أشكرك يا فتى اللواء خذ الأدلة أحسن ..................... بورك فيك
أَمَا وقد حُبس قَطْرُ هذا الموسم عن العباد فإن الأمر خطير، وما ينتج عنه شديد، وما هو إلا من إنذار الرب للعباد؛ فإنه سبحانه يخوفهم بآياته {وَمَا نُرْسِلُ بِالآَيَاتِ إِلَّا تَخْوِيفًا} [الإسراء: 59] فعسى أن يكون فينا من الخوف ما يجعلنا نحاسب أنفسنا، ونتوب إلى الله تعالى من معاصينا، ونلزم طاعة ربنا، فما نزل بلاء إلا بذنب ولا رفع إلا بتوبة كما قال العباس بن عبد المطلب رضي الله عنه، ونعوذ بالله العظيم أن نكون من أهل قوله سبحانه وتعالى {وَنُخَوِّفُهُمْ فَمَا يَزِيدُهُمْ إِلَّا طُغْيَانًا كَبِيرًا} [الإسراء: 60].
إن حبس القطر، وغور المياه، وجدب الأرض، وقلة الثمر، وفساد الزرع، وهُزَال الماشية إذا أصاب قوما فإنه يكون ابتلاء للمؤمنين الطائعين، وإنذارا للعصاة المسرفين، والعقوبة إذا كتبت على قوم أصابتهم جميعا {وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ شَدِيدُ العِقَابِ} [الأنفال:25].
ولهذه العقوبة الربانية والإنذار الإلهي أسباب بخصوصها دلَّ الشرع عليها، كما أن عموم المعاصي أسباب لعموم المحن والبلايا بقول الله تعالى {وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ القُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ} [هود: 117] وفي آية أخرى {وَمَا كُنَّا مُهْلِكِي القُرَى إِلَّا وَأَهْلُهَا ظَالِمُونَ} [القصص: 59] وفي آية ثالثة {وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ} [الشُّورى: 30].
وبخصوص قطر السماء دلت النصوص على أن تقصير العباد في تحصيل أسباب كمال الإيمان، وكسلهم عن تحقيق التقوى، وميلهم إلى الهوى سبب لمنع القطر {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ القُرَى آَمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} [الأعراف: 96] ومن بركات السماء الغيث المنزل، ومن بركات الأرض اهتزازها بالزرع، وزينتها بالخضرة، ولا يملك ذلك إلا الله تعالى، وذلك من رزقه في السماء والأرض {هُوَ الَّذِي يُرِيكُمْ آَيَاتِهِ وَيُنَزِّلُ لَكُمْ مِنَ السَّمَاءِ رِزْقًا} [غافر:13].
ودلت السنة النبوية على أن بخس الموازين، والغش في التجارات سبب للجوع والقلة، وبه تنزع البركة من الأرزاق وأن منع الزكاة سبب لحبس القطر؛ كما في حديث ابن عُمَرَ رضي الله عنهما قال: (أَقْبَلَ عَلَيْنَا رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فقال: يا مَعْشَرَ الْمُهَاجِرِينَ خَمْسٌ إذا ابْتُلِيتُمْ بِهِنَّ وَأَعُوذُ بِالله أَنْ تُدْرِكُوهُنَّ....وذكر منها: ولم يَنْقُصُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ إلا أُخِذُوا بِالسِّنِينَ وَشِدَّةِ الْمَئُونَةِ وَجَوْرِ السُّلْطَانِ عليهم ولم يَمْنَعُوا زَكَاةَ أَمْوَالِهِمْ إلا مُنِعُوا الْقَطْرَ من السَّمَاءِ وَلَوْلَا الْبَهَائِمُ لم يُمْطَرُوا) رواه ابن ماجه.
|