وعن أبي سعيد الخدري ـ رضي الله عنه ـ أن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال :" إيَّاكُم والجُلُوسَ بالطرُقات " قالوا : يا رسول الله ! ما بُدّ لنا من مجالسنا نتحدث فيها ، فقال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم :" إن أبيتُم فأعطوا الطريق حقه " قالوا : وما حق الطريق يا رسول الله ؟ قال :" غَضُّ البصر ، وكفُّ الأذى ، وردُّ السلام ، والأمرُ بالمعروف ، والنهي عن المنكر ، وإرشاد السبيل ، وتُغيثُوا الملهُوفَ ، وتُهدُوا الضَّال "
وإنما دين كلُّ امرئ على دين جليسه ، وأخلاقه على خلق خدنه وأنيسه ، وإنما آفاتنا من جلسائنا !
فعن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال :" الرَّجُلُ على دين خليله ، فلينظر أحَدُكم من يخالِلُ "
وعن أبي سعيد الخدري ـ رضي الله عنه ـ عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال :" لا تُصاحب إلاَّ مؤمناً ، ولا يأكل طعامكَ إلا تَقيٌّ "
ب ـ 9 ـ ضياع الإجازة بالانشغال بالدنيا عن الدين :
فلا تراه يحضر محاضرة ، ولا تسمع به يجلس مجالساً للذكر ، ولا يعود مريضاً ، ولا يصل رحماً ، و لا يبادر لطاعة ، وإنما همه الأموال ، يجمعها ليمنعها ، وشغله العقارات والعمائر والقصور ، يبنيها ليفاخر بها ، واسال مكاتب العقار عنهم ، فلديها الخبر اليقين عن أناس لا همَّ لهم إلا دنياهم ، ولا شغل لهم إلا الحديث عن أموالهم وممتلكاتهم .
قال تعالى :[ ألهاكم التكاثر * حتى زرتم المقابر * كلا سوف تعلمون ]
وإنما الأمر أعجل من لمح البصر !
فعن عبد الله بن عمرو ـ رضي الله عنهما ـ قال : مرَّ بي رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وأنا أُطيِّنُ حائطاً لي ! أنا ، وأمي ، فقال :" ما هذا يا عبد الله " ؟
فقلتُ : يا رسول الله ! شيء أصلحه ، فقال :" الأمرُ أسرعُ من ذاكَ "
وعن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ قال : مرَّ النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ على قبر دفن حديثاً ، فقال :" ركعتانِ خفيفتان مما تحقرون وتنفلون يزيدهما هذا ـ يشير إلى قبر ـ في عمله أحبُّ إليه من بقية دنياكم "
ومن اشتغل بربه وجعله همه ، كفاه الله كلَّ الهموم ، وأغناه وأقناه !
عن معقل بن يسار ـ رضي الله عنه ـ قال : قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم :" يقولُ ربُّكم : يا ابن آدمَ ! تفرَّغ لعبادتي ؛ أملأ قلبَكَ غنىً ، وأملأ يَديكَ رزقاً ، يا ابن آدم ! لا تُباعِد مِنِّي ؛ أملأ قلبك فقراً ، وأملأ يديك شُغلاً "
وستقضي الإجازة ـ وكذلك الحياة ! ـ دون أن يُدرك منها مأربه أو يشبع منها نهمته ، فالفقر في القلب ، ليس الفقر في الجيب .
فعن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ قال : قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم :" ليسَ الغِنى عن كثرةِ العَرضِ ، ولكنَّ الغنى غِنَى النَّفسِ "
ب ـ 10 ـ ضياع الإجازة باللعب بالحيوانات ورحلات الصيد :
ابتلي بعض الناس بحبِّ الصيد للحيوانات البرية أو بهواية تربية الحيوانات المستأنسة و المستوحشة وغيرها ، ولا بأس بذلك إذا كان في حدود المعقول والمقبول ، ولكن أن تصبح الهواية غاية ، فتُشغل الأوقات بهذه الهوايات إلى درجة هدر الأوقات ، وضياع الأعمار ، وانشغال القلب والعقل بها وبتوابعها ، فهذا ما نحذِّر منه وننهى عنه .
فعن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ قال : أن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ رأى رجلاً يتبع حمامة ، فقال :" شيطان يتبَعُ شيطانة "
ومن تتبَّع الصيد غفل عن الطاعة والذكر ، ومن استرسل معه ضاع عمره وفني زمانه في غير نفع .
فعن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ قال : قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم :" مَن سكنَ الباديةَ جفا ، ومن اتَّبَعَ الصَّيدَ غَفَلَ ، ومن أتى أبوابَ السُّلطانِ افتَتَن "
ـ ضياع الأعمار في متابعة الرياضة :
لقد أصبح الهوس الرياضي والجنون التشجيعي سِمةً بارزة لبعض المهتمين بالرياضة والعاشقين لها والمتفانين فيها .
وإنَّك لترى عجباً من بعض المشجعين للكره ، كيف استحوذت على قلوبهم ، وسيطرت على مشاعرهم ، واستغرقت أوقاتهم ، وتحكمت في طموحاتهم وأحلامهم ، وغلبت على آمالهم وآلامهم ، وأصبحت مبعث غمومهم وهمومهم ، وفرحهم وترحهم ، ومصدر ولائهم و برائهم .
فلا تكاد تراهم إلاَّ لاعبين بها ، أو متحدِّثين عنها ، أو ناظرين فيها ، أو قارئين لأخبارها باحثين عن أسرارها ، وإذا ناموا حلموا بها !
قال تعالى :[ أفحسبتم أنما خلقناكم عبثاً وأنكم إلينا لا ترجعون * فتعالى الله الملك الحق لا إله إلا هو رب العرش الكريم ]
ـ اللعب في الإنترنت :
الوقت وعاء العمر وإناء الحياة ، وهو أغلى من الدراهم والدنانير ، وخسارته من أغبن الخسارات ، فهو زمن الوجود في هذا الوجود .
فعن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ قال : قال النبي ـ صلى الله عليه وسلم :" نِعمتانِ مغبونٌ فيهما كثيرٌ من الناس ؛ الصحَّةُ ، والفراغُ "
وقد بُلينا بمن يتفنن في تضييع وقته الثمين ، ويبدع في وسائل إهداره ، ويبرع في أساليب تضييعه ، كحال أولئك الذين يمضون الساعات الطوال ، وهم عاكفون على الشبكة العنكبوتية [ الإنترنت ] وهم يتقلَّبون بين الصفحات والمواقع يدفعهم الفضول لاختراق الممنوع ، والبحث عن كلِّ مثير ، فيقعون في شراك هذه الشبكة المليئة بالفتن في دينهم والمضيعة لثمرة أعمارهم دون حدود أو قيود .
وكم سمعنا عن صالحين غدوا طالحين ، ومستقيمين أصبحوا منتكسين ، متأثرين بما رأوا وسمعوا وقرءوا في تلك المواقع المشبوهة !
فما بالك بمن هم دونهم في العلم والخشية والدين ؟!
إنَّ بعضاً من الناس يجلس مع هذه الشبكة العنكبوتية بالساعات في كلِّ يوم مضيعاً لوقته ومفرِّطاً في مصالحه ، مستغلاً هذه الإجازة الصيفية في البقاء أطول وقتٍ ممكن يعرض المِلل والنِّحَل والشهوات والشبهات على قلبه وعقله !
فمِن أين لنا بالسلامة من الندامة لمن ضاعت لياليه وأيامه وهو يرى الفتن أمامه ؟!
ولست أمنع من ينتفع بها أو ينفع بها دينه وأمته أن يستفيد منها بالضوابط الشرعية من غض البصر وحفظ السمع وضبط الوقت وعدم الاستسلام للفضول الذي يدفع المتابع لما لا تُحمد عقباه عند من رقَّ دينه وقلَّ يقينه ، وأصبح إيمانه أوهى من بيوت العنكبوت !!
ـ وماذا بعد ؟!
إنَّ في الحلال غُنية عن الحرام ، وفي المسموح كفاية عن الممنوع ، وفي المباح فسحة ، فقد بعث الله نبينا ـ صلى الله عليه وسلم ـ بالحنفية السمحة .
فعن عائشة ـ رضي الله عنها ـ قالت : قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم :" لتعلم يهود أن في ديننا فسحة "
نقول هذا لمن يتسأل : وما البديل ؟
لنقول له : إن الحرام محدود ، والممنوع معدود ، والمباح كثير لا يجمعه جامع ، فالواجب المتحتم على كل مسلم أن يعلم أنه مأمور بأن يكون عبداً لله ، طائعاً له ، منقاداً لأمره ، مستسكاً بشرعه ، مستسلماً لحكمه طيلة أيَّام عمره .
فعن أنس ـ رضي الله عنه ـ قال : قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم :" افعلُوا الخيرَ دَهركم .."
والمؤمن طيِّب كالنحلة مثمر كالنخلة ، لا تراه إلاَّ على خير ، ولا تبصره إلاَّ على طاعة في كلِّ ساعة .
فعن عبد الله بن عمرو ـ رضي الله عنهما ـ قال : قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم :" مثل المؤمن مثل النحلة ، لا تأكل إلا طيباً ، ولا تضع إلا طيباً "
فإياَّك .. إيَّاك ومعصية مولاك !
فعن أنس بن مالك ـ رضي الله عنه ـ قال : قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم :" إياك وكل ما يعتذر منه " !
حماك مولاك من أسباب الغواية والهلاك ، والحمد لله رب العالمين .
__________________
يــــارب يــــارب يــــارب
اشـفـي والـدتـي عـاجـلاً غـيـر آجـل
|