عوامل الثبات
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين ، الرحمن الرحيم ، مالك يوم الدين ، وأصلي وأسلم على من بعثه رحمة للعالمين ، محمد بن عبد الله عليه وعلى آله أفضل الصلاة وأتم التسليم ، ثم أما بعد :
أيها الأخوة المسلمون :
إن الثبات يقصد به ثبات المسلم على دينه في الحياة الدنيا ، فلا يزيغ ولا يضل إلى أن يموت وهو على هذا الدين ، كما يقصد به أن يثبته عند سؤال منكر ونكير ، قال تعالى : يثبت الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة ويضل الكافرين .
وقد يسأل سائل فيقول : نحن مسلمون نعرف الحق فلماذا تحدثوننا عن الثبات ؟
فيقال له : لقد أمرنا سبحانه بطلب الهداية ففي كل ركعة من ركعات الصلاة نقول : إهدنا الصراط المستقيم .
وأخبر سبحانه أنه يثبت الذين آمنوا بالقول الثابت ، فحري بك أخي أن تدعو أن يثبتك .
لقد كان رسول كثيرا ما يقول : ( يا مقلب القلوب والأبصار ثبت قلبي على طاعتك ) فقالت له أم المؤمنين عائشة في ذلك , فقال : ( وما يؤمنني وقلوب العباد بين إصبعين من أصابع الرحمن يقلبهما كيف يشاء ) .
وقد يقول قائل : إذا كانت قلوب العباد بين إصبعين من أصابع الرحمن وأنها تتقلب ! فما الأمور التي تساعدنا على الثبات على الدين حتى نلقى ؟ ولا نكون كالذي آتاه آياته فانسلخ منها فاتبعه الشيطان فكان من الغاوين .
فنقول : هناك أمور كثيرة تساعد العبد على الثبات , ومنها :
أولا : دعاء سبحانه وتعالى ، والإلحاح بذلك ، اقتداء بفعل النبي ، فلندع في كل أحوالنا أن يثبتنا على دينه حتى نلقاه .
ثانيا : المحافظة على الفرائض وإتباعها بالنوافل فهذا طريق الثبات ، بل طريق محبة لعبده ، وإذا أحبه وفقه وسدده ، كما في الحديث القدسي : ( وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضته عليه ، ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه ) .
ثالثا : عدم التساهل بالمعاصي وإن كانت صغائر ، فالاستمرار على الصغائر يجعلها من الكبائر ، فكم نقل الكتاب و المؤرخون أخبار من وقع في شيء من المعاصي ثم استمر عليها ، ثم ختم له بالضلال عياذا بالله من ذلك .
رابعا : اختيار الرفيق الصالح الذي يحسن العمل الصالح ويعين عليه ، ويقبح الإثم والفسوق والعصيان ، ولنتذكر كيف حال رفقاء أبي طالب بينه وبين النطق بالشهادة ، ولو نطقها لكانت سببا في دخوله الجنة .
واعلم أخي أن الأصدقاء أربعة أنواع :
النوع الأول : صاحب شهوة يزين لك الشهوات ويدعوك إلى مقارفتها ، كمن يزين لك زيارة مواقع مشبوهة وغير مأمونة ، كبعض الاستراحات والمجالس ، وهي وبال على أصحابها في الدنيا والآخرة .
النوع الثاني : صاحب آيس من الدنيا , لا ينظر إلا إلى الجانب الأسود المظلم منها ، فإذا أقبلت الامتحانات قال : لا تذاكر .. فالمدرسون معقدون والمناهج صعبة ، ولن تنجح ، وإذا نجحت فماذا تستفيد ، وإن تفوقت فلن تجد وظيفة ، فهو ينظر إلى الدنيا بعيني يائس ، ساء ظنه بالله ففسدت عليه حياته، ففر من هذا النوع فرارك من الأسد ، وابذل أسباب النجاح والتفوق ، واعلم أن التوفيق بيد .
النوع الثالث : شخص هازل لا ينظر إلى الحياة إلا على أنها " وناسة " , وعلى أنها رحلة خلوية ، فهو لا يعرف للجد بابا ، يسخر من هذا ، ويهزأ بهذا ، ودائما هو الذي يضحك الجميع ، بل يضحك منه الجميع ، هذه وظيفته ، وهذا ديدنه ، فهو لا يعدو أن يكون كأنه فيلم كرتوني ضاحك .
النوع الرابع : شخص جمع بين الدين والدنيا ، فهو مطيع لربه ، حافظ لوقته ، مشتغل بما يصلح دنياه ويسعده في أخراه ، تجده محافظا على الطاعات ، بعيدا عن المعاصي والسيئات ، ينهل من موارد العلم ، يعد نفسه لخدمة دينه وأمته ، يعلم أن عليه مسؤولية أن يقدم لدينه وأن يقدم لأمته ، فلا تراه إلا منشغلا بما يصلح دينه ودنياه وأمته ، فهذا الصنف من الأصدقاء والخلان تمسك به ، واشدد عليه يدك ، فهذا كالهواء لا يستغنى عنه ساعة ، وإذا خلت منه حياتك فقل كما قال الإمام الشافعي رحمه :
سلام على الدنيا إذا لم يكن بها * صديق صدوق صادق الود منصفا
ومن العوامل التي تساعد على الثبات أيضا :
خامسا : مدارسة القرآن ، فهو يطرد الشيطان من القلب والبيت ، وإذا هرب الشيطان من القلب ثبت هذا القلب على دين .
سادسا : طلب العلم الشرعي في مظانه ، ولزوم حلق العلم على أيدي المشايخ الربانيين الراسخين في العلم ، فالعلم نور عند حلول الفتن ، ومنهج مستقيم عند اختلاف الطرق .
وختاما : اسأل أن يثبتنا وإياكم على دينه ، وأن يجمعنا وإياكم في جنته , وأن يظلنا بظله يوم لا ظل إلا ظله .
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين ..
وصلى وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ..
|