سلام عليكم ورحمة الله وبركاته
(14)
هرب عادل من المنزل فور خروج أبيه وذلك بمساعدة أخيه فهد
كانت الساعة التاسعة والنصف من يوم الخميس
أحس أن الأوراق التي كتبها إلى والده وسلمها فهد قد نفست بعض مكنونات نفسه
التي حشرجت في صدره ذلك اليوم
خرج من المنزل أوهرب وأحس أنه لأول مرة يخرج للدنيا
نعم لم تكن المرة الأولى التي يخرج فيها من المنزل ولكن خروج اليوم يختلف عن كل خروج
إنه خروج من كسر القيود
إنه خروج الحرية والإنطلاق.
أحس بنشوة الانتصار لما طاف بخياله شكل أبيه وهويقرأ الأوراق
ابتسم ابتسامة المتعب الذي يسرق الابتسامة من فمه رغماً عن المضض الذي يقاسي.
(15)
أوقف السيارة قريباً من منزلهم القديم في الحارة العتيقة
لايدري لماذا ساقته رجلاه إلى هناك
كانت الساعة الحادية عشرة
والحارة شبه خاليه ،أحس برغبة في التجول راجلاً
مضى يمشي ويتذكر الأيام الخوالي تذكر أيام الطفولة عندما كان في العاشرة من عمره
تذكر...حلاوة الطفولة
تذكر ...أيام البراءة...أحلى أيام العمر
فجاءة...
لمح طيف شخص يمشي من بعيد وصار الطيف يتقرب قليلاً قليلاً
حتى تبين له الرجل وعرفه
إنه أبوتوفيق... أحد عرابجة الحارة القديرين...
عادل: أبوتوفيق هلا والله وغلا
أبو توفيق: من عادل لالالا اكيد أنت جني تلعب علي بسم الله الرحمن الرحيم يمه
= الله يقطع سوالفك ماتخلي التنكيت أبد...
وبعد عناق بارد قال أبو توفيق:
=هه أبو عدول وين الناس ماتقل عيال حارة وحدة الله يقلع أبو الدنيا ياشيخ اللي تغير الناس.
= وش نسوي أشغال والقطاعة طبع والتقصير وارد
= على العموم ما عندي أحد أقلط خن ناخذ فنجال شاهي ع الماشي.
= لا الله يطول عمرك مرة ثانية
وبعد إصرار من أبي توفيق وأخذ وجذب وافق عادل على تناول الشاي عند أبي توفيق
وتجر الأحاديث بعضها البعض ويروي عادل لأبي توفيق مادار بينه وبين أبيه بعد أن أظهر الدور البطولي لردوده على أبيه والتي كادت أن تنتهي بعادل إلى أن يبطش بأبيه لولا الخوف من الله .
= يعني ما كو رجعة للبيت
= ارجع للبيت والله ياهو
= طيب وين تنام وين تاكل
= يحلها الكريم
التمعت عينا أبا توفيق واطرق برأسه الذي د ارت فيه فكرة شيطانية ...
= أبو عدول معليش مضطر أستأذن لأني تذكرت شغل مهم
أحس عادل بالحرج...
= لا وش دعوى خذ راحتك عاد أنا من حيني أباستأذن
= الله يحييك بس الغدا عندي باكر
= الله يخليك مرة ثانية
وقام عادل وخرج من المجلس متجهاً إلى الباب الخارجي ...
= عادل الظاهر ما معك سيارة
= لامعي بس ملبقه عند أول الحارة
= طيب أوصلك لمه
= لا... ودي أتمشى
= أما عاد ...والله يا نا أبخليك تمشي يالله أركب بس
= ما ودي أكلفك
= ماهنا كلافة
ولما وصلا سيارة عادل وهم عادل بالنزول قال أبو توفيق:
عادل السراحة العيال كاشتين والاستراحة مابه أحد والشغل اللي عندي دش الاستراحة يبي لوه تعديل عقب عجة أمس ويمكن أنام هناك ورا ماتخاوين وبوه فلم على كيف كيفك بالموفزستار نبي على ما قال نركب معه وننام لما يصقعنا الظهر ها وش رأيك ... تدري صك الباب من شاور ما عطى
وبالفعل حرك السيارة وباب الراكب لم يقفل بعد...
= السيارة يابو توفيق ...
= ما عليه يارجال
وبعد فترة صمت قصيرة قال أبو توفيق:
= هالشيبان ودك تشربه سطل بوية منتهية مدتها
= يارجال خله على الله...
(16)
أنجز أبو توفيق العمل المزعوم وأخذ مكانه من المجلس وصب الشاي في الكوب الورقي إلى منتصفه ورشف رشفة عميقة وقال وهو ينظر إلى الشاشة :
عادل ورا ما تدخل معنا بالشلة والاستراحه ... وناسة وطرب وفلة حجاج...
= ما يخالف بس تهقى العيال يطيعون
= أفا عليك خل الموضوع علي وانا أدبروه
= طيب القطيه أنا رجال تعرف داج بعد تركة البيت
= خل كل شي علي...هالشهر انت ضيف وأنا أبهك على العيال هكه ماراحت ولاجت بس اتكل
(17)
إنضم عادل إلى الشلة بعد أن استطاع أبو توفيق إقناع (الزعيم) كما كان يحب أن يسمي نفسه... أو (البطة) كما يطلق عليه داخل الشلة ،لأنه الوحيد المعارض لكل شيء وأي شيء من باب خالف تعرف ...
وكان السر وراء حرص أبي توفيق على اقناع الجميع حتى (البطة)اللي ما يسوى (ذرق بشه) على حد تعبير سليم الدقمه...هو الحساسية المفرطة من قبل عادل لو رأى أي نفور من شباب الاستراحة مما قد يجعله يتخلى عن الحوش سريعاً.
(18)
كان أبو توفيق وعادل ينظفان برميل المندي استعداداً لتسقيط التيس المنتظر...
فدخل عليهم بعض أفراد الشلة واختلطت الأصوات بالتحية والسلام وبعد المصافحة الروتينيه ...
قال أبو توفيق :
وراكم انكبيتو كلكم مو بالعادة يعني أو ذا كلوه شفاحه أيكم اللي يشوف أبو عدول الأول ...
فهد:
شرفتنا ابو عدول كيف الحال...
عادل:
الله يخليك وشلونك...
مال أبو توفيق برأسه إلى عادل قائلاً:
حنا بلاستراحة ثلاثطعش أربعة مانتب شايفهم الحين لأنهم باجازة دون مرتب ...
قال عادل باستغراب:
اجازة بدون مرتب...
وزاد من غرابة الخبر الضحكات التي أطلقها أفراد الشلة ...
والذين زبرهم أبو توفيق بنظرة حادة دفعها بكم لابأس به من اللعنات قائلاً:
عساكم تلحقونهم يا عيال الكلفس ...
همس أبو توفيق في أذن عادل بعد أن أخذت الشلة مكانها من الجلوس:
أبوعدول أعرفك على شلة (أبو طقطق فك الله أسره على قولة المطاوعة حقيننا):
البطة : يشتغل بمصلحة الصرف الصحي بس بدون المياه قسم تسليك بلاعات هنود
سليم الدقمه: يشتغل بالمطافي الحين هو متقاعد بعد خدمة دامت شهرين لأنه مايدوم إلا الساع سبع بعد صلاة الظهر علشان كذا قالوا داوم عند أميمك يا وليدي...
حوحه: وإلا تدري نطه بس بلا مهازل
أبو حسن: هذا المحترم الوحيد في الشلة ولا أعيره.
فهد: هذا المثقف حقنا علشان النظارات بس وإلا ما معه إلا سادس (ط) إلا النصف الثاني علشانه فصل بالنصف الأول.
لا لا لا لا هذا عاد مانب معلمك منهو هذا مفاجأة حفلنا الليلة...
فجأة صرخ سليم الدقمه:
هلا والله عادل أسفرت وأنورت وأمطرت وأفطرت ... بس إنه ما تغدت المسكينه تعرف عندها سكر وملح... والشاهي ما بعد جبناه من البقالة... كبست الجوازات على البقالة بدون كشنه ...ههههههاي ...وضفت أبو هنود ودرعموا لم الجوازات وإلا الجمارك إنس انك بتطلع منه لأن الحفره قعيرة مرررررة بالحيل والحيل لامنه انشد انقطع لأن السير مرتخي لامنك شديته مع الحبل صار...
صرخ البطة:
وجع وجع وجع بلا بشكلك بديت تمون من اوله ...
سليم الدقمه :
وراه يا خوي خن نستانس ونشبك مع الرجال يا معقد...
حوحه:
هههههههاي ...احلق إبطي إن كانه يعرف معنى معقد...
أبو توفيق:
خلو اللعب أرضي لاتفشلوننا من أوله...إلا وراء أبوطبه تأخر
فهد:
الرجالات عليه اليوم لا يصير مكفوش بس ...
أبو حسن:
لو يمسك والله إن نروح بخرخر تحسبونه مثل أبو طقطق والشباب والله إن يجيب خبر جدتي بالدعيسة وعيال خالة أمه اللي بالرس من القهر...
همس عادل في أذن أبو توفيق :
وشو هالهرج و الالغاز
أبو توفيق :
لا تهتم يقصدون التيس ...
(19)
همس عادل في أذن أبي توفيق :
إلا ما قلتلي منهو هذا مفاجأة الليلة ما علمتن بأسمه ؟؟
= إيه هذا أبو زقم صاحب العود الرنان يمكن سمعت له أشرطة وإلا شي...
= إيه بس بس ...الله من مرة ومرة هقنا عنده خرق الديك...
= منهوخرق الديك...
= لا هذا واحد من شلة الجامعة...
= اطلعلي في العلالي ياجامعة يا شيخ...
هتف أبو توفيق في الجميع وركز نظره على أبو زقم :
وش رأيكم نبدأ... شكل الرجال يبي يتأخر وأبو عدول وده يسمع عود على الطبيعة...
إخلتطت أصوات الجميع مطالبة أبا زقم بالعزف
أخذ العود وبدأ يدندن عليه وقال بصوت أجش قبيح :
هاه وش تبون عيسى وإلا فهد
سليم الدقمه:
أنا أبي باسكال ...أولاه بس...أدوخ بس ...أتنثر بس
أبو توفيق:
عيسى عيسى عيسى...
قالها على طريقة مشجعي النوادي في المدرجات
حوحه:
أبي عيسى وإلا أبزغل
أبو حسن:
في الحقيقة والواقع والتيس الطاقع...أنا أبي عيسى
فهد:
لا فهد السعيد تكفى طلبه...سميي أولاه
البطة:
أنا صارور ...أنت وش تبي أنا...أنت صارور...
أبو توفيق :
شكل أبوطبه قرب... البطه يرفع قبل يجن الرجلات بعشرا كيلو
أبو زقم:
طيب طيب صجيتونا أكثركم يبي عيسى وأكيد أبو عدول يبي عيسى بعد...صح أبوعدول
عادل :
ماشي أي شي منك حلو...
مال أبو توفيق على عادل حتى شم أنفاسه وهمس بصوت خفيض:
اطلعلي في العلالي يا حلو أنت...
مص أبو زقم مؤخرة سيجارته حتى جحظت عيناه ثم فركها في صحن معدني أمامه وقال:
تشكر أبو عدول ...أبعطيكم على طلبكم أغنية عيسى...وإلا تدرون أبو حمد ما يفوت ...
وبالفعل بدأ يترنم :
وافيت قبل أمس بالديرة عجوز...
إلا أن أبو توفيق هجم عليه وصرخ فيه بحنق وغيض:
الله ( ...) والديك يا ابن (...) كل مرة تشاورنا ولا تاخذ قولنا يابن (...)
ثم رفع يده عالياً ليهوي بها على رقبة أبي زقم والذي انكمش كالفأر المذعور
تمكن عادل في الوقت المناسب من الإمساك بيد أبي توفيق وجرهِ للخلف:
أعصابك يا ابو توفيق ما تستاهل المسألة كل ذا وبعدين ملك العود أبو حمد ما يفوت...
التفت أبو توفيق وقال بإبتسامة غريبه بعد أن هدأ غضبه:
اطلعلي في العلالي يا أعصاب ...علشانك يا غالي بس
وبعد دقائق هدأ فيها الوضع واستعاد أبو زقم نفسه وهدوئه وأنفاسه
بدأ يدندن على عوده والجميع يتمايل طرباً مع عزفه دون صوته:
وافيت قبل أمس في الديرة عجوز
عليها واشكالها اللعنة تجوز
ما تقرب أمر خطير إلا تفوز
همها في العمر تحليل الحرام
....
(20)
اطل مع الباب شخص يلبس (تكميله رياضية) بشكل ينم عن ذوق رقيع جداً...
وقال بصوت عالي:
ثلام ثله...التيث حضر ثباب...
(21)
قام أبو توفيق وغاب مع هذا الشخص الذي أطل عليهم بصورة قبيحة...
عاد أبو توفيق بعد قليل من الوقت وجلس في مكانه وقال لعادل بصوت غير مسموع :
= شف ترى الشله يبي يرفعون بعد شوي...
= وشلون يرفعون
= يبي يطينونه يبي يشربون( رنجى) يعني وطني عرق عبد ، هماك تقولي ان لك خبرة بهالامور...الزبدة والله لو تمد ايدك على كاس إني لاقطع براطمك ...وان قالوا اشرب قل بعدين سمعت...
أطرق عادل برأسه وأحس بندم شديد وذعر أشد...
(22)
انتبه على ضحكات الشله العالية وشاهد أنظارهم و أصابعهم قد توجهت نحو الباب،والذي جعله يلتفت بدوره نحوه ،فهاله منظر لم يره في حياته غيره هذه المرة...
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـ
وللحكاية بقية
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـ
حبي وتقديري
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
__________________
إهداء من الغالي المبدع باسل عبد العزيز حفظه الله
آخر من قام بالتعديل جدس البأس; بتاريخ 09-08-2004 الساعة 03:18 PM.
|