13-01-2005, 04:11 PM
|
#3
|
عـضـو
تاريخ التسجيل: Jun 2003
المشاركات: 1,217
|
الجزء الثالث :
دلال مريضة
مرت السنوات و أصبحت مها في الثالثة من عمرها ..
كانت زهرة تملأ البيت عبقا و عبيرا و أنسا ..
و كانت أمها تملأ البيت ايمانا و ذكرا ..
فما أحلى هذا البيت الذي أسس بنيانه على تقوى من الله ..
تملأه السعادة و الطمأنينة .. و يخرج منه الخير و البر ..
حتى أحبه القريب و البعيد ..
و الغني و الفقير ..
ذات يوم .. كانت مها تسير مع امها في المستشفى .. فسمعوا امرأة تتأوه من الألم .. فسألت مها والدتها عن هذا الصوت ..
فأخبرتها بأنها امرأة مريضة تتوجع .. فأخرجت صغيرتي من شنطتها الصغيرة "ريالا" و ذهبت به إلى المرأة المريضة ثم أعطتها اياه و قالت لها : " يا عمة قولي بسم الله علشان يطيب !! " ...
فذهلت المرأة المريضة من صنيعها ..
فضمتها اليها .. غير أن صغيرتي بكت من الخوف ...
فما أحلاك يا حبيبتي مها .. لقد كنت داعية بتصرفاتك الايمانية في كل ميدان ..
و حق لي أن اسميها الداعية الصغيرة ...
في أحد الأيام فجعتنا دلال بسقوطها متعبة و هي تؤدي عملها المنزلي ..
أخذناها إلى المستشفى سريعا و لم يكن في الاسعاف إلى أحد الاطباء فرفضت زوجتي أن يكشف عليها رجل مهما كلفها الامر ..
كنت أوافقها في اصرارها هذا .. لكن التعب و المرض جعل من وجهها المضيء وجها شاحبا شديد الاصفرار ..
و مع كل دقيقة تمضي .. تزداد حالتها سوءا و يزداد وجهها اصفرارا ..
فألححت عليها بأن يكشف عليها الطبيب و أنا معها .. فحالتها حالة ضرورة و لا تحتمل التأخر ..
فرفضت رفضا قاطعا ثم رفعت يديها إلى السماء و قالت : " اللهم يسر أمري و أكتب الخيرة في عاجل أمري و آجله " ..
رضخت لأصرارها و بقينا ننتظر الطبيبة ..
فما هي الا لحظات قليلة حتى طرق الباب و دخلت الطبيبة ..
بقيت أنا و مها بالخارج ننتظر ما تقوله الطبيبة .. كنت اتأمل في رحمة أرحم الراحمين سبحانه و كيف سخر لها هذه الطبيبة بهذه السرعة العجيبة و اقول في نفسي " صدقت مع الله فأعانها الله " ..
إلتفت إلى صغيرتي مها فأصابني الهول لما رأيت دموعها تجري على خدها ..
سألتها بسرعة : " مها وش فيك حبيبتي " ...
فرفعت يداها إلى السماء و قالت : " يا رب اشف ماما " ...
لقد حفر منظرها و هي ترفع يديها و تنظر بعينيها إلى الاعلى و الدمع يسيل على خدها أثرا في قلبي ما أحسبه سيندمل ..
لقد علمتني تلك الصغيرة دروسا في حياة القلب مع الله .. و حياة القلب مع من نحب ..
علمتني كيف أنصح المخطئ و أساعد المحتاج و أعطف على المريض ...
قبلتها و قلت : " يارب لا تحرمني من مها " ..
خرجت الطبيبة من عند دلال فركضت مها إلى أمها لتضمها و تطمئن عليها ..
أخبرتني الطبيبة أن دلال ستمكث في المستشفى لعدة أيام .. و بعد التحاليل ربما تكون هناك اجابة أكثر دقة ..
عندما كنت عند دلال في صباح اليوم التالي استدعاني أحد الأطباء ..
كان يكلمني بطريقة رسمية جدا و لا أثر للابتسامة على وجهه .. فعرفت أن الأمر خطير ..
حاولت أن آخذ منه أكثر فلم يجبني الا بـ " كل شئ بيد الله " ..
مرّ يومان فتطور المرض شيئا فشيئا حتى أدخلت دلال غرفة العناية المركزة ..
ثم دخلت في غيبوبه و لم تفق منها الا بعد ثلاثة أيام ..
ثم ساءت حالتها مرة أخرى و عادت في غيبوبتها ..
ثم أمضت عزيزتي دلال في العناية المركزة ثلاثة أشهر ..
و كانت كلما تفيق توصيني بمها و أن أهتم بنفسي و تطمئنني على نفسها .. ثم ما تمضي سويعات حتى تعود إلى غيبوبتها ..
ثم بعد هذه الثلاثة أشهر .. غادرتنا حبيبتي و تركتنا في دنيا الآلام ..
كم كانت أياما عصيبة مؤلمة لم يسبق لي أن مررت بمثلها ..
:o فدلال ماتت !!!! :o
كيف أعيش بدون دلال التي كنت أفتقدها لو غابت عني لحظة ؟
كيف أعيش في بيت غابت عنه من كانت تملأه بالذكر لربها و الود لزوجها وابنتها ؟
أين سأرى تلك اللمسة الحانية و الابتسامة المفرحة و نظرة العتاب بكل حب و ود و صفاء ؟
لا أدري يوم أن دفنتها .. أدفنتها هي أم دفنت قلبي و روحي !! ...
أحداث متقطعة .. أعي بعضها و بعضها يكون خارجا عن إرادتي ..
لم أصدق الخبر حتى أفهمنيه الواقع الذي عشته بعد فقدها ....
عدت من المقبرة كسير البال أبك الدم قبل الدمع وأردد
إنا لله و إنا إليه راجعون ..
قدر الله و ما شاء فعل ..
اللهم أجرني في مصيبتي و اخلف لي خيرا منها ..
إن القلب ليحزن و إن العين لتدمع و إنا على فراقك يا دلال لمحزونون ...
بعد أن فرغنا من العزاء ذهبت لأرى صغيرتي مها في بيت جدتها ..
دخلت إلى فناء البيت فوجدتها تلعب مع بنات خالاتها لعبة " فتاحيه وردة "
لما رأتني اسرعت الي و ضمتني فحملتها و قبلتها و هي تركز النظر في عيناي و كأن شيئا قد لفت انتباهها ..
فقالت لي : " بابا متى نروح عند ماما ؟ "
حاولت أن أتماسك فلم استطع فبقيت محتضنا لصغيرتي و عيناي من خلف رأسها تذرفان الأدمع تلو الأدمع ..
نسيت نفسي و أنا أبكي بين يدي صغيرتي .. أحسست بأني طفل صغير يحتضن أمه ..
لقد وجدت في صدر صغيرتي الدفء ..
كيف لا أجده و هذه الصغيرة قطعة مني ...
أفقت على يد صغيرتي و هي تمسح الدموع على خدي ..
لقد فضحتني عيناي .. ماذا أفعل يا رب .. فقبلتها و دعوت الله من قلبي أن يسلي صغيرتي مها ..
و يجبر مصابها بفقدها لأمها ...
دخلت حبيبتي مها الرابعة من عمرها .. و كانت قد افتقدت أمها كثيرا بعد وفاتها ...
و عاشت حياتها متنقلة بين منازلها الثلاثة ..
فكانت تمضي أيام الاسبوع في بيت ( خالة أديم ) كما هي تقول .. لتذهب معها إلى دار التحفيظ و تتعلم منها أخلاق المؤمنة و أدبها و همتها .. فأديم هي تلميذة دلال رحمها الله و دلال هي التي أوصت بذلك ..
و في أيام آخر الاسبوع تأتي لزيارة والدي و والدتي و أهلي ثم تذهب لزيارة جدتها و أخوالها ...
أما أنا فكنت آخذها كل يوم وقت الظهيرة و نذهب سويا فنتناول الايس كريم غالبا ...
ذات يوم .. عرضت لي والدتي الزواج من إحدى قريباتنا فرفضت ذلك رفضا قاطعا ..
ألحت علي كثيرا فأجبتها : " لن أجد أبدا مثلا دلال "
تدخلت أختي الكبرى و قالت : "طيب ماذا عن أديم .. نسخة من دلال ؟ "
قلت : " أديم نعم الفتاة .. لكنها صغيرة و الأفضل لها أن تتزوج شابا قريبا من عمرها .. فاني أخشى أن اظلمها .. فهي فتاة في عمر الزهور و الخطاب من الشباب عليها كثير .."
لم تقنعهم أجوبتي كثيرا فكرروا اصرارهم على الزواج و كررت الرفض ..
بعد أسبوع جاءتني بعثة من العمل لحضور إحدى الدورات في لندن و كانت مدتها قرابة العشرة أيام تقريبا ...
كان زميلي في رحلتي هذه أحد الشباب المتميزين في مجال وظيفته و في مجال دعوته و اسمه طارق ..
كانت مها لا تفارق فكري و خيالي في هذه الرحلة ..
ففي كل مكان أرى مها فيه و هي تبتسم و تقول : " بابا لا تنس الهدية " ..
فأتمتم في نفسي : " أنسى كل شيء الا هديتك يا صغيرتي " ..
في اليوم الخامس من الدورة طُلب مني انا و زميلي طارق أن نقدم بعض المشاريع التي قامت بها شركتنا ..
فبذلنا قصارى جهدنا في إخراج العرض بطرقة مغرية و رائعة ..
و كان زميلي طارق يتقن الانجليزية جيدا و الحمدلله .. و يتكلمها كما ينطقها أهلها ..
كان هذا العرض سيقام في إحدى قاعات الجامعات و سيحضره عدد كبير من منسوبي الشركات و الكادر الاكاديمي ..
تم العرض بطريقة مغرية للغاية و بفكرة جديدة في الطرح فاستمتع الحضور كثيرا .. كما كنا نتعمد الربط بين أفكار المشروع و أخلاق المسلمين .. فامتلأت القاعة بالحضور و ازداد انتباه الحاضرين لأنهم لم يسمعوا عن كلام مثل هذا من قبل ...
انتهى العرض فبدأ الحضور يلتفون حولنا و يصورنا و يسألوننا و يطلبون عناويننا البريدية و نحن في حالة من الذهول !!
كل هذا بسبب نبذة بسيطة عن أخلاق المسلمين ..
كان أكثر المتجمهرين من النساء و خاصة ما فوق الاربعين .. اللواتي رمتهن حضارة الغرب الزائفة .. فلا مكان للمرأة عند الغرب الا في سن شبابها و جمالها ..
أما ما ان تتجاوز الثلاثين .. حتى ترمى كما ترمى علبة العصير بعد أن يفرغ المشروب الذي تحتويه ...
و في الغد .. بينما طارق يعّد لنا الغداء طُُرق الباب .. قمت لأنظر من فتحة الباب فرأيت زي امرأة فاعتذرنا عن استقبالها ..
كررت طرق الباب و قالت أنها تريدنا في أمر هام ..
قال لي طارق : " افتح لها فلربما تحتاجنا في أمر هام "
رفضت أنا تماما و أخبرته أني عشت في لندن أشهرا قبل سبع سنوات و أعرف ما فيها ..
رجعت إلى المرأة و أخبرتها أننا لن نفتح لها الباب ..
فتكلمت امرأة بجانبها كبيرة في السن و رجتنا أن نفتح لها الباب فهي تعرفنا ..
بعدما سمعت صوت المرأة الكبيرة اطمأنيت قليلا ففتحت لهما الباب ..
أول ما رأتني تلك المرأة الكبيرة نطق بأسمي بلكنتها الاعجميه : " أهمد !! "
ظننتها إحدى الحاضرات بالأمس فعرفت اسمي من هناك .. لكن المفاجأة عندما سألتني عن دلال ..
عقد الموقف لساني فلم أستطع التعبير .. فأخبرتني بأنها هي تلك الدكتورة التي أجرّت علينا منزلها يوم أن أتيت إلى هنا مع دلال رحمها الله قبل سبع سنوات و أمضينا في لندن بضعة أشهر ..
رحبت بها و سألتها عن حالها وعن ابنتها الوحيدة و زوجها ..
فأخبرتني بأن ابنتها ماتت في حادث سيارة مع عشيقها ..
أنزلت رأسي حزينا بأنها ماتت على الكفر ..
فبادرتني بالسؤال عن زوجتي دلال و هل هي أتت معنا هذه المرة ؟
نظرت اليها ثم أطرقت رأسي حزينا ..
فما أن أخبرتها بأنها ماتت رحمها الله حتى بكت بكاء مرّا .. و كأن المتوفاة ابنتها ..
بل لم تبك على ابنتها كما بكت على زوجتي ..
فلفت هذا الامر انتباه طارق .. فبادرها بالسؤال عن سبب بكائها على زوجتي مع أنها لم يظهر عليها التأثر عندما أخبرتنا عن وفاة ابنتها ..
فاجابته و هي تنشج من البكاء : " دلال كانت تهتم فيني ... و كانت طيبة القلب .. كريمة الأخلاق ... أما ابنتي فلم تكن تهتم الا بعشيقها "
ثم أخذت بيد رفيقتها و أقفلت راجعة إلى سيارتهما و الحزن يخيم عليها و البكاء يقطع نياط قلبها ..
ناداها طارق و قال لها و هو يبتسم : " دلال رحمها الله كانت تتخلق بأخلاق المسلمين .. الاسلام هو الذي أمرها بذلك " ...
أشرت برأسها و كأنها تعده أنها ستفتش عن الاسلام في صورته الحقيقية ..
وقفت متأثرا بعد ما حصل .. سبع سنين و أثر الاخلاق الطيبة و التعامل الحسن باق أثره في قلب هذه الكافرة ..
من الغد .. طلبت من أحد الاخوة المشاركين في احد المراكز الاسلامية هناك أن يكون لنا محاضرة في المركز ..
تم التنسيق سريعا خلال يومين ..
ابتدأ طارق الكلمة و كان اسلوبه جميلا جدا .. كما ان شكله يضفي عليه هيبة و وقارا و حبا مع أنه ما زال في السادسة و العشرين من عمره ..
بعدها جاء دوري .. كان يبدو علي التأثر .. كنت أتكلم عن جمال أخلاق الاسلام و أثرها في قلب المدعوين ...
كنت أصف لهم صفات الداعية المسلم .. الداعية الذي يدعو بأخلاقه قبل أن يدعو بأقواله ...
الداعية الذي يحمل هم هذا الدين .. الداعية الذي ينجح في كسب قلوب الاخرين بأبتسامته و عطفه و حنانه و مساعدته للاخرين ...
" أين أنتم من تعامل رسول الله صلى الله عليه و سلم مع جاره اليهودي ؟
انظروا إلى آثار ما تفعلونه و تعملونه من الخير في قلوب الآخرين " ...
ثم قصصت عليهم قصة العجوز مع زوجتي رحمها الله فبكى الحضور و بدأت عليهم علامات التأثر ....
بعد انتهاء الدورة رجعنا إلى السعودية محملين بكثيرا من الهدايا ..
كان الهاجس الوحيد هو أن أرى مها .. فكل حقيبتي هدايا لها و لوالدتي و والدي حفظهم الله ..
ما إن وصلت إلى البيت و سلمت على أهلي حتى اتصلت على مها في بيت جدتها فقد كنت متشوقا لرؤيتها كثيرا ..
كنت أسمع صراخها فرحة بوصولي عندما أخبرتها جدتها بذلك .. أخذت السماعة من جدتها و بدات تبكي و هي تقول : " بابا تعال عندي " ..
قلت لها و أنا أبكي فرحا بسماع صوتها : " الحين ابجي عندك حبيبتي .. و جبت لك هدية حلوووووة "
أختلط ضحكها ببكائها و هي تقول : " بابا .. تعال .. تعال بسرعة .. "
أغلقت سماعة الهاتف و اتجهت بسيارتي إلى بيت جدتها ..
ما ان وصلت عند الباب حتى خرجت صغيرتي مسرعة فضمتني و هي تضحك و الدمع ما زال في عينيها ..
حملتها داخل السيارة و بدأت أقبلها و أنظر إليها فأقول : " ما شاء الله كبرت يا مها "
فتضحك فرحة مسرورة و هي تلعب بلحيتي ..
سألتها : " وش تتوقعين هديتك يا مها ؟ "
فضمت يديها و بدأت تقلبها ثم وضعتها تحت ذقنها بتغنج الفتاة المتقنة لذلك و ابتسامتها العريضة قد ملأت وجهها اشراقا ..
ثم قالت : " اممممممم ما ادري !! "
فتحت شنطة السيارة و أخرجنا هديتها فطارت بها فرحا و ركضت بها إلى جدتها لتريها هديتها ..
وقفت أنظر اليها .. ثم تمتمت في نفسي : " يا رب احفظها لي و اجعلها من الداعيات إلى دينك .. يا رب أصلحها و أصلح بها " ...
كبرت صغيرتي مها حتى وصلت السادسة من عمرها ..
عند ذلك أدخلناها المدرسة الابتدائية القريبة من بيت ( خالة أديم ) ..
كانت شعلة في النشاط و الحيوية .. كما كانت ذكية متفتحة العقل و الفكر ما شاء الله عليها ..
في أول شهر جاءنا خطاب شكر من المدرسة على حسن تربيتها و تفوقها ..
ثم توالت خطابات الشكر و الاعجاب بخلقها و حسن تربيتها ..
ثم بعد ذلك توالت الرسائل من معلماتها في كيفية تربية مها هذه التربية الإسلامية ...
لقد كانت صغيرتي لا تفتأ عن نصيحة الجميع بأسلوب جميل و كأنه أسلوب والدتها دلال رحمها الله ..
ذات يوم كانت مها تمشي مع معلمتها هند و التي تحبها كثيرا ..
فرأتها إحدى المعلمات فأرادت أن تقبلها .. فلما اقتربت من وجهها ابعدت مها وجهها فجأة و بسرعة و كانت تنظر إلى وجه المعلمة و كأنها رأت ما يسوؤها .. فزعت المعلمة لهذا الفعل فسألتها : " وش فيك حبيبتي ؟ "
فقالت صغيرتي : " هذا ما يحبه ربي " و اشارت إلى حواجب تلك المعلمة ..
تقول تلك المعلمة : كنت اقرأ حديث رسول الله صلى الله عليه و سلم : " لعن الله النامصة و المتنمصة " و لكنني لم أعيه بقلبي إلا الان ...
كانت الاتصالات من زميلاتها لا تقف عن بيت أديم .. فقد كانوا يحبونها كثيرا ..
و دائما ما كانت صغيرتي تقص لي قصصها مع زميلاتها و هي تنصحهن و تعلمهن على أخطائهن ..
و كم مرة قرأت رسائل صديقاتها الصغيرات في حقيبتها ..
" أحبك يا مها " .. " ياليتنا خوات " .. " مها أحسن صديقة عندي " .. " مها و لجين أحلى وردتين " ..
و حتى أن الكثيرات منهن شاركن معها في دار التحفيظ ليحضين بالقرب منها .. و حتى يكن من صديقاتها المقربات ..
أخذتها ذات يوم إلى السوق لنشتري لها بعض الأغراض التي تحتاجها ..
كنا نسير في أحد الممرات و كانت صغيرتي ممسكة بيدي ..
فجأة تركت مها يدي و ركضت تجاه مجموعة من النسوة يدخلن أحد المحلات ..
ركضت وراءها و أنا اناديها : " مها .. مها .. "
فدخلت معهن المحل ثم أمسكت بعباءة إحداهن ..
نظرت إليها تلك المرأة مستغربة .. فأنزلت اليها رأسها ..
فهمست اليها صغيرتي و أنا أرى الموقف من خارج المحل ..
فقامت هذه المرأة فقبلت صغيرتي و هي تضحك ..
فلما رجعت مها سألتها : " وش قلتي للحرمة ؟ "
قالت : " قلت لها ربي ما يحب هذي العبات " ...
فقمت و قبلتها بين عينيها و شكرتها .. و قلت في نفسي ما شاء الله عليك تعرفين تفرقين بين عباءة الكتف و عباءة الرأس ..
لقد ذكرتيني يا صغيرتي بأمك رحمها الله في نشرها للخير ...
انتهينا من شراء أغراضنا .. فلما أردنا الخروج فاذا بذلك الصبي الذي يجلس على قطعة كرتون بجانب الباب .. و أمامه مسجل و بعض الاشرطة .. و قد رفع صوت المسجل بأحد أشرطة الأناشيد و التي فيها دف ..
انطلقت اليه مها و هي تحمل كيستها الصغيرة و قد بان على وجهها الغضب ظنا منها أن هذا الصوت صوت غناء ..
فوقفت أمام هذا الصبي و قالت بصوت عالي : " حرااااااااااام .. حراااااااااااام .. قال صلى الله عليه و سلم ( المسلم أخو المسلم ... ) " ... فلم تحفظ صغيرتي سوى هذا الحديث و لذلك استشهدت به ..
المهم ان الصبي لما رأى حماس مها في الانكار و وقوفها أمامه بهذه الهيئة قام فأطفأ مسجله على الفور ..
ثم عادت صغيرتي إلى أدراجها سالمة ...
في الفصل الثاني من سنتها الأولى في المدرسة .. طلبت مني صغيرتي أن تلبس العباءة فقد كبرت على حد قولها ..
كنت أضحك عندما كانت تتصل على هاتفي الجوال فتذكرني بأن لا أنسى أن اشتري لها العباءة ..
بل و تقول " أبغى عباة راس " ...
ضحكت من أسلوبها و هي تحرصني أن أشتري لها هذه العباءة ..
بعد أول يوم دراسي في هذا الفصل .. ذهبت لأخذها كعادتي في وقت الظهيرة .. فوجدتها حزينة كسيرة البال ..
سألتها عن السبب فرفضت أن تجيبني ..
بل أنها أبت أن تأكل الايس كريم ذلك اليوم ..
ألححت عليها ..
فأخبرتني أخيرا " ليه ما جبت لي عباءة راس ؟ اليوم رحت المدرسة و الرجال شافوني "
ضحكت كثيرا و قهقت .. فغضبت أكثر ..
فلما رأيت ذلك منها قلت لها : " الحين نشتري لك عباة "
فعلا بعد العصر مررنا أحد المحلات فلم نجد عنده بمقاسها ..
فطلبت منه أن يخيط لنا عباءة رأس بمقاس صغيرتي .. فلما سمعت ذلك انفرجت أساريرها ..
بعد ثلاثة أيام لبست صغيرتي مها عباءة الرأس في ذهابها إلى المدرسة ..
ما أجملها و أنت ترى تلك الفتاة الصغيرة بعباءة المرأة المحتشمة .. شامخة بحجابها .. رافعة رأسها و كأنها إحدى المعلمات ..
مضى اليوم الأول بعد أن لبست العباءة و هي لا تكاد تحملها الأرض من الفرحة و السرور ..
كل المعلمات أتين ليرينها بعباءتها .. حتى أنها أبت أن تخلعها في الفصل حتى أتت معلمتها هند فأقنعتها بذلك ..
ثم قامت معلمتها هند فأقامت لها حفلا صغيرا في المدرسة حتى يتعلمن منها الأخريات ..
فتحفزت همم صديقاتها و بدأن ينكرن على أخواتهم ممن يلبسن عباءة الكتف .. و كل واحدة تقول للأخرى : " اذا كبرت أبلبس عباة راس "
لما سمعت إحدى معلمات المرحلة الثانوية في إحدى المدارس عن الخبر من طريق زميلتها المعلمة في مدرسة ابنتي مها .. أرسلت إلينا بخطاب تطلب منا أن نُحضر مها إلى المدرسة الثانوية في يوم الثلاثاء القادم لأنهم سينظمون برنامجا عن أهمية الستر و العفاف الظاهري و الداخلي و ستكون صغيرتي ملكة الحفل عندما تدخل عليهم شامخة بعباءتها الصغيرة ..
لبينا طلب المعلمة و طارت صغيرة فرحا بهذا الخبر .. فهي ستلبس عباءتها و تدخل إلى مدرسة البنات الكبيرات ..
كانت مها تنتظر ذلك اليوم بفارغ الصبر ..
و كنت أشجعها فأعد العدة معها و أشتري لها ما تحتاجه في ذلك اليوم ..
فشراب أسود جميل و ساتر .. و قفازان صغيران .. و باقة من الأشرطة المختارة لتوزعها على من تقابلهن من الفتيات ...
في يوم الثلاثاء و بعد صلاة الفجر ..
رجعت لأوقظ صغيرتي لتصلي ثم تستعد للذهاب إلى المدرسة ..
فقد نامت مها عندي ليلة البارحة لأن ( خالة أديم ) متعبة .. و المدرسة الثانوية قريبة من بيتنا ..
أنا أعلم أن مها لم تكد أن تنام تلك الليلة من شدة فرحتها ..
أيقظتها فقامت بسرعة ثم ذهبت لتتوضأ و تصلي ..
بقيت في غرفتي أنتظرها ..
كنت أتفكر في هذه الفتاة الصغيرة و كم السرور أدخلته على قلبي بفضل الله ..
فقمت أحمد الله كثيرا على فضائله و نعمه التي لا تعد و لا تحصى ..
كنت أتفكر في نفسي .. هل كنت أنا هكذا عند والديّ رعاهما الله ..
هل هما يحباني كما أحب أنا مها ..
بألتأكيد نعم ...
سقطت دمعاتي و أنا أسمع والدتي تناديني أنا و مها لوجبة الافطار ..
كنت أتصورها تحبني كما أحب أنا مها ..
بقيت أتذكر مواقفي و أنا صغير مع والدي و والدتي ..
بقيت أتفكر في قلب الأم ..
فتذكرت قلب الأم و حنانها ..
و تذكرت قلب الأم و أثرها على أبنائها ..
و تذكرت قلب الام و كيف أنها تستطيع أن تصنع جيلا لا يطأطأ الرأس و يتمنى الخير لكل الناس ...
أمسكت بقلمي فكتبت : " أمي .. كم أنا أحبك ... "
قطع حبل أفكاري صوت مها : " بابا كذا حلوة ؟ "
إلتفت إليها فرأيتها شامخة بعباءتها ..
ابتسمت ..
ضحكت ..
فرحت بجمالها و كمال أنوثتها ..
فرحت بجمال روحها و أدبها و رزانتها ..
رجعت الى ورقتي فكتبت فيها :
" أبي أحبك من أعماق قلبي .. "
قاطعتني مها :
- بابا وش تكتب ؟
- أكتب رسالة ..
- لمين ؟
- لماما فاطمة ..
- بابا .. أكتب رسالة لماما دلال و قلها إني كبرت ..
نزلت قليلا عن السطر الذي كتبته ..
ثم كتبت تحته :
" زوجتي الغالية دلال .. مها كبرت "
~.~.~.~.~.~.~.~.~.~
في الختام ..
الحمدلله أولا و آخرا و ظاهرا و باطنا ..
اللهم لا نحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك ..
أرجو من الله العلي القدير أن تكون هذه القصة قد نالت على رضاه أولا ..
ثم نالت و لو شيئا قليلا من رضاكم و إعجابكم ...
... أحمد ...
EEEQQQDDD@HOTMAIL.COM
من أراد نشرها فله ذلك ..
بشرط أن ينقلها كما هي كاملة حتى نهاية هذه الجملة ...
لكم مني أطيب تحية ,,
و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته ,,,
• • •
,,, منقووووووووووول ,,,
|
|
|