ننشغل كثيرًا بأخطاء الآخرين وعيوبهم ، وعيننا الناقدة تكون مبصرةً واعيةً لأيِّ خللٍ ونقصٍ يعتري الغير ، وفي الوقت نفسه نرتكب أخطاءً أعظمَ مما انتقدنا الآخرين عليها دون أن نكلف أنفسنا عناء التفتيش عنها ومعالجتها .
ما أجمل أن نشغلَ أنفسَنا بأنفسِنا دون اهتمام بالآخرين ، فتكون العين الناقدة أكبر معين لنا على تطوير أنفسنا ، ومعالجة أخطائنا .
لست أرفض النقد المفيد الذي يبدي العيوب وفي الوقت نفسه يتقبل النقد ذاته من الآخرين ، ولكني أقول : إن هناك خللاً في منهجية النقد لدينا والتعاطي معه والاستفادة منه ، حتى أصبحنا – مع الأسف – لا نجيد إلا العزف على أوتار الآخرين دون أن نطرب ، ولا أدلَّ على ذلك من بقاء الشخص على وتيرة واحدة في سلوكه وتفكيره وأفعاله رغم توالي السنين عليه ؛ لأنه يعتقد أن الحقيقة والصواب والذكاء متجسدة في تصرفاته ، وأقواله ، وأفعاله ، وطريقة تفكيره ، وهو طوال تلك السنين منشغل بملاحقة الآخرين في تصرفاتهم وأعمالهم ، فهم تقدموا ومضوا في طريق الحياة ، وهو ما زال في في مؤخرة الركب ؛ لانشغاله بما لا يفيد .
فكم شخصٍ انقطعنا عنه لسنوات طويلة ثم التقينا به بعد مضي وقت ليس باليسير فنجده ذلك الشخص الذي عرفناه دون تغير إلا تغير الشكل الذي تفرضه سنة الحياة قسرًا .
ولتدرك حقيقة ما أقول اجلس في أي مجلس كبارًا كانوا أو صغارًا ، رجالاً كانوا أو نساءً فستعجب من كثرة النقد الموجه للغير وزيرًا كان أو كاتبًا أو أو أو .. ، ومن المستحيل أن ترى من ينقد نفسه ، أو على الأقل من يعترف بخطئه ؛ لأن الاعتراف بالخطأ دليل الانهزام أمام الخصم – هكذا ربانا المجتمع وكأننا في معركة وليس في حوار فلا بد من منتصر ومهزوم !! - ، وكثيرًا ما نواجه مواقف يدرك فيها أحد الأطراف خطأه ولكنه يأبى التراجع عن فكرته أو صواب تصرفه ؛ لأنه يعتقد أن التراجع أو الاعتذار ضعف أمام الآخرين !! وما علم ذلك المسكين أن التراجع عن الرأي أو الاعتذار دليل على أن ثمة عقلاً مفكرًا يستفيد منه في توجيه تصرفاته ومواقفه وآرائه نحو الصواب ما استطاع إلى ذلك .
ويُعييك البحث عن شخص يتقبل برحابة صدر نقد الآخرين لعمله ، أو مقال كتبه ، أو تصرف قام به أو أو .. ، بل تجد أن النقد بمفهومه السائد لدينا يعني الإساءة ، والتشكيك بالقدرات ، والانتقاص من الإمكانيات . وهذا المفهوم يجب أن يعالج بضرورة نشر ثقافة النقد بين الأفراد ، وتقبلها ، والقضاء على فكرة الصواب المطلق التي سيطرت على عقول كثير من الناس ، وهذا ما نقرأه في ردود أفعالهم وحساسيتهم من النقد . وقبل هذا يجب أن يكون النقد لذواتنا أكثر من نقدنا للآخرين ، والانشغال بما يقومون به ، وثق أن انشغالك بغيرك لن يجلب لك أي فائدة ، بل هو عائق لك في حياتك وأهدافك .
فمتى ندرك أن للحقيقة أوجهًا كثيرة ؟ ومتى ندرك أن تصرفاتنا لا تمثل الصواب بل تعرض عليه ؟
تحياتي ،،
4/11/1431 هـ