وَفِي الغَد .. صليت العشاء بعد أن أنهيت أعمالي .. واتجهت إلى دكانه
لأقضي ليلتي تلك بأحداث الغياب وحكاية العشّاق التي لا أدري عنها
فلما رآني أقبَلَ إليّ ورحّب ترحيباً يليقُ بي .. قلت له : أكل هذا شوق ؟!
قال : لن تصدقني لو قلت أنني منذ الساعة الثامنة صباحاً وأنا أترقب
ملامحك بين المارّة وأتفقد طيفك من بعيد .. كذلك في العصرِ والمغربِ
وها أنتَ قد أتيت ، قلت : لقد وعدتك ولا أحب أن أخلف وعدي إلا
بضرورةٍ قاسية وأقدم عُذري لمن يهمّه .. كيف هي حالتك الليلة ؟
قال : لقد كانت حالتي بالأمس يسيرة وبعيدة عن ممرات الذكريات وما
علمتُ أن أحداً سيعيد إلي ر يحاً من ريح الماضي .. ولا لوناً من صورته
وزاد حزني حزناً ، قلت : ما كان ذلك في يدي ولكني طوع نفسي ..
فأشفقت عليك وفكرت بك بعد أن تركتك ليلة البارحة .. ولم تفارقني
دقيقة واحدة حتى وجدتك .. فما حلّ بك غريب على شابٍ عرفته ذكياً
وودّعته واعياً .. وهذا ما دعاني إلى التفكير ، نظرَ إلي نظرة طويلة
فقال بعدها : هل أنتَ مصرّ على القصة ؟ ، قلت : أظنك على علمٍ
بالإجابة ! ، قال : حسناً .. أترى ذاك البيت ، فأشر بيده على بيتٍ نائي
قلت : نعم مابه ؟! ، قال : كان ذاك منزلهم قبل عشر سنوات .. ماتت
أمها وهي ابنة الرابعـة .. وظلت تحت عين ويد أبيـها حتى تزوج
أخـرى .. وكـنت آتي إلى هنا برفقـة والدي وأعاونه على أعبـاء
البضاعة وأرهق جسدي من أجلهِ .. وأبيها على معرفة سابقة بوالدي
فإذا جاء إلى هنا رافقَته في بعض الأحيان وما كانت تعني شيئاً لي ..
كبرت ونمى خاطرها فصارت تأتي في بعض الأحايين مع زوجة أبيها
حتى مضت سنيناً وانتقلوا من ذاك البيت إلى هذا المنزل ، وأشر عليهِ
فإذا به نافذة شمالية مطلّة على الدكان ، وبابه من الجهة الشرقية
قال : هل ترى تلك النافذة ؟ ، فحرّك هاجسي بعد أن كنت منسجماً معه
قلت : نعم مابها ؟ ، قال : تلك نافذة حُجرتها مابين الأوقات تقف وتطل
على هذا الشارع وكأنها تطل على روحي وإن هيَ عادت بعد غيابها !
وضعت قفص الكناري على طرفهِا لتريهم النور بعد الظلام وما تعلم
أنها تشرقُ على ذاك الشارع فتسطع بضوئها ، قلت : أسحَرك طيفها ؟
قال : لا ولكن باطنها جرّني إلى ظاهرها فأصبح داخلها وخارجها واحداً
وهو الجمَال وكانوا البائعين هنا يقضون يومهم بالحديث ويتسلون مع
من يعرفون أما أنا فأقضي يومي بين بضاعتي وسلوتي هي إطلالتها
وبزوغها ، قلت : هل حدث هذا في يومٍ وليلة ؟ ، قال : بداية الأمر
مات أبي بعد سنتين من سكنهم وأتت مع زوجة أبيها برفقتهِ إلى بيتنا
للعزاء .. وبعد عدة أيام منه جئت إلى هنا لأتفقد الدكان فوجدت الخضرة
قد تعفنت والفاكهة قد فسدت وكان والدي يوصيني عليه دائماً وأنه هو
زادنا ومعاشنا قاطعته : رحمه الله تعالى وأسكنه الجنة ، أكمَل : اللهم
آمين .. فرفعت أكمامي وأكملت طريق أبي .. حتى رفعت رأسي ذات
يومٍ فرأيتها قادمة .. حتى وصَلت إليّ وسلَّمَت ..
* * *
كونوا من المنتظرين ..
علّق عليها مباشرة | زوايَا
د / ماسنجَر ..
صبَاح الخير
__________________
[POEM="type=1 font="bold large 'Traditional Arabic', Arial, Helvetica, sans-serif""]على مهلك .. ترى ذكراك ماتت = وأغصان الفراق اليوم حيّه
عيوني .. عن لقاك اليوم صامت = وحبّك زال عن دنياي ضيّه[/POEM]
سَلمان
|