.
.
الــوَرَقَـةُ الأَخِيــرَة .!
تَذْكير : قَالَ اللهُ فِي كِتَابِهِ : [اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ ]
***
لَمْ تَذُقْ عَيني لَذَّةَ النَّومِ مُنْذُ أَيَّامٍ عِدَّة ، رُبَّمَا تَنَامُ الطّيورُ وَتُصْبِحُ وَأنَا أَسْنِدٌ رَأسيَ عَلى جِدَارِ غُرْفَتيْ وَ مُطِلٌّ عَلى النَّافِذَةْ ، شَيءٌ يُزَاحِمُني بَيْنَ تَفْكيرٍ وَ قَلقٍ وَتَحسُّرٌ وَطيٌّ سِجِلَّ مَاضٍ مَع سَرَحَانِ فِي زَمَنٍ مَاضٍ هَجَرْتُهُ .. سَاعَاتٌ تَمُرُّ بِلَحْظَةٍ وَاحِدَة ، وَطَرْفَةُ عَيْنٍ تَقْطَعُ مِنْ اليَوْمِ نِصْفَه ، شَيءٌ مَا يُوقِظُ الحِسَّ المَيَّتِ لَعَلَّي أَتَعَوَّذُ مِنْ الشّيْطَانِ وَأَتَوَضَأ لأَطْرُدَهُـ ..!
اليَوْمَ وَغَدَاً ، وَكُلُّ حُلْمٍ بَنيْتُهُ ، بِحَرَكَاتٍ لا إرَاديَّةٍ أَلتَفِتُ لأهْدِمُه ،لَسْتُ بِحَاجَةٍ لِبِنَائِهِ فَالعُمْر قَصيرٌ وَلا وَقْتَ لأفَكِّرَ بِمُسْتَقْبَلٍ وَ أُخَطِّطُهُ ..!
فَأُعَاوِدُ الكَرَّةَ أَحْلُمُ وَأحْلُمْ ، حَتَّى يَشق النَّورَ بَطْن الظَّلامِ الدَّامِسِ ، لأتَوَشَّح سِلاَحيَ وَ أقْتُلَهُ ..!
مَنْ سَيَأخُذُ مِنَّا أَرْوَاحَنَا وَيُهْدِينَا الرَّاحَة ، وَيَبْني لَنَا الدُّنيَا بِقُلوبٍ حَانيَة ؟!
تَغيبُ الدُّنيَا وَتَرْحَلُ أَرْوَاحُنَا فِيْ كُلِّ لَيْلَة ، وَتَطُولُ أَنْفَاسُنَا بِمَرْكَبٍ يُنْعِشُ الأفِئِدَةْ .!!
في اليَوْمِ نَقْضيِ سَاعَات بِلَحْظَةٍ قَصيِرَة ، وَفي اللَّيلِ تَمُرُّ اللَّحظَاتُ عَصيبَة ..!
تَغيبُ شَمْسُ حَيَاتِنَا كُلَّمَا غَابَتْ عَنَّا عُيونُ أَحْبَابِنَا ، وَنُحِسُّ بِغُرْبَةِ دُنْيَانَا وَكأنَّنَا حَمْلَنَاهَا عَلى الأكْتَافِ جثَّة هَامِدَة ..!
كَثيرَاً هُم مَنْ وَدَّعنَاهُم وَالقُلوبُ حَزيَنة ، وَآخَرينَ فَقَدْنَاهُم بِطَرْفَةٍ للعَيْنِ خَاطِفَة ..!
أَيْنَ سَتَضَعنَا الأَمْواجُ وَعِنْدَ أيِّ الشَّوَاطِئُ سَنَجِدُ أَرْوَاحُنَا مُتَعانِقَة ..!
رُبَّما سَقَطَتْ مِنَّا أَحْلامُنَا وَ أَعْثَرَتْنَا في طَريقِنَا ، أَو ْتَوَارَتْ آمَالُنَا خَلْفَ رُكَامٍ غَابرٍ يَجْتَاحُنَا ، مَالِنَا حِينمَا نُغْمِضُ أَعْيُنَنَا تَتَوالى الكَوابيسُ عَليْنَا ، وَلو سَكَنَّا في رَحِمِ الهُدوءِ سَنَبْقَى نُحِسُّ بِالضَّجيجِ مِنْ حَوْلِنَا ..!
كَأنَّ أَحَداً يُقَدِّمُ عُمرَهـُ عَلى بَاقَةِ وُرودٍ فَاتِنَةٍ ، لَكِنَّهَا في الحَقيقَةِ بِلا رَائِحَة ..!
لَو الْتَفَتْنَا للأمْسِ لَرَأينَا أسْقُفَهُ مُتَهَالِكَة ، وَدُنيْا خَاويَةٌ وَحَيَاةٌ مَهْجُورَةْ مُوحِشَةْ ، وَلا كَأنَّنَا في يَوْمٍ مِنْ الأيَّامِ عِشْنَا في أَحْضَانِهَا الدَّافِئَةِ وَتَرَعرَعنَا عَلى تُرْبَتِهَا الطَّيبَة ..!
تَأخُذُنَا الذِّكرَى لِنُعيدَ شَريَطَ أيَّامِنَا السَّابِقَة ، وَنَسْرَحُ عَلى شَواطِئِهَا الهَادِئَة ، فَتَمُرُّ عَليْنَا وُجوهـٌ غَائِبَة مِنْهَا الرَّاحِلَةُ والمُغْتَرِبَةُ وَأُخرى تَحْتَ الثَّرى مُتَدَثِّرَة ..!
الأحْلامُ أَحْيَاناً مُزْعِجَة ، وَتَارَةً تَكُونُ كَوابيسٌ مُرْعبَة ، مَنْ تَوسَّدَ حَيَاتَهُ سَتُهَاجِمُه ، وَمَنْ اعْتَزَلَ نَفْسَهُ وَعَاشَ وحْدَتَهُ أَهْلَكَته ..!
أَمْرُ اللهِ أَنْ لا تَكونَ الحَيَاةُ عَلى مَا نُريدْ ، لِتُفَاجِئُ النَّاسَ بِأمْرِهِم فَمِنْهُم صَابِرٌ وَمُحْتَسِبٌ وَآخَرُ في دُنْيَاهـُ شَريدٌ غَريقْ ..!
الحَيَاةُ مَرْكَبٌ مُتَهَالِكٌ وَعَجوزٌ شَمْطَاء ، وَمَا عَلى وَجْهِهَا سِوَى مِنْ زَيْفِ المَسَاحِيقْ ..!
أَيَّتَهُا الأَرْوَاحُ المُؤمِنَة ، طُولُ الأمَلِ يُلْهي عَنْ الآخِرَة ، وَالنُّفوسُ لِمَا عِندَ الله تَوَّاقَةْ ، وَاليَومَ نُولَدُ وَغَدَاً سَنُزَفُّ إلى المَقْبَرَة ، وَمَنْ حَاسَبَ نَفْسَهُ هَانَ عَليْهِ حِسَابُ الآخِرَة ، يَوْمَ تَشيبُ الرَّؤوسُ والقُلوبُ ذَاويَة ، وَكُلُّ أُمٍّ عَنْ مَولودِهَا هَارِبَة ..!
سَيَأتي يَومٌ تَكُونُ فيهِ الشَّمسُ مِنْ الغَرْبِ مُشْرِقَة ، وَتُطْوى الصُّحفُ وَتُغْلَقُ أبوابُ التَّوبَة ، وَتَذْبُلُ النُّفوسُ نَدَماً وَحَسْرَة ، وَأقْوامٌ بِأعْمَالٍ كَالجِبَالِ الشَّاهِقَة ، تُؤْخَذُ حَسَناتُهم وَتُبَدَّلُ الحَسَنَةُ سَيِّئَةْ ..!
يَا أيُّهَا النَّاسُ اعْمَلوا للآخِرَة ، واتَّقوا نَارَاً أَنْتُم وَقُودُهَا والحِجَارَة ، وَلْنَبني لَنَا حَيَاةً آمِنَة ، وَمُجْتمَعاتٍ مُتَرَابِطَةٍ مُتَعاوِنَة ، نَرْفَعُ الشَّرَ وُنُخْرِجُهُ والخَيْرَ نَنْشُرُهُـ ، وَنُسَاعِدُ المحْتَاجَ والحَيْرَانَ نُدِلّهُ ، وَ لا يَنْسَى كُلُّ رَاعٍ رَعيَّته ..!
مَخْرَج : يُذْكَرُ أنَّ الشَّيخ الشَّنقيطي رَحِمَهُ اللهُ قَد قَرَأ قولِهِ تَعالى : [
وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا ] لِيُفَسِّرَهَا ، فَجَلَسَ يَبْكي مِنْ صَلاةِ المَغربِ حَتَّى أُذِّنَ لِصَلاةِ العِشَاء ، فَقَالْ : " لَقَدْ أَصْلَحَ اللهُ الأرْضَ فَأفْسَدَهَا النَّاسُ " أَو كَمَا قَال رَحمَهُ الله ..!
***
مَعْشَرَ الأحِبَّة مِنْ زُوَّارَ وَأعْضَاءَ وَمَنسوبي الإدَارَة .. يَعْلَمُ الله أَنَّ لَكُم مَنْزِلَةً في القَلْبِ كَبيرَة ، وَ مَعْرُوفَاً قَدْ لاحَ في الأُفِقِ خَيْرُهـُ ، فَأنْتُم بَعْدَ اللهِ مَدْرَسَةً عَظيمَةً وَسَيْلاً نَافِعَاً يَنْمو لِلمُجْتمَعَاتِ المُحَافِظَةِ فَشُكْرَاً كَثيرَاً كَثيرَاً ، والشَّكْرُ في حَقِّكُم قَليل ، فَطِبْتُم وَطَابَتْ أَوقَاتُكم ..!
أَخيرَاً .. إِنْ صَوَاب فَمِنْ اللهِ وَإنْ خَطأ فَمِنْ نَفْسي وَالشَّيْطَانِ
دُمْتُم بِحِفْظِ الرَّحْمَنِ وَرِعَايَتِهِ
سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ