مشاهدة لمشاركة منفردة
قديم(ـة) 15-06-2004, 02:54 PM   #2
مهتم
عـضـو
 
تاريخ التسجيل: Oct 2003
المشاركات: 353
الخطبة الثانية


الحمد لله وحدَه، والصلاة والسلام على من لا نبيّ بعده.

وبعد: فاتقوا الله أيها المسلمون.

واعلموا أنّ ثمّة محورًا سادسًا يخصُّ قضيةَ المرأة، وهو أنّ وظيفتها في الحياة والمجتمَع ليست مبنيّةً على عقدِ استرقاقٍ ولا ارتفاقٍ لجسدِها، بل المرأة لها حقّ في المجتمع والأسرَة، إذ لها حقٌّ أن تحضر المساجدَ في غير فتنةٍ، وأن ترفع عنها الأمّيّة، وأن يكونَ لها قصَبٌ في النصح والتوجيه والتربية والتعليمِ والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ومن حقِّها أيضًا أن تسعَى إلى الأفضلِ عند توفُّر فُرصِ العمل الملائم لوضعِها خَلقيًّا وشرعيًّا، في ميدان العِلم النافع والعمل الصالح ودعوةِ الخير، فالأمّة المسلمة بحاجةٍ ماسّة إلى المربّية المسلمة والمعلِّمة المسلمة والممرّضة المسلمة والطّبيبة المسلمة والكاتبة المسلمة، والمرأةُ ذاتُها بحاجةٍ ماسّة إلى أن تملأ رأسَها بالعلم والمعرفة الصالحة، لا أن تعرِّي رأسَها وجسَدها وتتجهَّم لدينها.

ووظيفة المرأة في المجتمع ستبقى خطيرةً وحسَّاسَة، لا تقبل التفريطَ فيها ولا التجاربَ المُرّة عليها.

كما أنّ المجتمع كلَّه مطالبٌ بصيانةِ الأعراض ومنعِ أيّ عَبَثٍ بها. والأمة الموفّقَة هي التي تستطيع أن تلائِم بين هذه الأهدافِ النبيلة للمرأة وبين احتياطاتِ المجتمع في ظلِّ حمايتِها وصيانتها، فلا هي تضَعها في قفصِ الاتهام، ولا تطلِقها لتكونَ مصيَدةً للآثام والبغي، ولا تجور على غَيرةِ الرجل وتمتهِن حقوقَ الله.

وأمّا آخِر المحاور ـ عبادَ الله ـ فهو ما ينبغي إيضاحُه بأنّ دعوى التّساوي بين الجنسين الذكرِ والأنثى من جميع الوجوه إنما هي كمثَل دعوى إمكانيّة العقدِ بين شعيرتين، فالمسلمُ الحقّ ينبغي أن لا يشُكَّ في أن الله جل وعلا اختصَّ كلَّ جنسٍ بخصائصَ امتاز بها عن الآخر، وزاد الرجالُ على النساء درجةً، فقال سبحانه: وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ [البقرة:228]. فجعلَ الله التفضيلَ للرجال بالنبوّة والإمامةِ العُظمى والقضاءِ وإماماتِ الصلاة والجهادِ في سبيل الله وتزويج الرجل نفسَه دون وليّ والطلاق بيَد الرجل وأنّه يأخذ ضعفَها في الميراث في كثيرٍ من الحالات وأنّ الولدَ يُنسَب لأبيه وأنه يتزوّج أربعةً من النساء ويتسرَّى بالجواري وأنّ شهادةَ امرأتين تعدلُ شهادتَه وغير ذلك كثير. وقد روى الإمام أحمد في مسنده أن أم سلمة رضي الله عنها قالت: يا رسول الله، تغزُو الرجال ولا نغزو، ولنا نِصفُ الميراث!! فأنزل الله تعالى: وَلا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ وَاسْأَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ [النساء:32][1]. يقول القرطبي رحمه الله: "ولا يخفى على لبيبٍ فضلُ الرجال على النساء، ولو لم يكُن إلاّ أنّ المرأة خُلِقت من الرّجل فهو أصلُها، وله أن يمنعها من التصرُّف إلا بإذنه"[2].

غيرَ أنَّ هذا الاختصاصَ والتفضيلَ ـ عبادَ الله ـ لا يعني ازدراءَ المرأة ولا إقامةَ العنصريّة ضدَّها، ولا يعني ذلك بداهةً أن يكون كلُّ رجُلٍ أفضلَ من كلِّ امرأة، فإنّ القاعدةَ المقرّرَة أن تفضيلَ الشيء لا يلزم منه إهانةُ المفضول أو سقوطه، فالقرآن كلُّه كلامُ الله، ومع ذلك صحّ عند مسلم أنّ النبيَّ ذكر أنّ آيةَ الكرسيّ هي أفضل آية في كتاب الله[3]، والأنبياءُ والرسُل يفضُل بعضهم بعضًا كما قال تعالى: وَلَقَدْ فَضَّلْنَا بَعْضَ النَّبِيِّينَ عَلَى بَعْضٍ [الإسراء:55]، ولا يعني ذلك البتَّةَ انتقاصَ المفضول من الآيات والأنبياء والرسُل.

وبعد: عبادَ الله، فإننا مع هذا التفضيل المذكور آنفًا لنؤكِّد بالدليلِ الشرعيّ أنّ النساءَ شقائق الرجال، وأنهم والرجالَ في العقائدِ والأخلاق سواء، وأنهم سواء في استحقاقِ الثواب والعقاب في مقابل تعاليمِ الإسلام سلبًا وإيجابًا. كما أنّ الزعمَ بأنّ الذكورةَ تقدِّم صاحبَها في الميزان وأنّ الأنوثة تؤخِّر صاحبتَها ليُعدّ لونًا من ألوان الافتراءِ والظلم، فالله جل وعلا يقول: إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ [الحجرات:13]. بل إنّ الواقع ليشهد أنّ المرأة قد تفوق كثيرًا من الرجال كما كان لأمّهاتِ المؤمنين ومَن بعدهنّ، فالذكورة والأنوثة ليست هي مقامَ الميزان يوم القيامة، فكما أنّ تأنيثَ الشمس لم يكن عَيبًا لها، فكذلك تذكير الهلالِ لم يكن فخرًا له، وفي المثل المطروق: أنثى الأسَد في غابها خيرٌ وأقوى من الدّيك بين دجاجِه.

وأمّا الأصلُ العامّ في النظرة والقاعدةُ المجمَلة في هذه القضية فهي قولُه تعالى: الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ [النساء:34].

هذا وصلُّوا ـ رحمكم الله ـ على خيرِ البريّة وأزكى البشريّة محمّد بن عبد الله بن عبد المطلب، فقد أمركم الله بذلك بقوله: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا [الأحزاب:56].

اللهمّ صلِّ على محمّد وعلى آل محمّد كما صلّيت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد...

مهتم غير متصل