الوطن والمواطن هما ضحية الصراع المفتعل !!
من نافلة القول ،
أن الدين الإسلامي الحنيف قد حض على الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر ،
مصداقاً لقوله الله تعالى ..
( كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللّهِ ) الآية ،
و( يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ ) الآية ،
ومن القراءة التحليلية المتعمقة لجوهر هذه التعليمات ، والتوجيهات الربانية ،
يتبين ، بجلاء ، أنه في الآية الأولى ، قرن المولى عز وجل ، الأمر بالمعروف ، والنهي عن المنكر ،
مع الإيمان بالله ، وفي الآية الثانية ، كان الاقتران ، مع الصلاة والزكاة ومع طاعة الله ورسوله.
وهذا مما يدل على عظمة الأمر بالمعروف ، والنهي عن المنكر ، في الإسلام ،
باعتبارهما من أسباب الرفعة والخير للأمة ، أن هي مارست العمل بتلك التوجيهات ،
بشكل حقيقي ، وعلى أصوله المبينة ، وبعيداً عن المظهرية ، والتزمت ،
وفقه الأولويات ، وفق حاجات الأمة الملحة . ولنا بخبرة القرون عدة شواهد وعبر ،
علماً أن الأمر بالمعروف دائماً ما يأتي مع النهي عن المنكر ، وملاصقاً له ، دون انفصال ، ويطلقا بصورة عمومية ، جامعة شاملة ، على كل معروف ، وعلى كل منكر ، دون حصره ، على سلوكيات بعينها ،
أو انتقائية منها ، فلم يقيدا بمعروف خاص ، ولا بمنكر معين ، وفق ما ثابت قطعياً .
من زاوية أخرى ، اقترنت المجادلة والدعوة ، بالحكمة ، والموعظة الحسنة ، لتحقيق الغايات العليا المبتغاة من هذه التوجيهات الربانية السامية ، ولتعميم المقاصد ، والفوائد المرجوة ، لما فيه خير الدين والعباد ، على حد سواء .
وفى ضوء ذلك ، وعلى هديه ، ومن هذا المنطلق ، تتولد التساؤلات الرئيسة ، وطبقاً لواقع الممارسة العملية ، بين القائمين على تجسيد ذلك ، رغم الجدل المثار، لماذا يحرص المبادرون دائماً بالنهي
عن أمور تبدو ، ثانوية ، بالمقارنة لقضايا جوهرية تتطلبها حاجة الأمة ، ورقيها ، في عصر التحديات الصعبة ، مثل التركيز على النهى عن إطالة الثياب ، وعن حلق اللحى ، وعن الغيبة والنميمة ، واقتصار الأمر فى المسارعة للنصح بالتقشف ، والصبر على المحن ، والحث على البر وصلة الأرحام ، وصيام التطوع ، بينما يتم تعمد تغيب المنكرات التي تعصف بالوطن والمواطن ، كسرقة ونهب المال العام ، وتبديده ، واحتكار السلطة وتركيزها فى قبضة شريحة محددة ، والاستيلاء على الأراضي بغير وجه حق .
وهل يتساوى فى الأهمية من يطبع كتب فضل الاستغفار ، عن طباعة منشورات النهي عن الاستكبار ؟ وأين من يخوف ويرهب العاصي بعذاب القبر، عن فضح فساد وستر ما بالقصر ، في حالة السلطان الجائر المستبد ؟
آلا يعلم هؤلاء أن المنكر العام ، بما يترتب عليه من أضرار، وويلات ، هو بحكم التعريف ، أشد ألماً ، وقسوة ، من المنكر الخاص !!
ومما له صلة ، أليس المنكر المدني كـ( ظلم السجون ووحشتها ، خاصة فى حالات مصادرة الحرية بدون وجه حق ، ودون تهمة وتحقيق وشروط المحاكمة العادلة ، وتبديد ثروة الوطن فى غير منافع كافة العباد ، واحتكار المناصب ، وشيوع مظاهر الاستعباد ، وغيرها كثير ) أعظم أهمية في اللحظة الراهنة ، من الاقتصار على المعصية الروحية التي يدندنون بها كـ( السفر بلا محرم ، والجدل حول سماع الأغاني والموسيقى ، وغيرها من الأمور والقضايا الثانوية ) .
ولا يملك الغيور على الدين والوطن ، سوى ترديد : يا للعجب ..
يأمرون الناس بالبعد عن الشبهات ، ويتركون الواضحات الساطعات !!؛
أوليس الإسلام قد أمر بالعدل ، والحق ، والمساواة ، ووجوب مراعاة مصالح الرعية ،
كما أمر بالصلاة ، والزكاة ، والصوم ، وبقية الفرائض الواجبة ؟
ألم يحث على صدق الكلمة ، كما حث على الإخلاص بالنية ؟
ولنا في مقولة الفاروق العادل ، الخليفة ، عمر بن الخطاب ،
" لو أن شاة بالعراق تعثرت .. لخشيت لما لم أسوى لها الطريق " أسوة حسنة ، فما بالك بالعباد !!
وأين هم من قول الرسول صلى الله عليه و سلم :
( أفضل الجهاد كلمة حقّ عند سلطان جائر )
لذلك لا يمل ، ولا يكل ، الغيورون على مصلحة الوطن والمواطن ، من الصراخ بأعلى الصوت :
يا من تأمرون بالدعاء الروحي ، لا تنسوا التضحية المدنية ،
كالمطالبة بالحقوق السياسية والمدنية والاجتماعية والاقتصادية ،
ويا من تنهون عن الفتن ، لا تغفلوا سرقة الوطن ؛
ومرة أخرى وليست أخيرة : أين الآمرين بالمعروف ، والناهين عن المنكر ،
والمتشدقون بالإصلاح ، من كتاب أعمدة الصحف ، وكتاب الطوارئ ، ومثقفي الوطن ..
عن هموم المواطن المنهك من المرض ، والعاجز عن إيجاد فرصة عمل تكفيه مذلة السؤال ، ناهيك عن غياب الحرية ، وانتهاك الكرامة ، بكافة صورها وتلاوينها ..
لماذا لا نجد لهم صوتاً ولا حراكاً ؟
أم الكلام والثرثرة فقط بالتي يسمح بها الرقيب ،
من سينما وجدل حول قيادة المرآة للسيارة ، وكشف الوجه ، وكأن البلد لا ينقصه شيء ، سوا تلك القضايا !!
لماذا لا يكتبون ، ولا يتحدثون ، عن بلد تتفشى فيه وباء المحسوبية ، وتموج به سفينة الفساد ، والاستبداد ،
ويعاني فيه شبابه البطالة ، والمخدرات ، والسجون المظلمة القاتمة ،
أم أن طرف منهم أتعبه التأصيل للمسح على الخفين ، ووصف الحور العين ، وفضل بناء المساجد ،
ويتم غض الطرف من يقفون على أبواب هذه المساجد يطلبون صدقة ويتسولون قوت يومهم !!،
بينما على الضفة المقابلة ، الطرف الآخر أضناه السهر من البحث في مشروعية الاختلاط ، والتبرج ، والسفور،
بحيث يدور التخوف من أن هدفهم يقتصر فقط على تشتيت الفرد ،
وجعل قضيته هشة هامشية لاتغني ولا تسمن من جوع .
ألا يتخوفون أن ينطبق عليهم قوله تعالى :
( كَانُوا لا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ ) .
والحقيقة أن الأمر بالمعروف والنهي ، عن المنكر ، واجب دينى ، ليس قاصراً على العلماء والدعاة وطلبة العلم ، فالعامة من أهل الدين الحنيف لها حق الأمر بالمعروف ، والنهي عن المنكر ، خاصة فيما هو معلوم من الدين بالضرورة ، مما لا يُعذر بجهله ، وعلى كل واحد وهو يأمر بالمعروف ، وينهى عن المنكر ،أن يصبر على ما يصيبه في سبيل الله ، قال تعالى:" يا بني أقم الصلاة وأمر بالمعروف وانه عن المنكر واصبر على ما أصابك إن ذلك من عزم الأمور" . صدق الله العظيم .
شعار المرحلة ...(( نفط ومال وقلة حال ))
|