الموضوع: الحر والتمر
مشاهدة لمشاركة منفردة
قديم(ـة) 15-07-2010, 04:00 PM   #1
د. صالح التويجري
إمام وخطيب جامع الروّاف
 
تاريخ التسجيل: Sep 2004
البلد: السعودية
المشاركات: 261
الحر والتمر

بسم الله الرحمن الرحيم
خطبة الحر والتمر د. صالح التويجري 4/8/1431هـ
ان الحمد لله
{ إن في خلق السموات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولي الألباب الذين يذكرون الله قياماً وقعوداً وعلى جنوبهم ويتفكرون في خلق السموات والأرض ربنا ماخلقت هذا باطلاً سبحانك فقنا عذاب النار}.
إن المؤمن حقا ً من يجعل كل لحظات حياته عظة وعبرة يتأمل ويستذكر وينظر ويتفكر في آيات الله الشرعية والكونية .
واليوم يغلب على كثير من الناس في أيامنا هذه الحديث حول الطقس وعن حرارة الجو وبرودته ..
وكلنا اليوم نلاحظ ونشاهد حرارة الجو ولقد من الله علينا بنعمه وأسبغها علينا ظاهرة وباطنة ، ومن نعمه سبحانه وتعالى على عباده تلك المكيفات الكهربائية التي تخفف علينا وتقينا شدة الحر، فهذا المنزل مليء بآلات التكييف تتنقل في أرجاءه دون أن تتذمر من حرارة الاجواء وعندما تذهب خارجا ً لتقضي بعض اشغالك اليومية فإذا السيارة تحيطك ببرودة مكيفها فيكون غالب يومك " بردا ً وسلاما " فلله الحمد والثناء والمنة له..
وكثير من الناس يتذمر من حرارة الشمس ولايطيقها حتى أن منهم من يهرب من بلده إلى الأماكن التي يتوفر فيها الظل وتلك الأجواء العليلة وتشد لها الرحال فهل يتذكرون أن ورائهم يوما ً يلاقون فيه الشمس بأشد وأقرب ما يكون ..ففي صحيح مسلم عن المقداد بن الأسود قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : (( تدنو الشمس يوم القيامة من الخلق حتى تكون منهم بمقدار ميل ، فيكون الناس على قدر أعمالهم في العرق ، فمنهم من يكون إلى كعبيه ومنهم من يكون إلى ركبتيه ومنهم من يكون إلى حقويه ، ومنهم من يلجمه العرق إلجاما ً)) ،قال : وأشار رسول الله إلى فيه .
.وعلى مستوى البشرية كلها، يشهد الصيف ويتخفف الكثيرون من ضغوط الحياة وأعبائها، وإخلادهم إلى شيء من الدعة والراحة، وانتقالهم لأماكن أخرى داخل بلادهم أو خارجها، فيما يمثل نقطة انطلاق نحو تغيير النفس والحياة.
ينبغي لمن لا صبر له على حر الدنيا أن يجتنب ما يعرضه لحر الآخرة
إن كلا من شدة الحر وشدة البرد آية من آيات الله تعالى. وقد جعل الله سبحانه وتعالى في المكان والزمان موضعا للتفكر والاعتبار، فبعض الأماكن حار مما يذكر بلهيب النار، وبعضها رطب مما يذكر بنعيم الجنة، كما أن الزمان منه حار الطقس كالصيف، مما يذكر بحر جهنم، أو البارد كالشتاء، مما يذكر بزمهريرها، أو المعتدل كفصل الربيع، مما يذكر بنعيم أهل الجنة، وما أعده الله تعالى لأهلها
وقد جاء في الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "اشتكت النار إلى ربها فقالت: يا رب أكل بعضي بعضا، فأذِنَ لها بنَفَسَيْن، نَفَس في الشتاء ونَفَس في الصيف، فأشد ما تجدون من الحر من سَموم جهنم، وأشد ما تجدون من البرد من زمهرير جهنم
وفي الدنيا امتن الله على خلقه: "وجعل لكم سرابيل تقيكم الحر وسرابيل تقيكم بأسكم". وحين يتقاعس المنافقون عن الطاعات بحجة الحر قال تعالى: "فرح المخلفون بمقعدهم خلاف رسول الله وكرهوا أن يجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله وقالوا لا تنفروا في الحر قل نار جهنم أشد حرا لو كانوا يفقهون".
لقد كان الخروج في تبوك في شدة الحر، وعند طيب الظلال والثمار، فلهذا قالوا: "لا تنفروا في الحر"، فقال الله تعالى لرسوله: "قل" لهم: "نار جهنم" التي تصيرون إليها بمخالفتكم "أشد حرا" مما فررتم منه من الحر بل أشد حرا من نار الدنيا "لو كانوا يفقهون"
//قال الشاعر :
تفر من الهجير وتتقيه ِ ... فهلا َّ من جهنم قد فررتا
ولست تطيق أهونها عذابا ً ... ولو كنت الحديد بها لذبتا
ولا تنكر فإن الأمر جد ... وليس كما حسبتا ولا ظننتا
وإن لشدة الحر – يا عبد الله – حكماً ودلالات كثيرة
فمن ذلك : أن الله جعل هذا الحر سبباً لتطهير الأرض، وتنقية الأبدان من رواسب البيئة الوبيئة والقضاء على مكروبات وجراثيم لن تقضي عليها مبيدات البشر، وفيه طيب الثمار ونضجها.فما كان لكم ان تتذوقوا لذة الرطب لولا شدة الحر
ومن ذلك: بيان ضعف الإنسان الذي ربما تكبَّر على بني جنسه، وأخذته العزة بالإثم.فتعالى وغطرس
فالواحد منَّا قد لا يستطيع أن يقف الدقائق المتواصلة المعدودة في وهج الظهيرة، وما أن يرتفع النهار حتى يبحث عن مكان يُكِنُّه، ويظلُّه عن الشمس، بل ويبحث لسيارته كذلك مكاناً ظليلاً.
وربما اعتذر عن دعوة يدعى لها بأن الحر شديد، ولا يقبل أن يشرب ماء إلا أن يكون مبرداً يدفع به ظمأ الهاجرة.
وبعض الناس ربما تغيرت أحوالهم، وساءت ألفاظهم لا لشيء إلا لأن الجو حار. واسوا منها ان يعتذر الموظفون لسوء الخلق بشدة الحر
أليست هذه – يا عباد الله – أمثلة تبين ضعف الإنسان، وقلة حيلته؟وضيق عطنه حين تضيق مسالكه
//فالواجب علينا نحو هذا أن نشكر الله حق شكره على ما سخر لنا من أجهزة التكييف وظلال ننعم به في بيوتنا فـبالشكر تدوم النعم
وأن نتذكر أيام مضت على آبائنا وأجدادنا من قسوة العيش وشدة الحياة في الصحراء وكم كانوا يعانون وماهي مخرجاتهم الرائعةبرغم قسوة الحياة.
ونتذكر أيضا ً فقراء ومساكين المسلمين الذين لا تأويهم المنازل الوارفة بالظلال والمدعمة بالتكييف ، ونُـذكـِّـرأخواننا بها وابنائنا من بعدنا ..
وحسنٌ أن نمتلك تلك الفرصة ( شدِّة الحر) في الصيام لندّخر ذلك ليوم الحساب وعرض الأعمال على الله سبحانه وتعالى ..
فقد روي عن ابن عمر – رضي الله عنهما – أنه خرج في سفر ٍ مع أصحابه ، فلما وضعوا سفرتهم ، مر بهم راع ٍ فدعوه إلى أن يأكل معهم ، فقال : إني صائم ، فقال ابن عمر : في مثل هذا اليوم الشديد حرّه ؟! وأنت بين هذه الشعاب في آثار هذه الغنم وأنت صائم ؟!
فقال الراعي : أبادر أيامي الخالية !
وكان أبو الدرداء – رضي الله عنه – يوصي أحبابه ويقول : صوموا يوما ً شديد حره لحر يوم النشور ، وصلوا ركعتين في ظلمة الليل لظلمة القبور !
أيها الناس: اتقوا الله - تعالى -: واشكروه أن أمدكم بما تعلمون، أمدكم بأنعام وبنين وجنات وعيون، فهذه ثمرات النخيل تتفكهون بها رطباً وبسراً، وتدخرونها قوتاً وتمراً، فهو الذي خلقها، وأوجدها، وهو الذي نماها، وأصلحها وهو الذي أبقاها لكم، وحفظها، وأبقاكم حتى أدركتم جناها وثمرها، فاشكروا ربكم على هذه النعمة، وأدوا ما أوجب الله فيها من الزكاة تدفعوا عن أنفسكم وأموالكم النقمة، وحاسبوا أنفسكم في ذلك محاسبة تامة، فإن أهل الزكاة شركاء لكم فيها لهم العشر إن كانت تشرب سيحاً، ونصف العشر إن كانت تشرب بالمكائن، هكذا فرضها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فإياكم وبخسها وإخراج ما ينقص عن ذلك.
والفقهاء من أصحاب الإمام أحمد وغيرهم بل أكثر العلماء يقولون: إنه يجب عليه أن يخرج الزكاة من كل نوع بحصته كما ذكره في المغنى، وقد نص فقهاؤنا في كتبهم المختصرة والمطولة على أنه يجب إخراج زكاة كل نوع منه،
وقد قال بعض العلماء: إنه يجوز الإخراج من النوع المتوسط بقدر القيمة
والنخيل التي في البيوت تجب الزكاة في ثمرها إذا بلغت نصابا لقول الله تعالى : " يا أيها الذين آمنوا أنفقوا من طيبات ما كسبتم ومما أخرجنا لكم من الأرض " ، وهذه مما أخرج الله لنا من الأرض فتجب فيها الزكاة سواء كانت تهدى بعد خرفها أو تؤكل أو تباع .
وإذا لم تبلغ النصاب فلا زكاة فيها لقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم : " ليس فيما دون خمسة أوسق من التمر صدقة " والوسق الواحد ستون صاعا بصاع النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ، ومقدار صاع النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم كيلوان اثنان وأربعون غراما فيكون النصاب ستمائة واثني عشر كيلو ( 612 ) ، والمعتبر في هذا الوزن بالبر ( القمح ) الجيد ؛ فتزن من البر الجيد ما يبلغ كيلوين اثنين وأربعين غراما ثم تضعه في مكيال يكون بقدره من غير زيادة ولا نقص فهذا هو الصاع النبوي يقاس به كيلا ما سوى البر وعلى المزارعين التعاون مع جباة الزكاة ممن كلفتهم الدولة بهذه المهمة وتيسير الوصول الى النخيل والدقة في المعلومات والعدد والأنواع حتى لا يكون خصومك فقراء المسلمين يوم الدين
فاتقوا الله - تعالى -أيها الناس، وحاسبوا أنفسكم، وراعوا العدل، ولا تظنوا الزكاة غرامة وخسارة، فإنها والله هي الغنيمة والربح، فهي أحد أركان الإسلام، وهي قرينة الصلاة في كتاب الله، فالقيام بها قيام بركن عظيم من أركان الإسلام، وتطهير للمزكي من الإثم والعصيان، وتزكية لنفسه وأعماله، وبركة، ونمو، وزيادة في ماله.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الأَرْضِ وَلاَ تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلاَ أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ * الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ وَاللَّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلاً وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ} [البقرة:267، 268].
__________________
1) الملاحظات.
2) اقتراح موضوع خطبة مع دعمه بوثائق أو مراجع.

الرجاء التواصل عبر البريد الإلكتروني:
saleh31@gmail.com

حفظكم الله ...
د. صالح التويجري غير متصل   الرد باقتباس