يتبع
وينبه البعض فيقول: (ماذا عن الصفقات الحكومية مع أمريكا، والتي تعادل أضعاف ما يشتريه الشعب؟)
إننا نعرف سلفا ان كثيراً من الأنظمة الحاكمة في العالم الإسلامي عميل لأمريكا، وهو مرتبط ارتباطا كاملا بها. هذه الأنظمة العميلة لا تحتاج إلى أسلحة لأنها لا تستعملها ضد أعداء الأمة، وفي كثير من الأحيان لا تلزمها حتى للقمع الداخلي، ولكنها مع ذلك تشتري أثمن الأسلحة من أمريكا مقابل الحماية التي توفرها لهذه الأنظمة العميلة، ولتبقي شركات السلاح والطائرات الأمريكية في وضع مالي مستقر، ومساعدة لسيدتهم أمريكا في حل أزماتها المالية.
ولكن هذا يجب ان يشكل سببا إضافيا من اسباب إصرارنا على المقاطعة، لا بسبب العوامل المالية فقط، بل بسبب العوامل المعنوية والنفسية أيضا، التي ذكرناها أعلاه. وحتى نتمكن، ولو بعد حين، ولو بعد صراع مرير، سلماً أو حرباً، من فرض مواقفنا الشعبية على هذه الأنظمة العميلة، أو اقتلاعها من جذورها.
وهل كان وجود المنافقين الخونة، المتولين للمشركين واليهود في (المدينة النبوية الشريفة)، ومن حولها من الأعراب، مبرراً للتوقف عن الجهاد؛ وهل كان وجود العملاء، مثلا خلال أي حرب تحرير، يعني ضرورة وقف المقاومة؟؟ طبعا: لا.. وألف لا.
بالإضافة إلى عامل آخر مهم، وهو اننا لا نقاطع فقط من أجل الجانب الإقتصادي، بل من أجل كثير من الأسباب العقائدية والسياسية والأخلاقية، كما وضحنا سابقا وسنوضح لاحقا.
وقد يتسائل البعض: (ماذا عن الشركات الأمريكية التي يملكها عرب أو مسلمون في أمريكا؟)؛ (وماذا عن الإستثمارات العربية أو الإسلامية في الشركات الأمريكية أو ذات الإمتياز الأمريكي الناشطة في أمريكا، والتي تقوم بالتصدير إلى الوطن العربي؟) أو باختصار: (ان بعض الشركات يملكها عرب أو مسلمون في أمريكا ذاتها، وبعضها ينتج منتجات قابلة للتصدير إلى البلاد الإسلامية، فهل نقاطعها أم لا؟)
هذا السؤال يطرح في الشارع للتشكيك بمشروعية المقاطعة وأخلاقياتها، ولتشجيع الإنقسام في الشارع العربي والإسلامي حولها.
نحن نعلم ان أمريكا تتكون من خليط كبير من أبناء الشعوب والأمم المختلفة، ومنها أمتنا الإسلامية، وشعوبنا العربية والإسلامية. ونعرف أن معظم من ذهبوا إلى هناك، لم يذهبوا إلا عندما ضاقت بهم الدنيا ولم يجدوا عملا أو رزقا يكفيهم. بسبب ظروف خارجة عن ارادة معظمهم، وهي تتعلق اساسا بالحكومات العاجزة عن حل مشاكلهم ومشاكلنا.
وينقسم هؤلاء المهاجرون المقيمون إقامة دائمة هناك إلى أربع فئات رئيسة:
الفئة الأولى منهم: ما زالت تنتمي إلى أمتها، وتخدمها، وتخدم قضاياها عن بعد، وربما بحذر وسرية.
والفئة الثانية: تخلت عن علاقتها بأمتها ولم تعد تهتم بأي شيء سوى حياتها الخاصة ومصالحها، وقد ذابت في المجتمع الأمريكي وأصبحت جزءا لا يتجزأ منه. بل ان ابناءها قد يحملون السلاح كمجندين امريكيين في أي حرب من حروب أمريكا ضد أمتهم الإسلامية. وإذا جاؤوا إلى يلادنا إنما يأتون كأشخاص امريكيين يستفيدون من ميزات جنسيتهم الأمريكية في تحصيل بعض الإمتيازات التي يحصل عليها الأجانب في بلاد العالم الثالث.
وهناك فئة ثالثة: اتخذت موقفا معاديا للشرق ولأمتها، وهي تقوم بنشاطات معادية ضد الأنظمة والحركات الإسلامية والوطنية الموجودة في العالم الإسلامي، وهي على قلتها موجودة.
وهناك فئة رابعة: غير مقيمة في أمريكا بشكل دائم، ذهبت وتذهب إليها لأنها غنية قادرة على العيش حيث تريد، وقد ذهبت للقيام بنشاطات اقتصادية تزيد فيها اموالها واستثماراتها، وحصلت على (جرين كارد) أو على جنسية امريكية لتسهيل تنقلاتها وأعمالها، ولتكون قادرة على الهروب إليها في الأزمات، ولتعلم اولادها هناك، وتدربهم ليكونوا جاهزين لتولي المناصب الحكومية الهامة هنا، أو لاستلام المراكز القيادية في المجتمع. وكم رأينا من صبيان لهذه الفئة يجري إعدادهم، وإذ بهم يتقلدون ارفع المناصب السياسية ومواقع القرار الأخرى منذ لحظة تخرجهم من الجامعات.
إن الفئة الأولى، وهي الفئة الوحيدة التي تهمنا: يتفهم أفرادها قضايانا بشكل واع. وإذا كان له نشاط اقتصادي، فهو يقبل ان نقاطعه مقابل ما للمقاطعة من فوائد لقضايانا الإسلامية، ونضالنا المشروع، مع أن الغالب أن سوقه ليست سوقنا، وتأثره بالمقاطعة يكون معدوماً في العادة. بل إ ن شمول المقاطعة له قد يشكل «غطاءً» أمنياً له، يحميه من الشكوك والتساؤلات. ونحن معنيون بعدم تسبيب الأذى لمصالح هؤلاء، قدر المستطاع، وبتنمية العلاقات معهم فقط، ولكن بحذر، في أغلب الأحيان، لأن الكثيرين منهم مراقبون، وقد تلحق بهم المعاملة (الخاصة) من قبلنا بعض الضرر!
أما الفئات الأخرى فقد يكون لنا منهم أقرباء... بل حتى إخوان وإخوات، ولكننا لا خيار لنا. إن المطلوب منا ان نحدد موقفنا منهم، ومحال أن يكون موقفنا إلا كما أمر الله: }يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا آبَاءَكُمْ وَإِخْوَانَكُمْ أَوْلِيَاءَ إِنِ اسْتَحَبُّوا الْكُفْرَ عَلَى الْأِيمَانِ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ v قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ{، (التوبة؛ 9:23-24).
فأما الفئة الثانية: فقد انفصلت عن أمتها، وركنت إلى الدنيا، فنحن لا نعنيها، وهي لا تعنينا. ولا حاجة لنا إلى الاهتمام بها، أو حتى تذكرها أصلاً.
وأما الفئة الثالثة: فهم مرتدون حربيون، وهم من ثم من أشد أنواع العدو الحربي خبثاً وشراً، ومقاتلتها ومنابذتها أولى من االعدو الكافر الحربي الأصلي، ومن باب أولى مقاطعتها. فلا يجوز بحال من الأحوال الاغترار بادعائها الوطنية، وما قد تذرفه من دموع التماسيح، وما قد تنادي به من (فتح أبواب الاجتهاد)، و(تجديد الفكر الإسلامي) وغير ذلك من المزاعم المكذوبة، التي هي في حقيقتها محاولات لأمركة الإسلام، وإبطال الجهاد، واستئصال المجاهدين المخلصين.
وأما الفئة الرابعة: فالغالب عليها النفاق والمراوغة، ونفاق أكثرهم في حقيقته نفاق اعتقادي، أي أنهم في الحقيقة، وباطن الأمر، كفار مرتدون، وإن كانوا يظهرون بأسماء وانتماءات إسلامية أو عربية.
وعندما خانت الأنظمة أمتها، وباعت قضاياها، وفي مقدمتها (القضية الفلسطينية)، ونادت بـ(التطبيع) مع العدو الصهيوني الخـبيث، كان هؤلاء في مقدمة دعاة (التطبيع)، بل وجدنا ان معظم (المطبعين) من هذه الفئة الماكرة الخبيثة، وأن هذه الفئة الخبيثة كلها من المطبعين.. وهذا يعطينا سببا أقوى وأكثر إقناعا لمجاهدتها بمقاطعتها، ومقاطعة ما تنتجه هنا أو هناك، بدون هوادة أو رحمة، وبكل غلظة. كما أمر الله جل جلاله، وسما مقامه: }يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ{، (التوبة؛ 9:73)، و(التحريم؛ 66:9).
ونحن كذلك معنيون بمواجهة ما تسببه لنا الفئة الرابعة من مشاكل وما تقدمه لأمريكا (أمهم الحنون) من خدمات تصب في مصلحة العدو، اعترفوا بذلك، أم أنكروا. إنهم يلعبوا على الف حبل، فهم إذا تأذت مصالحهم الأنانية الخاصة يدعون الإخلاص للقضايا الوطنية، ويستثيرون عواطفنا لنؤيدهم، بينما يؤلبون علينا الحكومات والأجهزة الأمنية من اجل مصالحهم وأرباحهم الجشعة بكل الوسائل والطرق، وإذا هدأت الأمور لسعونا لسع العقارب والأفاعي، وسلقونا بألسنة حداد. يدسون السم في الدسم... إن المقاطعة، والمقاطعة فحسب، هي العلاج الناجع لسموم هؤلاء الأفاعي.
لذلك فإن الحديث عن مصالح العرب والمسلمين الأمريكيين التي تتأثر من مقاطعتنا تضليل متعمَّد، يراد به مجرد تشكيك الناس في المقاطعة ومشروعيتها.
|