الموضوع: لحظات مودّع ..
مشاهدة لمشاركة منفردة
قديم(ـة) 16-03-2010, 09:18 AM   #25
بندر 1430
كاتب مميّز
 
تاريخ التسجيل: Oct 2009
البلد: بريدة
المشاركات: 4,723
كانت مشاعري وأنا في طريق عودتي للمنزل بعد أن عشتُ تلك اللحظات مع محبوبتي بريدة لا توصف ..
كانت تزداد سوءاً لحظة بعد لحظة ..

سوف أجلسُ مع والدتي بدون أن يشاركنا أحد المكان والزمان ..
كنت أسأل نفسي .. كيف سأتمكّن من إحتضان نظراتها المودّعة؟
كيف سأعبّر لها عن أسفي لما سأسببه لها من ألم بعد رحيلي؟
كيف سأقول لها وداعاً؟

إقتربت من المنزل .. وأوقفت سيارتي بعيداً عن المدخل الرئيسي حتى لاتتألم والدتي من رؤيتها بعد رحيلي مباشرة ..
صنعتُ لنفسي إبتسامة وأخفيتُ أحزاني ثم دخلتُ المنزل و ذهبتُ مباشرة لغرفة الجلوس حيث والدتي تحب قضاء فترة الصباح فيها ..
قبّلت رأسها و جلستُ بالقرب منها .. وقد لاحظتُ بأنها هي الأخرى صنعت لنفسها إبتسامة ..

والدتي مرهفة الإحساس و أنا أقرب الأبناء لها كما أخبرتني هي بذلك .. لذا دائماً ما أحاول مراعاة شعورها حتى لا أؤذيها ..
لم أخبرها أبداً بأن دراستي قد تستمر لسنوات عدّة .. لقد أخبرتها بأني ذاهب لدراسة الماجستير و سأعود مباشرة بعد الإنتهاء منها بإذن الله ..
إلا أنّي وفي تلك اللحظة الحزينة وأنا جالس بجوارها أردتُ التخفيف عنها وذلك بإخبارها بأني ذاهب لدراسة اللغة الإنجليزية فقط ثم سأعود لإكمال الدراسة في الوطن ..

وبينما كنت أستعد لإطلاق تلك الكذبة رفعت رأسها و نظرت إليّ ثم قالت .. لن أقبل منك إلا شهادة الدكتوراه ..!
إلهي .. أسألك اللطف بي .. وبها .. لقد قالت تلك الكلمات رغماً عنها .. لقد قالتها لأنها تريد التخفيف عنّي .. وعن نفسها ..
شعرتُ بأن خلف تلك الكلمات آهات كانت تخفيها عنّي .. كنتُ خائفاً عليها .. تمنيّت لو أنها بكت حتى يزول بعض الضغط عن قلبها ..

لم أردّ على ما قالته لي .. وطلبتُ منها إخباري عن قصصنا معها ونحن في مرحلة الطفولة ..
لعلّ تلك القصص تبكيها .. لم تمانع و سردت لي أكثر من قصّة .. دون أن تُحدِث فيها تلك القصص أي شعور بالرغبة في البكاء ..
أدركتُ حينها بأنها متماسكة فقط من أجلي .. لم أشأ لها المزيد من الألم .. قبّلت رأسها مرة أخرى و وعدتها بأني سأجتهد في تحصيل العلم ..

إستأذنتها في الذهاب لغرفتي لأجلب حقيبتي .. فلم يتبق على موعد السفر للرياض سوى دقائق قليلة ..
وقبل أن أدخل غرفتي وجدت ورقة ملصقة على بابها بشريط وردي جميل كُتب عليها التالي ..

"أخونا العزيز بندر .. أعذرنا .. لن نتمكن من توديعك .. لأننا وباختصار .. لا نتحمّل رؤيتك وأنت تغادرنا .. لن نقول وداعاً .. ولكن إلى لقاء قريب بإذن الله .. أخواتك .."

حينها عرفتُ سبب تواجدهن خلف باب غرفتي تلك الليلة ..

أحزنتني الرسالة .. لم يكن سبب الحزن أنّي لن أتمكن من توديعهن فحسب .. بل لأني تسببت في حزن أغلى الناس .. بأنانيتي ..
.
.

يتبع
بندر 1430 غير متصل