
فتحت باب المقبرة ، ومشيت قليلاً .. قليلاً فقط ، حتى وجمَت أطرافي ..
واستثقلت جسمي على السير لتفقد حالهم ، وأحلامهم ، وماذا كانوا ! ..
تقدمت عدت خطوات ، حتى وقفت على بعض النصائب ..
تلك التي توضع على قبورنا عندما نرحل ليزورنا من تذكرنا ..
فنظرت إلى مكانها ، وتذكرت عمق تلك الحفرة التي هو بداخلها ..
وتسائلت ماهو حاله الآن ؟! ، مانعيمه ؟! أيعيش في جنة أم يتقلب في النيران ؟! ..
يا الله !!
أيكون بالأمس يرثع ويلهو ويجري خَلف ملذات الشياطين .. ؟!
ويتبع أهواء نفسه وشهوتها وما تُبعده عن الصراط المستقيم .. ؟!
هل كان يشعر حقيقةً أن مكانه بعد الحياة سيكون بمقدار جسده بطولهِ وعرضهِ .. ؟!
ألم يعلم أن الحياة ماهي إلا كَبَد وتعَب وحُزن ووَجع وصبرٌ وجهدٌ ومشقة .. !
لقد وعده الله فحق وعيده ، حق بالأمر الذي وعده فيه ، فإما جنة وإما نار ..
وقفت بالجهة الأخرى من القبر .. وثنيت رجلي عنده .. وتسائلت مرة أخرى :
أم يكون حاله بمدِ بصرهِ نوراً ورياضاً ونعيماً وربيعاً ..
ليس من نور الدنيا ولا ألوانها ولا ريحها ..
تذكر قول الله تعالى : ( فأما من خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى فإن الجنة هي المأوى ) .
كان يريد أن يعمل معصية ، فخاف من مقام ربه خالقه من يرى مالا نراه ويبصر مالا نبصره تعالى الله ..
ولم يخف فحسب ! .. بل نهى نفسه عن هواها الذي يجرنا إلى ذلك الجحيم ..
والنتيجة أن الجنة أصبحت مأواه ، مستقره ، حياته الأخرى ..
أكان يعلم أن آخر عمره في حفرةٍ يحفها التراب وتسد الرمال والأحجار الصغيرة أنفاسها .. !
نعم كان يعلم .. من أجل هذا يقوم الليل ، ويصلي السنن الرواتب ، ويقرأ ما تيسر من القرآن ..
ويتصدق ، ويعف نفسه عن الحرام ، ولا يغتاب ، ولا ينقاد خلف هوى نفسه وملذات معيشته ..
سنين من عمره مضت ، على روتينِ العبادة ، وكانت النتيجة : ( أدخلوها بسلامٍ آمنين ) ..
قمت .. وأدرت عيني حول تلك الجثث التي بداخل القبور ..
الجثث التي كانت ، والعظام التي أصبحت .. والأحلام التي تبخرت ، وزالت وانتهت ..
من بينهم إخوةً لنا ، وأهلٌ لنا ، وبشر عرفونا ، وملامح عرفناها ..
غداً ! مالذي سيكون ؟
سيأتي آخرين ويقولون : لقد كان هنا وعرفناه سابقاً ..
لقد كان بالصفة التي كانها ، وعاش بالطريقة التي عاشها ..
وسيعيدون الأسئلة التي أعدتها على هذه الجثث ..
دارت الأحاديث والنظر مازال ساكناً حولهم ..
أكملت الدقائق ثم عدت من حيث أتيت ..
أنت .. أفِق ، لقد لعب علينا الشيطان حتى تملكنا ..
وزرع بداخلنا الكِبر حتى أصبحنا لاهين مابين أغنيةٍ وصورة ..
ومابين معصية وأختها ، ومابين غفلةٍ ونسيان ..
ستكون يوماً وحيداً في القبر ..
جميع الذي كانوا يلهون معك ، سيبكون في الأيام الثلاثة فقط ..
ثم يتذكرون ملابسك وأشيائك ، ثم تصبح نسياً منسياً ..
ولكن أعمالك لن تنساك ، الخير لن ينساك ، سيرافقك ليحدد مصيرك ..
أنسيت أن الشيطان إعترف بأنه ... ستعلم ، إقرأ مانحن غافلين عنه :
( وقال الشيطان لما قضي الأمر أن الله وعدكم وعد الحق ووعدتكم فأخلفتكم ماكان لي عليكم من سلطان إلا أن دعوتكم فاستجبتم لي ) فقط استجبنا له عندما لوّح لنا وأغرانا وأغوانا ( فلا تلوموني ولوموا أنفسكم ما أنا بمصرخكم وما أنتم بمصرخي ... ) ما أنا بمغيثكم وما أنتم بمغيثي ، هذه هي الحقيقة ، هذه هي الفاجعة ، أننا نعلم في السر الذي يدور حولنا الآن ونجهله ! لا نجهله بل نتجاهله ..
ستون دقيقة .. بين جثث الموتى
وسيكون قبرك بينهم يوماً ..
ونقول : لقد كان ، وكان ..
د / ماسنجر ..
ربما نسيت شيئاً ..
ولكن الذي لم أنساه أننا سنكون يوماً هناك ..
علّق عليها مباشرة | زوايا
__________________
[POEM="type=1 font="bold large 'Traditional Arabic', Arial, Helvetica, sans-serif""]على مهلك .. ترى ذكراك ماتت = وأغصان الفراق اليوم حيّه
عيوني .. عن لقاك اليوم صامت = وحبّك زال عن دنياي ضيّه[/POEM]
سَلمان
|