حضرتُ مبكرًا إلى المدرسة ، كان ذلك قبل الطابور [ بعشر دقائق ] تفاجأت بأن سيارات المعلمين (زملائي!) لسى ما جو ، فذهبت لأتجول في الحارة قليلاً ، حتى حانت ساعة الصفر ، وحل الطابور ، دلفت إلى المدرسة ، ثم قرع الجرس المزعج ، فتطاير الطلاب ، كما لو كانوا مجموعة نمل تجمعت على طعام فأتى من يعبث بهم .
تأملتُ في صفوف الطلاب أثناء الطابور ، كانوا لايزالون صغاراً جداً ، حيث البراءة لاتزال تدب في وجوههم ، بدأ التدريب الصباحي ، ولوحت أطياف ذكرى الماضي فوق رأسي ، الكثير من الحركات اختصرت ، انتهوا بسرعة ، وليس كما كنا أيام زمان ، بدأت الإذاعة ، لم أفهم حرفًا واحدا ، كان الصوت ضعيف بالإضافة إلى أن الطلاب يقرأون بسرعة شديدة جدًا

!
ذهب [ مدرس البدنية ] الرائع ، وأخذ المايك ، ثم رحب بي وبزميلي المطبق [ خالد الشمري ] الرائع كذلك ، ثم جعل الطلاب يرددون بصوت واحد حياكم الله ، حياكم الله ، حياكم الله ! ابتسمت .. وسررت .. ما أجمل هذه الأجواء

!
دلفنا إلى غرفة الوكيل ، حيث القهوة والتمر والطحينية والشاي ، احتسينا ما شاء الله لنا أن نحتسي ، لم يُطلب مني في هذا اليوم سوى حصة واحدة [ انتظار ] في صف 2 – ج وذلك في الحصة الرابعة .
حسنًا لا بأس ، بعد نصف ساعة تقريبًا ، طلب مني الوكيل أن أذهب إلى أحد فصول سادس ابتدائي ، حيث أن المدرس قد [ خرج ] ، نبضات قلبي بدأت تدق ، لم يكن الأمر مخيفًا إطلاقًا ، ولكنها مشاعر طالب قضى 19 سنة في التعليم ، أصبح الآن معلماً !
كان الفصل قريبًا جدًا ، ترددت هل أدخل مبتسماً كما هي الابتسامة التي ترتسم علي محياي الآن ، أم أكون أكثر صرامة وجدية ، رجحت الأخرى احتياطًا ودخلت ، وسلمت عليهم ، سرعان ما أحببتهم ، وأحبوني ، هكذا بدا لي من خلال تعليقاتهم ، وطلباتهم المتكررة بأن أبقى معهم .
أحدهم ، لا يبرح يسأل عن القبيلة ، من أي قبيلة أنت ؟ قلت أنا إبراهيم الدبيان ، قال لا يا أستاذ ، أبي القبيلة ! قلت أنا من قبيلة العنزي ، أجاب / ونعم بك يا أستاذ ، قلت وش عندك مهتم بالقبيلة ؟ قال بس أبشوف ، قلت تبي تعزمني ؟ (مالها دخل) تلعثم قليلاً ، فصرخ أحدهم منقذاً صاحبهُ من الموقف : أنا بعزمك على حاشي يا أستاذ ! قلت كفووو

!
أخذت ورقة الأسماء ، كان الجميع يعودون إلى قبيلة [ حرب ] الكريمة ، ما عدا واحد أو اثنين ، استرعى انتباهي اسم جميل يدعى البراء الطنطاوي ، قلت أين هو ؟ لعله من أقرباء الشيخ علي رحمه الله ، بيد أنه أجاب أنا [مصري] والعجيب أنه يتحدث اللهجة السعودية البدوية باتقان شديد .
لم أمكث طويلاً عندهم ، إذ سرعان ما انتهت الحصة ودخلت الحصة الأخرى ، ولم يأت الأستاذ [ يبدو أن التسيّب عامل عمايله في هالمدرسة

] أرسلت البراء ليخبر الوكيل بالأمر ، سرعان ما عاد وزميلي المطبق بجانبه ، فسلم علي بابتسامته الجميله المعهوده ، وهمس في أذني كيف هم ؟ قلت ممتازين ! قال ما يبون شدة ؟ قلت أبد ما عليك ، ثم رحلت

..
أخذت الورقة الخاصة بأوقات الحصص من الوكيل لأعرف متى تبدأ الحصة الرابعة ، وخرجت إلى منزلي ، كانت المسافة بين المدرسة والبيت لاتستغرق سوى [4] دقائق ، وهذا أمرٌ جميل ، عدت إلى المدرسة حينما حانت الحصة الرابعة ، ودخلت إلى فصل 2 جـ ، كان فصلاً مهترئاً إلى أبعد حد ، الباب متعطل لا يعمل ، الجدران قذرة للغاية من فرط الكتابات والشخاميط ، دردشت معهم ، لم يكونوا كأصحاب المرحلة السادسة ، هؤلاء أطفال ، ولذا سرعان ما مللت منهم ، وتركتهم في حالهم يرتعون ، ولكن في كل دقيقة يقوم أحدهم ويرفع يده [ يا أستاذ أبروح للحمام ] ، يا أستاذ أبروح للحمام ، حتى أن بعضهم يُتقن التمثيل ، فيأتي بوجه منكسر وعبارات متحسرة ، ويقول يا أستاذ أنا حسرااااان ! فأجعله يخرج ، تحية لتمثيله الرائع

.
انتهت الحصة على خير ، أمرت العريف ونائبه أن يقوموا عند الباب ولا يسمحوا لأي أحد أن يخرج ، ثم ذهبت إلى الأسفل ووجدت زميلي ، لنتحدث عن بعض المشاعر والأمور التي حصلت لنا مع الطلاب ، تفاجأت بطفلان يسيران في حوش المدرسة ، دققت النظر إنهما العريف ونائبه !! سألتهم : وين ياحبايب ؟ أجاب أحدهم : يا أستاذ أنا حسران وأبا الحمام

!