بأوضح حُجة وأسهل سبيل، فلا يكون ممن خفيت عليه أشياء، وحضره شيء، فيَضل ويُضل .

ومن كوامن النفس، وبواطنها الخفية إذا اندفعت بقوّة بلا تجرّد إلى تقرير مسألة أو دفع حُجة قوية، الإغضاء عن نقض ما تقرره النفس من وجوه أخرى، فكفار قريش يعترضون على محمدٍ كونه: (بشراً مثلهم) فقالوا: (ولئن أطعتم بشراً مثلكم إنكم إذا لخاسرون) بينما لم تلفت نفوسهم إلى إلههم "الحجر"، فرضي المشركون بالإله الحجر، وردوا نبوة النبي لأنه بشر ! لأن النفس منشغلة في صد محمد، والطعن في نبوته، على أي وجه كان، منصرفةً عن طلب الحق، كَحال من يُفتّش في كُتب السنة ليَقفَ على نَصٍ مُشتبه، ويَضع أُصبعيه في أُذنيه عن سماع دِرَّة عُمر على رؤوس الرجال وهو يُفرِّقهم عن النساء، كما رواه الفاكهي في "تاريخ مكة" وهذا النحو ليس من طرائق أهل العدل والعلم والإيمان.

ومع العلم أن الناس يتفاوتون في الخطاب، فمنهم من لا يقتنع إلا بالدليل والحجة، وإذا ذُكّر تذكر، ومنهم مماذق لا يرعوي إلا بالجدل، ومنهم مكابر معاند لا يصرفه عن شغبه إلا الزواجر والقوارع، وإني لأحسب معالي الوزير د . محمد العيسى من الصنف الأول، وقد تناول في مقاله المذكور مسألة الاختلاط على سبيل الإجمال، والتعميم :

فقرر – وفقه الله- أن مصطلح الاختلاط من المحدثات في الشريعة، بعبارات مختلفة فقال: («الاختلاط»، وهو ما لا يعرف في قاموس الشريعة) وقال: (بدعة مصطلحية لا تعرف في مدونات أهل العلم ) إلى غير ذلك ..

من المتقرر أن الشريعة تدور مع المعاني والحقائق، والمصطلحات تولد للتقريب والإفهام، ومع ذلك فمن المجازفة أن يطلق أن مصطلح "الاختلاط": (بدعة مصطلحية لا تعرف في مدونات أهل العلم) وهذا ليس من التحقيق والتحري في شيء، والنصوص في جميع القرون منذ الصدر الأول إلى يومنا لا يخلو قرنٌ من بيان "الاختلاط وتحريمه" بل وفي سائر المذاهب الفقهية، مع الإقرار أن الفقهاء في سائر القرون على هذا المصطلح، خاصة، وما في حكمه ومعناه .

ففي السنة ما رواه البخاري في "صحيحه" عن ابن جريج قال قلت: لعطاء بن أبي رباح: كيف يخالطن الرجال يعني في الطواف !؟ قال: لم يكن يخالطن كانت عائشة رضي الله عنها تطوف حجرة مع الرجال لا تخالطهم.

وروى أبو داود في "سننه" عن أبي أسيد الأنصاري: أنه سمع رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول وهو خارج من المسجد فاختلط الرجال مع النساء في الطريق فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم للنساء: ( استأخرن فإنه ليس لكن أن تحققن ( أي ليس لكن أن تسرن وسطها ) الطريق عليكن بحافات الطريق) فكانت المرأة تلتصق بالجدار حتى إن ثوبها ليتعلق بالجدار من لصوقها به .


وزعم الدكتور أن مصطلح "الاختلاط" حادث، ولا تعرفه دواوين الشريعة، هو من القطع بغير تقدير، والخبط الذي ليس من العلم في قبيل ولا دبير، وما يدري الناقد من أي باب يلج إليه، ليُنير فيه مصباح الحق، فهو دارٌ مشرعة الأبواب والزوايا، وما يزال الرجل في فُسحة من أمره حتى يضع علمه في قِرطاس العلم، فالعقول محابر، والأقلام مغاريف، وكُل إناء بما فيه يَرشح.

فأما دعواه أن "الاختلاط" مصطلح حادث لفظاً ومعنىً لا تعرفه "قواميس الشريعة" ولا "مدونات أهل العلم"، فينيره العلم :

ففي القرن الأول والثاني: قال فقيه البصرة التابعي الجليل الحسن البصري (22 هـ-110هـ): إن اجتماع الرجال والنساء لبدعة . رواه الخلال .

وبمعنى قوله قال إمام التفسير من التابعين مجاهد بن جبر (21هـ-104هـ) كما رواه ابن سعد في "الطبقات" (8/157): قال مجاهد في تفسير قوله تعالى: ( ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى): كانت المرأة تخرج فتمشي بين الرجال فذلك تبرج الجاهلية.


وبنحوه قال عطاء بن أبي رباح كما تقدم، وقد ضرب عمر بن الخطاب من اختلط بالنساء من الرجال كما يأتي .

وفي القرن الثالث: إمام الحنفيه أبو جعفر أحمد بن محمد الطحاوي (229-421 هـ) في "شرح معاني الآثار": (1/485) روى عن مغيرة عن إبراهيم، قال: "كانوا يكرهون السير أمام الجنازة. قال: فهذا إبراهيم يقول هذا، وإذا قال: "كانوا" فإنما يعني بذلك أصحاب عبد الله، فقد كانوا يكرهون هذا، ثم يفعلونه للعذر، لأن ذلك هو أفضل من مخالطة النساء إذا قربن من الجنازة) انتهى .

وفي القرن الرابع والخامس : قال أبو الحسن الماوردي الشافعي (364 - 450 هـ) في "الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي وهو شرح مختصر المزني" (2/51) : (والمرأة منهية عن الاختلاط بالرجال مأمورة بلزوم المنزل).

وقال في "أدب الدين والدنيا" (ص268) عند تعريفه للديوث: (هو الذي يجمع بين الرجال والنساء، سمي بذلك لأنه يدث بينهم) انتهى .

وقال الحافظ البيهقي أحمد بن الحسين بن علي بن موسى (ت: 458هـ)في "شعب الإيمان"(13/260): (فدخل في جملة ذلك أن يحمي الرجل امرأته وبنته مخالطة الرجال ومحادثتهم والخلوة بهم) .

وبنحوهم قرر عصريهم السرخسي الحنفي (ت:490) في "المبسوط" (4/197)

وفي القرن الخامس والسادس: قال الفقيه المالكي أبو بكر محمد بن الوليد القرشى الأندلسي، أبو بكر الطرطوشى (451 - 520 هـ) كما في "المدخل لابن الحاج" (2/297) عند كلامه على اجتماع الرجال بالنساء عند ختم القرآن: (يلزمه إنكاره لما يجري فيه من اختلاط الرجال والنساء) انتهى .

وفي القرن السابع : قال ناصح الدين المعروف بابن الحنبلي فقيه الحنابلة في زمانه (ت: 634هـ) كما في "ذيل طبقات الحنابلة" (4/195): (وأما اجتماع الرجال بالنساء في مجلس .. محرم ) .

وقال الإمام النووي أبو زكريا يحيى بن شرف عُمدة الشافعية (631-679هـ) في "المنهاج شرح صحيح مسلم": (2/183): (وإنما فضل آخر صفوف النساء الحاضرات مع الرجال لبعدهن من مخالطة الرجال ورؤيتهم وتعلق القلب بهم عند رؤية حركاتهم وسماع كلامهم ونحو ذلك وذم أول صفوفهن لعكس ذلك) انتهى .

وبنحوه قرر عصريه الفقيه الأصولي ابن دقيق العيد (ت:702هـ) كما في "الفتح" (2/620).

وفي القرن الثامن: قال قاضي مصر وفقيهها عبد العزيز بن محمد بن إبراهيم ابن جماعة (694 - 767 ) في "هداية السالك":"ومن أكبر المنكرات ما يفعله جهلة العوام في الطواف من مزاحمة الرجال بأزواجهم سافرات عن وجههن، وربما كان ذلك في الليل، وبأيديهم الشموع متقدة ..."

وفي القرن التاسع : قال الحافظ أحمد بن علي بن حجر أبو الفضل العسقلاني الشافعي (773هـ-852) في "فتح الباري" (2/336) : (فيه اجتناب مواضع التهم وكراهة مخالطة الرجال للنساء في الطرقات فضلا عن البيوت) انتهى .

وفي القرن العاشر: قال شمس الدين محمد بن أبي العباس الرملي الشافعي (ت1004) في "نهاية المحتاج شرح منهاج النووي": (8/272) في ذكر سياق ألفاظ القذف: ( قوله: يا قحبة) لامرأة (قوله صريح كما أفتى به) أي ابن عبد السلام، فلو ادعى أنها تفعل فعل القِحاب من كشف الوجه ونحو الاختلاط بالرجال هل يُقبل أو لا ؟ فيه نظر . والأقرب القبول لوقوع مثل ذلك كثيراً) انتهى .

وهذا ما قرره عصرية الإمام الحطاب الرعيني المالكي (ت: 954) في "مواهب الجليل شرح مختصر خليل" (4/154) وأبو السعود في "تفسيره" (ت: 982هـ) (5/40) .

وفي القرن الحادي عشر: قال مفتي الحنفية في زمانه أحمد بن محمد ، أبو العباس الحسيني الحموي (ت 1098 هـ) في كتابه "غمز عيون البصائر في شرح الأشباه والنظائر لابن نجم" (2/114) في حكم العرس المختلط: (وهو حرام في زماننا فضلا عن الكراهة لأمور لا تخفى عليك منها اختلاط النساء بالرجال) انتهى .

وفي زمنه قال الفقيه شهاب الدين النفراوي الأزهري المالكي (1044 - 1126 هـ) في كتابه "الفواكه الدواني شرح رسالة ابن أبي زيد القيرواني" (2/322) عند كلامه على وجوب حضور الوليمة عند الدعوة إليها إلا عند المنكر قال: (قوله: "ولا منكرٌ بيِّنٌ" أي مشهور ظاهر, كاختلاط الرجال بالنساء, أو الجلوس على الفرش الكائنة من الحرير, أو الاتكاء على وسائد مصنوعة منه).

وفي القرن الثاني عشر: قال الفقيه سليمان بن محمد البجيرمي (1150-1221) في "حاشيته على الشربيني" (2/461): (الِاختلاط بهن –النساء- مَظِنَّةُ الفساد) .

وهذا ما قرره في ذات القرن الإمام الشافعي سليمان بن عمر الجمل (ت04هـ) في "حاشيته على شرح منهج الطلاب": (7/197).

وفي القرن الثالث عشر: قال فقيه الشافعية في زمانه عبدالحميد الشرواني (ت:1230-1302) في "حاشية تحفة المحتاج"(8/205) في سياق ذكر ألفاظ القذف الصريح منها وغير الصريح قال: (أي –القذف بـ- يا قحبة صريح أي لامرأة ولو ادعى إرادة أنها تفعل فعل القحاب من كشف الوجه ونحو الاختلاط بالرجال فالاقرب قبوله لوقوع مثل ذلك كثيرا عليه فهو صريح يقبل الصرف) انتهى بحروفه.

وقال ابن عابدين محمد أمين بن عمر الدمشقي فقيه الديار الشامية وإمام الحنفية في عصره (1198 – 1252) في "رد المحتار على الدر المختار" (6/355) مبيناً حرمة الاختلاط عند المناسبات: (لما تشتمل عليه من منكرات، ومن اختلاط الرجال بالنساء) انتهى

وقال مفتي القطر الحضرمي في زمانه العلامة عبدالرحمن بن محمد باعلوي الشافعي (1250-1320) في كتابه "بغية المسترشدين" (ص537) : (ويقطع مادة ذلك أن يأمر الوالي النساء بستر جميع بدنهن ، ولا يكلفن المنع من الخروج إذ يؤدي إلى إضرار ، ويعزم على الرجال بترك الاختلاط بهنّ) .

وقال العلامة محمد بن علي بن محمد الشوكاني (ت50هـ) في "تفسيره فتح القدير) (5/203): ( لما فرغ سبحانه من ذكر الزجر عن الزنا والقذف ، شرع في ذكر الزجر عن دخول البيوت بغير استئذان لما في ذلك من مخالطة الرجال بالنساء ، فربما يؤدّي إلى أحد الأمرين المذكورين) انتهى .

وانظر "حاشية البجيرمي على الخطيب الشربيني" (ت:1221): (2/461)، وحاشية الشرواني (ت: 1302) على تحفة المحتاج (3/173) والآلوسي (ت70هـ) في "تفسيره": (9/328).

وفي القرن الرابع عشر: قال محمد رشيد بن علي رضا (ت: 1354هـ) في "تفسيره المنار" ( إنه لعار على بلاد الانكليز أن تجعل بناتها مثلاً للرذائل بكثرة مخالطة الرجال) انتهى .

وبنحوه قال عصريه محمد جمال الدين القاسمي (ت: 1332 هـ) في "تفسيره" عند ذات الآية .



وما تُرك من النقول أكثر مما ذكر، والنصوص التي فيها النهي صراحة بغير لفظ الاختلاط لا تُحصى عداً كالأمر بمجانبة النساء ومباعدتهن، والضرب والتأديب على ذلك، كما روى عبدالرزاق في "مصنفه" عن أبي سلامة قال : انتهيت إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه وهو يضرب رجالاً ونساءً في الحَرَم، على حوضٍ يتوضئون منه، حتى فرَّق بينهم، ثم قال: يا فلان. قلتُ: لبيك وسعديك، قال: لا لبيك ولا سعديك، ألم آمرك أن تتخذ حياضاً للرجال وحياضاً للنساء ؟!

وإن النفس لتعجب ممن يعلم إطباق السلف والخلف ثم يحيف في حق الحق، (مصطلح الاختلاط لا يعرف في قاموس الشريعة الإسلامية) و (بدعة مصطلحية لا تعرف في مدونات أهل العلم) فعن أي مدونات علماء يتحدث الدكتور العيسى، أمدونات علماء الإسلام ؟! أم علماء الغرب ؟!

ثم ألا يعلم الدكتور – وفقه الله - أنه يخوض في مسألة "متقررة" عند سائر المذاهب على اختلاف مشاربهم، وأصلها من قطعيات الشريعة، وإنما يختلف العُلماء في بعض لوازم ذلك المنكر، كإسقاط حد القذف على من قذف امرأة تختلط بالرجال، وكقبول شهادة الرجل الذي يختلط بالنساء، فنص على عدم القبول أئمة وخلق كالقرافي في "الفروق" (4/156) وابن فرحون في " منهج الأحكام" (1/361) وغيرهما.

وكل ما بناه الدكتور العيسى من تقريرات في "مقاله" هي فرع عن ذلك القطع بغير تقدير، فمن ذلك ذكره لحديثٍ مُجملٍ قال: (وفي هذا السياق ما ثبت في الصحيحين عن أم الفضل بنت الحارث - رضي الله عنها - «إن أناساً تماروا عندها يوم عرفة في صوم النبي صلى الله عليه وسلم، فقال بعضهم: هو صائم، وقال بعضهم: ليس بصائم، فأرسلت إليه بقدح لبن، وهو واقف على بعيره، فشرب»، وذكر شراح الحديث بأن هذا أصل في المناظرة في العلم بين الرجال والنساء) انتهى .

المناظرة في العلم والتعليم، لا ينكر وجوده أحد، وهذا تعميم أورد فهماً خاطئاً، ولو تحقق له صفته علم أنه أُتي من تلقينٍ، وإدامة نظر في مقالات صحفية، لا تُري القاريء إلا ما ترى، تُسوِّدها أقلام ذاهلة، أحبوا شيئاً فطوَّعوا له النصوص، المناظرة في العلم بين الرجال والنساء التي يستنبطها العلماء الحذاق من النصوص، هي على حالٍ وصفها مسروق بن الأجدع كما في الصحيحين قال: سمعت عائشة وهى من وراء الحجاب.

وكما ذكره البخاري في "تاريخه" ترجمة عبد الله أبي الصهباء الباهلي قال: رأيت سِتْر عائشة رضي الله عنها في المسجد الجامع، تُكَلِّم الناس من وراء السِّتر ، وتُسأل من ورائه.

وكما جاء في "المسند" عن عبد الله أبي عبد الرحمن قال: سمعت أبي يقول: جاء قوم من أصحاب الحديث فاستأذنوا على أبي الأشهب، فأذن لهم فقالوا: حَدِّثنا. قال: سلوا. فقالو : ما معنا شيء نسألك عنه، فقالت ابنته - من وراء السِّـتْر -: سَلُوه عن حديث عرفجة بن أسعد أُصيب أنفه يوم الكُلاب .


وأما احتجاجه في الأسواق والبيع والشراء، فهي طرقات لا مواضع جلوس وقرار وحديث، ومع هذا فهذه الاستثناءات لم يرتضها الصحابة تمام الرضا وإنما خففوا فيها بلا مبالغة، فقد روى أحمد عن على رضي الله عنه قال: (بلغني أن نساءكم يزاحمن العلوج في السوق، أما تغارون، ألا إنه لا خير فيمن لا يغار).
وأما خروج النساء في الجهاد، فالمقطوع به الذي لا يشك به عاقل أن هذا من باب الضرورات الصرفة، وانشغال الرجال بضرب الأعناق ومتابعة العدو وترقبه، ثم هن مع ذلك متأخرات بعد الرجال معهن محارمهن ولا يتصور عاقل خروج نساء الصحابة إلا وأزواجهم معهم يبتن حيث يبيتون ويرتحلن حيث يرتحلون، وأي ضير في ذلك، ثم كيف يقاس هذا على اختلاط المرأة بالرجال في ميادين العمل والدراسة؟! كيف وقد أمر الله أهل العلم بالعدل والإنصاف: (وإذا قلتم فاعدلوا) .

وإني أذكر الدكتور – وفقه الله - بتقوى الله، ويوم العرض عليه، وأذكره بأعظم ما يُفسد على العبد دينه كما في الخبر عنه صلى الله عليه وسلم: (ما ذئبان جائعان أرسلا في غنم بأفسد لها من حرص المرء على المال والشرف لدينه)، وأذكره بأن الأمر ديِن، ودَين سيتم القضاء فيه بين يدي الخالق وحده، والواجب فيه الوفاء بالحق بلا جمجمةٍ أو دِهان، أو السكوت فإن السكوت "لا يُكتب"، (والله ورسول أحق أن يرضوه إن كانوا مؤمنين) .

والله يتولانا وإياه، بمنه وكرمه .

~ ~ ~

وهذا رد الشيخ ابراهيم الحقيل على قاشي تبوك بعنوان " أخطأت الطريق يا قاضي تبوك "


الشيخ / إبراهيم بن محمد الحقيل

[يُعزَّى في العلم وأهله حين يكون الاتهام والسباب والتحقير توثيقاً علمياً]
وقفت على مقالة الدكتور: عيسى الغيث سدده الله تعالى، وعنوانها (رد علمي موثق بشأن تصريح وزير العدل) ومن الواضح أن رده هذا كان على مقالة الشيخ: عبد العزيز الطريفي سدده الله تعالى، التي تعقب فيها معالي وزير العدل سدده الله تعالى..

وابتداء فأنا أزعم بهذه المقالة أني أنتصر للحق إن شاء الله تعالى، فإني لا أعرف الشيخ الطريفي ولا يعرفني، ولم أقابله من قبل لا في مجلس خاص ولا في مجلس عام، ولو صادفته في طريق أو سوق أو مسجد أو وليمة لما عرفته ولا عرفني، وليس مديراً لي فأرجو من الذب عما كتب نقلاً أو ترقية أو ندباً أو غير ذلك.

لقد عنون الدكتور الغيث مقالته بما يفيد أنها رد علمي موثق، وفي ظني أنه ليس فيها من العلم والتوثيق بحجم ما عنون به مقالته، إنْ هي إلا اتهامات وتحقير للمخالفين له، وتحريض عليهم لا يليق بالمسلم فضلاً عمن ابتلي بمنصب القضاء بين الناس، إضافة إلى ما انطوت عليه مقالته من التناقضات العجيبة التي يصدق أن يقال معها: إن مقالة الدكتور ينقض بعضها بعضاً، وهي تسيء إليه وإلى من أراد الانتصار له من حيث لا يشعر.

ولعل عذر الدكتور أنه كتبها بنفس مشحونة متوترة يعتريها ما يعتريها من الضعف البشري، ومع ذلك فيجب العدل في الخصومة، وأن لا تقود الحمية إلى الفجور، ولا يقضي القاضي وهو غضبان.

هذا؛ وتعقبي على مقالته أسوقه في النقاط التالية:

أولاً: امتلأت مقالة الدكتور الغيث بألفاظ الاتهام والتحقير لمن خالف الوزير في رأيه، وأنا أورد بعضاً مما قال هناالتأويل الباطل الذي ذهب إليه بعض الكتاب ممن يزعمون الغيرة ويصادرون الحقوق ويزايدون على الآخرين كَشَف مستوى الفهم والأمانة) (الذين أساءوا القراءة والظن، وما نشر من مناكفات صدرت عن أقلام يعيبها التسرع، وضحالة المادة وضعف التركيز) (كشفت مستوى الحجر على المقابل العلمي والمناكفات والتشويشات) (وتأليب العامة بحماسة الجهل والطيش) (قلة من أهل الغلو غير المبرر، وإنما المفسر برغبتهم في الظهور والشهرة والتصدر، والتهافت على الردود، واحتكار الدفاع عن الشريعة؛ تقدماً بين يدي أهل العلم واتهاماً لهم، في سباق محموم ومزايدة على الغيرة والنصح وقالب ركض وشغب)( فأوضع الطيش خلالهم وكفانا شرهم) (كباب سد الذرائع الذي وظفه الحروريون (أهل الغلو والتنطع) ليجعلوا منه باباً لسد المباحات ومصالح الأمة) (مناكفين بأوهام وتدليسات ومبالغات ما أنزل الله بها من سلطان) (فبعض الحروريين يزايد للنفخ الذاتي، والتمايز العلمي؛ جلباً للأضواء، وركضاً وراء فتن الشهرة والظهور، والانفراد برفع راية الدفاع عن حياض الأمة، مستغلاً في ذلك سذاجة الرعاع، مستثمراً حماساتهم الدينية الفارغة من المادة والفكر)(وتقلب الحروريين أسرع من الريح المرسلة لأدنى صارف، ولا غرو فقاعدتهم على شفا جرف هارٍ) (وليس أجهل من شخص يدعي العصمة والصواب، وينعى على غيره الرأي والاجتهاد) (ولكن أراد البعض التشويش والتهويش فوجد تصريح الوزير مبرراً ومنطلقاً يتكئ عليه زوراً لبث أفكاره بكل تدليس وفقد للأمانة العلمية والمنهجية البحثية والأخلاق الإسلامية، ويأتي هذا ضمن مسلسل الانتقادات المتوالية من هذه الفئة لإعاقة التنمية) (لكننا لا نستغرب هذا التطرف الفكري) (في حين نجد أن من الحرورية مُفَرِّخي فتنة الإرهاب وأهل الشغب والمراغمة) (بسبب قصور في العلم والفهم أو هوى في النفس أو شهوة أو شبهة) (ولكن أصبحت الرويبضة هي المتحدثة بسوء ظنها، وضلالة منهجها، القاصرة في إدراكها، المحرفة للكلام عن مواضعه؛ رغبة في شهرة وظهور)(بدعة متطفلي العلم وساحات الكتابة) (فكيف إذا كان الرأي من غير أهله ومن المتطفلين عليه، والمقصود هنا بيان جهل المتنطع وأنه زبَّب قبل أن يُحَصْرِم، وتكلم قبل أن يتعلم)(ما ذهب إليه الغوغاء إلا مزايدة وتشكيكاً ومصادرة لحق السواد الأعظم من الأمة) (ونخشى أن يكون هؤلاء المشاغبون نبتة جديدة لفئة ضالة) (لتنتهي حرورية العصر عن غيها وجهلها) ولا يخفى على القارئ ما رمى به الدكتور من حرموا الاختلاط، وتعقبوا الوزير بالجهل والهوى والغوغائية وسوء الظن وعدم الأمانة وحب الظهور والشهرة، وانتحال مذهب غلاة الخوارج، وهذا كله دخول في النيات، واتهام بلا علم ممن وضع للقضاء بين الناس في الدماء والأموال والحقوق!! كما أنه اتهم سائر القراء بأنهم رعاع لا يفهمون يستغلهم المحرمون للاختلاط!! فمن بقي يفهم؟ ومن بقي لا يجهل؟

ثانياً: في مقابل هذه اللغة المتشنجة التي ما تركت وصفاً سيئاً إلا ألصقته بمن تعقب الوزير في دعواه ببدعية مصطلح الاختلاط، نجد لغة المدح المبالغ فيه في الوزير التي قد لا يرضاها الوزير نفسه؛ لأن المبالغة في المدح ذم، ونبينا ^ قد أمرنا أن نحثوا التراب في وجوه المداحين، ومما قال الغيث في مدح الوزير(فقد أثلج صدري، وأسعد خاطري الحديث الضافي لمعالي الشيخ) (وقد عُرف معاليه في وسطه القضائي والعلمي بجودة: مادته العلمية، المتعددة الطيف في: الفقه، والقضاء، والتفسير، واللغة، وآداب العرب، وعنايته الخاصة بـ: " ألفاظ الشريعة "، والتحذير من " المواضعة " على خلافها، وغيرته على أحكامها) (لقد اطلعت على حديثه الثري في مادته) (وهو ما لا يخفى على معاليه وهو من المغرمين بالتقنية الحديثة في توظيفها الخيِّر) (لم يخلُ كلامه من السياق المحكم والمؤسس، فينبئ عن أن المادة المطروحة كانت في مستوى الوعي والإدراك وبعد النظر والتأصيل، يشهد بذلك قوة طرحها، وجزالة مصطلحها، ونفاذ فكرتها) (فكيف لو خرجت بحثاً بهذا الأسلوب الذي كان بهذا الحجم والنوعية العميقة في معانيها والبليغة في مبانيها والدقيقة في مدلولاتها) (فكان بياناً مختصراً عابراً أوضح معالم مهمة، وصحح مفاهيم خاطئة، وذب عن مصطلحات الشريعة العبارات الدخيلة، بأفقٍ جعل الدليل مرآته فأبصر، وحكَّم منطق الشرع، فُهدي ـ بحمد الله ـ إلى سواء السبيل) (والحديث الضافي عن بدعة مصطلح : " الاختلاط " صادر من شخصية علمية تعي ما تقول، ونعرف من تكون في أصلها وتأصيلها وغيرتها وسلفيتها)

وأظن أن كل قارئ من حقه أن يتساءل: هل ستكون غلظة الكاتب وفضاضته على خصوم الوزير كما هي في مقاله هذا، وهل سيكيل له هذا المدح الكثير، لو لم يكن وزيراً للعدل، أو كان المادح تحت ولاية وزير آخر غيره؟!

ثالثاً: زعم الدكتور أن الحروريين وظفوا سدَّ الذرائع لتعطيل مصالح الأمة، وسد المباحات -وللعلم فالحرورية فرقة من غلاة الخوارج الذين يكفرون المسلمين بالمعاصي، وبلغ من غلوهم أنهم أوجبوا قضاء الصلاة على الحائض خلافاً للإجماع- والقضية التي ساق الدكتور المقال فيها هي قضية نفي مصطلح الاختلاط تبعاً لقول الوزير، ومراغمة لقول خصومه، فلازم قوله أن من لا يقول ببدعية مصطلح الاختلاط فهو من الخوارج، علماً بأن كل أئمة العصر وعلمائه المشايخ الأعلام: محمد بن إبراهيم، وابن باز، والألباني، وابن عثيمين، وابن جبرين، رحمهم الله تعالى، والأحياء من العلماء وطلاب العلم بالمئات... كلهم قد حرموا الاختلاط في التعليم و الوظائف، وأغلظوا القول على من أباحه، وقبلهم الملك عبد العزيز رحمه الله تعالى قال قولاً شديداً في الاختلاط ودعاته، مما يعني أنهم يقررون مصطلحاً يسمونه الاختلاط، ويحكمون بحرمته، ووجوب اجتنابه، فهل كل هؤلاء الأئمة الأعلام يمكن نسبتهم للحرورية؛ لأنهم يذكرون مصطلحاً اسمه الاختلاط، ويشددون في تحريمه.

رابعاً: ضاق الطريق على الدكتور أمام إثبات الشيخ الطريفي أن لفظة الاختلاط ليست مبتدعة كما ادعى الوزير، وساق الطريفي جملة من الأحاديث والآثار الصحيحة، واستعمالات العلماء من مختلف المذاهب الفقهية، وعبر قرون متتابعة لمصطلح الاختلاط، وساق أقوالهم في مقام تحريمه والتحذير منه، فلم يجد الدكتور حيلة للخلوص من هذا المأزق إلا بالضرب على وتر أن مصطلح الاختلاط دخيل على الفقه، زاعماً أن الآثار والأقوال التي سيقت في الاختلاط ليست على وجه كونه مصطلحاً!! وهذا نص عبارتهمحدثة دخيلة غريبة على قاموسنا الفقهي تتعلق بـ"الاختلاط" وهو ما لا يعرف كمصطلح علمي ـ لا سرد لفظي لا يأخذ وصف المصطلح) وهنا لا مفر للدكتور من أحد أمرين:

1- إما أن يجعل المصطلح قاضياً على النص، بمعنى أنه حكم ببدعية مصطلح الاختلاط ليبيحه، فجعل علة التحريم في الشريعة هي كون المحرَم أخذ بُعداً اصطلاحياً في كتب الفقه، وهو ما يقول به القرضاوي في مسألة الاختلاط، وهو ظاهر كلام وزير العدل.

2- وإما أن يقول بنصوص تحريم الاختلاط المقنن الذي لا حاجة له كما في التعليم والوظيفة ونحوها التي أورد بعضها الشيخ الطريفي، وحينئذ يكون قد هدم مقالته التي كتبها في الانتصار لقول وزير العدل.

والعجيب أن الدكتور وهو متحمس لنفي استخدام الفقهاء مصطلح الاختلاط إلا في الزكاة ونحوها نسي فأورد بعد ذلك من الموسوعة الكويتية ما قيل تحت مادة (اختلاط) وذكرت الموسوعة فيها: اختلاط الرجال بالنساء وأحكامه. فإذا كان مصطلحاً مبتدعاً فلم ذكرته الموسوعة عن الفقهاء وهي متخصصة في الفقه؟ ولماذا يذكره الدكتور في معرض الاستدلال له وهو عليه؛ لأنه ينقض بنيان مقاله ومقال وزير العدل في دعوى بدعية الاختلاط؟!

ولو قال بإباحة الاختلاط مطلقاً حتى في التعليم والوظيفة لكان أهون عليه من هذا الدوران الطويل الذي أوقعه في التناقض والاضطراب من حيث لا يدري.

وخذ مثلاً قولهفإنكار المصطلح كمصطلح لا يعني إجازة معناه في جوانبه المحرمة) فهو هنا ينكر مصطلح الاختلاط، في الوقت الذي يقر فيه بعدم إجازة معناه في جوانبه المحرمة، وهذا من أبين التناقض؛ إذ لو كان مصطلح الاختلاط محدثاً لما كان فيه معان محرمة؛ لأن المحدث بدعة، والنتيجة أن يكون جائزاً بكل صوره، وهو ما قاله المجيزون لكل صور الاختلاط القرضاوي ومن وافقه؛ لأنهم طردوا أصلهم في الاختلاط، لا كما فعل الدكتور حين حكم عليه بأنه دخيل ثم أخذ ببعض معانيه وسماها جوانب محرمة.

لكن حين يعلم القارئ سبب هذا الدوران الطويل واللت والعجن يزول عجبه؛ إذ إن الدكتور كان قبل سُنيات قلائل من أشد المحاربين للاختلاط، وكتب فيه مقالة قوية صدرها بقول الله تعالى [وَاللهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا] {النساء:27} شن فيها حملة شعواء على دعاة تحرير المرأة ومساواتها بالرجل إلى أن وصل للاختلاط فقال فيهوقد تلطفوا في المكيدة، فبدؤوا بوضع لبنة الاختلاط بين الجنسين في رياض الأطفال، وبرامج الأطفال في وسائل الأعلام، وركن التعارف بين الأطفال، وتقديم طاقات -وليس باقات- من الزهور من الجنسين في الاحتفالات، وهكذا يخترق الحجاب ويؤسس الاختلاط، بمثل هذه البدايات التي يستسهلها كثير من الناس!! وكثير من الناس تغيب عنهم مقاصد البدايات، كما تغيب عنهم معرفة مصادرها)اهـ كلامه. فلعل هذا الكلام القوي منه في الاختلاط هو الذي جعله يلت ويعجن ويدور في مقالته الجديدة، ولا يقوى على التصريح بإباحة الاختلاط.

خامساً: أراد الدكتور أن يصور للقراء أن من قالوا بتحريم الاختلاط المقنن في التعليم والوظيفة هم من الغلاة الذين يعممون تحريم كل صور الاختلاط حتى للضرورة أو للحاجة أو الذي يقع بدون قصد حين قالوبالتالي لا يجوز اعتباره مصطلحاً لعدم أصالته الاصطلاحية من وجه وعدم توحد حكمه من وجه آخر، وحتى عند التسليم جدلاً بقبوله فلا يمكن حظر الاختلاط مطلقاً وإنما هناك مسائل متفق على تحريمها ومسائل أخرى متفق على إباحتها ومسائل بين هذا وذاك هي محل للنظر والاجتهاد ولا يجوز الاستدلال بمجرد المصطلح المحدث على حرمة جميع مدلولاته لانخرامه وسقوطه في المحك العلمي).

فأقول: وهل حرم المانعون للاختلاط في التعليم والوظيفة كل صور الاختلاط حتى يتم التشغيب عليهم بذلك؟! إن هذه هي طريقة المزورين الإعلاميين حين ضاقوا بإنكار العلماء للاختلاط شغبوا عليهم بأنهم ضد الجامعة والعلم والتقدم والتكنولوجيا، وحشدوا كماً من الدعاوى والأكاذيب والاتهامات لا تنطلي إلا على السذج من الناس.

سادساً: وقفت ملياً عند مقولة الدكتورفبعض المحاورين يلجأ إلى الهرب والمراوغة إذا وجد أن الطرف الآخر أظهر عليه الحجة، فتجده يفر من نقطة إلى أخرى، بل ربما إلى موضوع آخر ولمّا يكتمل الموضوع الأول، أو ربما حاد عن الموضوع الأساس وتعلق بمسائل جانبية وردت في الحوار بعيدة عن موضوع الحوار، وهذه حيدةٌ) اهـ

ولا أجد شيئاً أكثر انطباقاً على كلامه هذا من مقالته التي سطرها في الانتصار للوزير، ووالله الذي لا إله غيره لكأنه يصف به مقالته؛ فهو حاد عن النصوص الصحيحة التي أوردها الشيخ الطريفي، والنقول عن العلماء إلى التعلق بالمصطلح، وادعاء أن الاختلاط ليس مصطلحاً فقيهاً ولو ثبت في الآثار وكلام الفقهاء.

ومقالته كذلك فيها قفز من موضوع إلى آخر: فبدأها بمدح مقالة الوزير، ثم نفى مصطلح الاختلاط مستشهداً بقول القرضاوي، ثم عاد إلى مدح الوزير مرة أخرى، ثم شن حملة شعواء على من سماهم الحروريين؛ لأنهم يثبتون مصطلح الاختلاط المقنن، ويقولون بحرمته، وعاد معها إلى الكلام عن بدعية مصطلح الاختلاط، ثم انتقل إلى ذكر إنجازاته ومقالاته التي كتبها، ثم عاد مرة ثالثة إلى تحقير من تعقبوا الوزير وشتمهم، وطلب محاكمتهم وتأديبهم حماية للأمة من أناس يحذرون من الاختلاط، ويردون على من يقول: إنه مصطلح حادث ليجيزه، ثم بدأ يؤصل للحوار وما يجب أن يكون عليه، ثم عاد للاختلاط مرة أخرى ليقص مادة (اختلاط) من الموسوعة الكويتية وما ذكر تحتها ويلصقه في مقاله، ثم أعقب ذلك بفتوى للقرضاوي في الاختلاط، ثم ذكر خلاصة ما يريد بقولهوالخلاصـة:أن اللقاء بين الرجال والنساء في ذاته ليس محرمًا بل هو جائز أو مطلوب إذا كان القصـد منه المشاركـة في هدف نبيل، من علـم نافع أو عمل صالـح، أو مشـروع خـير، أو جهاد لازم، أو غير ذلك مما يتطلب جهودًا متضافرة من الجنسين، ويتطلب تعاونا مشتركًا بينهما في التخطيط والتوجيه والتنفيذ)اهـ

يتجرأ على قول ذلك وتقريره، ونبينا محمد ^ يقولإياكم والدخول على النساء....).

فهل تجد يا أخي القارئ فراراً وحيدة عن الموضوع الأساس أكثر من هذه، ومراوغة أكثر من تلك، وهو يقرر أن ضعيف الحجة يهرب في مناقشته بتلك الطريقة؟!

سابعاً: وضع الدكتور أصولاً للحوار يجب التزام المتحاورين بها استغرقت من مقاله أكثر من خمس صفحات، فهل من أصول الحوار وآدابه سيل الشتائم والتسفيه والتحقير التي امتلأ بها مقاله، وذكرت منها ما ذكرت في أول هذا التعقب عليه؟

ثم كانت الطامة العظيمة حين بلغ به الأمر إلى اتهام النيات، واستعداء الدولة ومسئوليها على من انتقد وزير العدل في مقالته، فهل هذا من الحوار؟وذلك في مقولتين هما:

الأولى قال فيهاوحيث أن أداتهم التقنية المعلوماتية فيصدق عليهم تطبيق نظام مكافحة الجرائم المعلوماتية، لكونهم يقومون بما يخالف المصلحة العامة والتشهير بالآخرين وإلحاق الضرر بهم ونشر ما من شأنه المساس بالنظام العام والتحريض للغير والمساعدة والاتفاق على ارتكاب هذه الأوصاف الجرمية، وهذه منصوص عليها في المواد رقم : (1/8 و2/3 و3/5 و6/1 و9 و10).

والثانية قال فيهاإضافة إلى وجوب إبعادهم عن التأثير على الناس خصوصاً ممن يشغلون وظائف رسمية تتعلق بالدعوة والإرشاد والاستشارة لدى سدة القرار في بعض المؤسسات الشرعية، لأن أحكام الشرع جاءت بالحجر على أمثال هؤلاء وأخذهم بالزجر والتأديب حماية للأمة).

فما أسعد الناس بأصول الحوار وآدابه التي قررها الدكتور ثم نقضها في مقالته حين جعل العلماء وطلبة العلم المانعين للاختلاط في مصاف المجرمين وغلاة الخوارج الذين لا يكون التعامل معهم إلا بالإقصاء وتكميم الأفواه، وتطبيق نظام مكافحة الجرائم عليهم، فماذا أبقى الدكتور للإقصائيين الاستئصاليين من العلمانيين والليبراليين؟!

ثامناً: قال الدكتور(كما أن وزير العدل لم يجز الاختلاط في التعليم ولم يرد في كلامه ما ينص أو يفهم منه ذلك).

وهذا من عجيب الفهم والاعتذار؛ إذ إن سياق كلام وزير العدل هو في الجامعة المختلطة محل النزاع، فلماذا إذن أورد الوزير دعواه بأن مصطلح الاختلاط دخيل إلا لها؟ ولماذا احتفى الليبراليون بقوله إلا من أجل تسويغ الاختلاط فيها؟ ثم ما هو مراد الوزير بقولهأننا لا نجد فرقاً بين جمع عام مشمول بحسن المقصد وسمو الهدف، يجتمع - على نبل غايته ورحابة فنائه - الرجال والنساء، يحفهم السمت المنوه عنه، وبين جمع آخر بين الرجال والنساء على مقصد تعبدي نجده تحديداً في طوافهم سوياً، بالبيت العتيق، وسعيهم بين الصفا والمروة، ورميهم الجمار على صعيد واحد) أليس في هذا تجويز للاختلاط في التعليم؟ وإلا لماذا يسوقه في الكلام عن الجامعة المختلطة؟

كان أسهل على الدكتور أن يعتذر للوزير بأن هذا اجتهاده ومبلغ علمه بدل الجزم بأن الوزير لم يجز الاختلاط في التعليم.

وأعجب من ذلك وأشد غرابة قول الدكتوركما أن الاختلاط المزعوم في الجامعة غير متحقق وما يوجد فيها لا يعدو كونه عبارة عن لقاء في الطرقات والساحات كالأسواق والأماكن العامة، وهي عدة مدن وساحات تستوعب مد البصر، لا تختلف في ملتقاها عن ملتقى الناس في أسواقهم ورعاية مصالحهم)

قلت: إنْ كذَبَ العلماء وطلبة العلم الذين أنكروا الاختلاط مع ثنائهم على الجامعة، حتى وصَفَهم بعضُ مادحيها بإطلاق بأنهم متبعو إشاعات ومروجوها!! وإنْ كذب الإعلاميون الذين فرحوا بالاختلاط فيها حتى في قاعات الدراسة ومعامل البحث، وعدوه فتحاً مبيناً لهم ولفكرهم المنحرف، فهل يكذب المسئولون عن الجامعة بتصريحاتهم أنها مختلطة في كل شيء؟ وأنها مثل حيٍّ من أحياء نيويورك؟ وهل تكذب الصور التي بُثت من داخل الجامعة في افتتاحها وأنشطتها؟ فلماذا استغفال الناس بهذه الطريقة الممجوجة؟!

هذا بعض ما في مقالة الدكتور، ولولا خشية الإطالة لذكرت نقاطاً أخرى، فلعل ما ذكر فيه كفاية لرفع اللبس ورد الجناية، والله المستعان في كل الأحوال.

[يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ] {التوبة:119}


~
__________________
private.ID غير متصل