مشاهدة لمشاركة منفردة
قديم(ـة) 02-06-2004, 02:26 PM   #9
mahtam
عـضـو
 
تاريخ التسجيل: May 2004
المشاركات: 63
تابع /

قد يقول قائل: إذن كيف يكون تغيير الأخطاء الكبيرة، وبعضها قد تكون كفرا، إذا كانت في المجتمع؟. فالجواب أن يقال: روى البخاري في الفتن عن حذيفة رضي الله عنه أن قال:

(كان الناس يسألون رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الخير، وكنت أسأله عن الشر، مخافة أن يدركني، فقلت: يا رسول الله! إن كنا في جاهلية وشر، فجاء الله بهذا الخير، فهل بعد هذا الخير من شر؟.

قال: نعم. قلت: وهل بعد هذا الشر من خير؟. قال: نعم، وفيه دخن. قلت: وما دخنه؟.

قال: قوم يهدون بغير هدي، تعرف منهم، وتنكر.

قلت: فهل بعد ذلك الخير من شر؟.

قال: نعم، دعاة على أبواب جهنم، من أجابهم إليها، قذفوه فيها.

قلت: يا رسول الله! صفهم لنا. قال: هم من جلدتنا، ويتكلمون بألسنتنا.

قلت: فما تأمرني إن أدركني ذلك؟.

قال: تلزم جماعة المسلمين وإمامهم.

قلت: فإن لم يكن لهم جماعة ولا إمام؟.

قال: فاعتزل تلك الفرق كلها، ولو أن تعض بأصل شجرة حتى يدركك الموت، وأنت على ذلك).

فهذه وصية النبي صلى الله عليه وسلم:

أن على المسلم أن يتعلم أمور دينه، ويتعاون مع أهل العلم والخير، ويدعو إلى الحق، ويلتزم الجماعة، فيتخذ هذه الوسائل السلمية في الإصلاح، فإن عجز وفشل، فعليه أن يعتزل، ويتمسك بالحق، وبه يكون ممثلا لجماعة المسلمين، فإن الجماعة هي التي تكون على الحق المنزل، ولو تشخصت في رجل واحد.

ومثل هذه الوصية (الدعوة، أو العزلة) جاءت في حال طغيان الفساد، وانسداد أبواب الخير والإصلاح بشكل تام، فكيف إذا كان الخير موجودا، يزاحم الشر، ويدافعه، والحرب بينهما سجال، كما هو الحال؟.

إن ذلك لأدعى لاتخاذ الوسائل السلمية، واجتناب وسائل العنف والقوة، يقول الله تعالى:

{ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن}.

فما ثمة سبيل للإصلاح والتغيير إلا الكلمة الطيبة، والناس مسلمون مستجيبون يحبون الخير، وقد جُربوا في مواطن كثيرة، فأثبتوا حبهم للإسلام وقضاياه، من الإنفاق في سبيل الله تعالى، والمسارعة لنجدة المحتاج، والإقبال على الطاعات، وما فيهم من المعاصي الظاهرة، لا يسلم منها إنسان، سواء كانت كبيرة أو ما دون ذلك.

وإذا كان كذلك، فمن الظلم والإثم، معاملتهم بمثل هذه الحلول المتعسفة الخطيرة، التي لا سند لها شرعا، من المفارقة والخروج، والقتل والقتال، والتفجيرات وقتل المسلمين، بزعم أنهم كفار مرتدون ؟!!.

وفي هذه الأحوال: العلماء هم الأمنة، فالتزامهم نجاة، ولا نجد عالما يوافق على هذه التفجيرات الخاطئة، وهذا العدوان على الأنفس المعصومة، بل كلهم مطبقون على استنكارها، والأمة متمثلة في علمائها لا تجتمع على ضلالة، فمن خالفهم فهو على ضلالة، وعليه التوبة إلى الله تعالى، واتباع سنن الأنبياء والمرسلين.

وإذا تأملنا في النصوص الشرعية لم نجد فيها تحريضا على مفارقة الجماعة والخروج عليها وقتالها بسبب معاصيها، مثلما نجد فيها الأمر بالبلاغ، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والدعوة، والإصلاح، والمجادلة بالتي هي أحسن، والحكمة، والموعظة الحسنة، فهذه نصوصها متضافرة وكثيرة.

وفي مقابلها نجد بعض النصوص المبيحة - لا الموجبة - مفارقة الجماعة بشرط كبير، تحققه يحتاج إلى شروط، وبين الشرط وتحققه مفاوز وعوائق كبيرة وعظيمة، فطريقه صعب وشاق، محفوف بالخطر والمزالق، وللمؤمنين أن يتركوه.

وهذا فيه دلالة إلى أنه ينبغي أن تتوجه العناية إلى الإصلاح بالكلمة الطيبة، وأن يصب الجهد فيها، خاصة والناس فيهم استجابة، ولا ينبغي للمؤمن أن يفقد الأمل، وقد كانت الأنبياء يؤذون، ويضربون، ويقتلون، ثم مع ذلك يقولون:

(رب اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون).

قال الله تعالى:

{ولقد كذبت رسل من قبلك فصبروا على ما كذبوا وأوذوا حتى أتاهم نصرنا ولا مبدل لكلمات الله ولقد جاءك من نبأ المرسلين}.
mahtam غير متصل