مشاهدة لمشاركة منفردة
قديم(ـة) 25-02-2010, 11:55 PM   #2
Fast
Registered User
 
تاريخ التسجيل: Oct 2007
البلد: أحلام العاًجز..]
المشاركات: 670
نرجع إلى موضوع السور الأول:

عندما تكون واقفاً عند باب الجامع الكبير الجنوبي في شارع الملك فيصل وتنظر إلى الضفة المقابلة للشارع تشاهد أمامك سوقاً مظللاً يسمى سوق الذهب وفي السابق يسمى سوق داحس "كان سوقاً للحوم، ما زلت أتذكر الجزارين وحركتهم الدائبة ومزاحهم ونكتهم وضحكاتهم المجلجلة ومناداتهم على لحومهم ومديحهم لها وكأن هذه اللحوم نزلت من الجنة، يغرون الزبون بمهارة حتى يشتري غصباً عنه، وما علم أنها لحوم إبل مرت عليها العصور جميعها.

هذا السوق الجميل الصاخب فيما مضى سوف أخصص له حلقة, لأنه يحمل أجمل الماضي الذي عشته هناك باسم سوق داحس.

استمر بالمسير بهذا السوق حتى تأتي عند منتصفه تقريباً تشاهده يضيق نوعاً ما، هذا المضيق هو الباب الشمالي لبلدة بريدة القديمة ، في هذه الحالة يكون نصف السوق وشارع الملك فيصل وكذلك مسجد الجامع كلها خارج السور القديم تحرك وأنت متجه جنوباً وعلى بعد ثلاثين متراً تكون قد وقفت في قبة رشيد مؤسس السور الأول وليس مؤسس بريدة، لا تنسى أن مؤسس بريدة هو راشد , ورشيد هذا من أحفاده ، استمر متجهاً جنوباً وكأنك ذاهب إلى سوق التحف الأثرية وعلى بعد ثلاثين متراً أيضاً تنتهي بريدة في هذه الحالة تكون بريدة القديمة والتي بني لها سور لأول مرة(ستون متراًْْx ستون متراً) من الغرب والشرق وتكون مساحتها في هذه الحالة ثلاثة آلاف وستون متراً مربعاً. ألم أقل لكم أنها جميلة؟ وكأنك في أصغر استراحة في هذا الوقت. في نهاية بريدة من الجنوب يوجد مسجد ناصر، ذهب مع التوسعة ، وهو أول مسجد بُني في بريدة قبل مسجد الجامع الكبير، على يمينك قبل أن تصل إلى التوسعة الجديدة كانت مأذنته توجد في البيت الذي يقع بجواره إلى الشمال.

وهذه ظاهرة غريبة لا توجد بالمساجد الأخرى. كنت أتذكره جيداً والآن دهسته التنمية ولم يبق منه إلا ذكره فقط. كانت قبة رشيد سوق بريدة العام، كل الأشياء تُباع فيها. كنت أتذكره جيداً، وأتذكر أيضا حركة الناس الجادة . أما قصة بناء هذا السور فإن السواليف تذكر لنا القصة الدرامية وملابسات هذا البناء العجيب.

يقولون أن قبيلة الظفير وأميرهم أبن سويط يأتون إلى بئر بريدة ويشربون من الماء ويستظلون بالنخيل التي تقع إلى الغرب منها, وكان هذا عندما هاجرت قبيلة عنـزة من المنطقة وأصبح هناك فراغ سياسي استغلته هذه القبيلة, ويبدو لنا أن بريدة في بداية تأسيسها كانت بلا سور يحميها من عبث هذه القبيلة وغيرها, كما أن المنازعات والأخذ بالثأر التي تحصل بين عائلة الأبوعليان أنفسهم جعلت رشيد يفكر ببناء سور يحميها ويحمي نفسه من الانتقام من أفراد عائلته الطامعين في الحكم . لذلك فكر ببناء هذا السور، ولكن كانت إمكانياته ضعيفة، وأهل البلدة من القلة بحيث لا يستطيعون تنفيذ هذا المشروع إلا بمساعدة أحد. لذلك فكر بخطة محكمة استطاع تنفيذها بحذافيرها حتى تم بناء هذا السور. كان يعرف السيد رشيد أن هذه الإمكانيات موجودة مع بدو الظفير، لذلك استطاع بحنكته السياسية ودهائه أن يقنع ابن سويط بأن يستعمل جماله وحميره في جلب الطين والحصى من المناطق المجاورة، ورجاله في بناء السور.

قال لابن سويط: أنت أميرنا وسيدنا ولكنك ترحل مع رجالك في فصل الشتاء إلى المراعي البعيدة وتتركنا نهباً للعابرين واللصوص لذلك لابد أن تساعدنا في بناء السور حتى إن ذهبت في الشتاء نكون قد أغلقنا الأبواب وحمينا أنفسنا حتى تعود في الصيف المقبل. و بهذه الطريقة استطاع أقناع أمير الظفيربها . وبدأ العمل فوراً حتى اكتمل قبل بداية الشتاء، ولكن عندما عاد ابن سويط في الصيف إليها خاف من دخول البلدة لأنه اعتقد أن هناك خطة ما مبيتة فأرسل أحد رجاله إلى البلدة لأخذ العهود والمواثيق من السيد رشيد فقال رشيد هذه العبارة لرسول ابن السويط ( والله العظيم أن يخرج لكم أول جمل وآخر جمل من حلالكم كما دخلت فلا خوف عليكم )، اقتنع ابن سويط بهذا الميثاق، وبدأ الحلال يدخل الرعية تلو الرعية حتى دخل الحلال جميعه داخل البلدة، وعندما لم يبقى إلا دخول الرجال أمر رجاله بإغلاق الأبواب، وقد أمر رجاله في البداية أن يتعرفوا جيداً على أول جمل وآخر جمل دخلا، فأخرجها له وقال بهذا قد حافظنا على عهودنا، ولم ينقض العهد، ولكنها حيلة ذكية استطاع بها أن يجرد قبيلة الظفير من حلالها.

فغادروا المنطقة إلى الكويت بلا رجعة وهم لا يملكون إلا جملين فقط. فضعفت هذه القبيلة بعد هذه الحادثة, ولم تعد تقوم لها قائمة بعدها. السواليف تقول لنا هذا الكلام، والتاريخ الشفوي المحكي هو من سجل هذه الحادثة، أما نحن فإننا لا نملك إلا الشفويات نتحرك بها ونقولها للأجيال المقبلة.

في الحلقة القادمة سوف أتكلم لكم عن حدود السور الأخير لبريدة لأنني أتذكره, وأتذكرملامحه فقط وأعرف أبوابه جيداًوكأنه البارحة، أما الآن فلابد لي أن أبوح لكم بسر لا أريدكم أن تذكروه لأحدٍ أبداً خوفاً عليه من الضياع . سوف أخبركم بموقع البئر الذي يسمى "بئر بريدة" والذي قامت عليه البلده وهو الآن مدفون تحت الرصيف الوسطي لشارع الملك فيصل. أمام بوابة مسجد الجامع الكبير الجنوبية, وتحت الرصيف الوسطي مباشرة .

دُفن أثنا توسعة شارع الملك فيصل، وكان في ما مضى مكاناً للوضوء يتوضأ منه الناس للصلاة، كان داخل غرفة فيها قرو مصنوع من الصخر. والماء يخرج منه يدوياً بواسطة حبل ودلو. كنت أتذكره جيداً، وقد توضأت منه للصلاة، عندما كان مسجد الجامع الكبير مبنياً من الطين قبل أن يتأثر من الأمطار سنة الهدام. أما بعد الهدام بُني من حصى, بناه عُمال فلسطينيون، وفتحه الملك سعود غفر الله له عام 1379هـ، ما زلت أتذكر مراسيم الافتتاح كان عمري حينها حوالي تسع سنوات. مازلت أذكر تلك الموسيقى العسكرية الصاخبة. وأولئك العساكر الذين تجمهروا حول المسجد، وتلك الفرق الموسيقية العسكرية، وأتذكر أيضاً ملامح الملك سعود وهو يصفق بعد الافتتاح، ولكن مسجد الجامع هذا جُدد بناؤه في عهد الملك فهد رحمه الله، وسمي بإسمه.

كانت أيام جميلة، تزخر في حيوية الطفولة، بعد افتتاح المسجد بيوم تقريباً أعلن في بريدة أن الملك سعود سوف يوزع على الناس هدايا وأمولا، فذهبت أنا وأختي، واصطففنا مع الناس وكنت خائفاً جداً أن يفوتني " التجسيم " ولكن بعد الوقوف من الصباح حتى العصر، استطعت الحصول على شماغ، وخمسة ريالات وأختي حصلت على " غدفة "وخمسة ريالات أيضاً. كانت فرحة عارمة شملت أرجاء البلد ، أما أنتم أيها القُراء الشباب بالذات فأرجو منكم أن تحفظوا وصف البئر جيداً للمستقبل وعلموه لأولادكم .
ودمتم.




موسى النقيدان
Fast غير متصل