مشاهدة لمشاركة منفردة
قديم(ـة) 04-12-2010, 11:17 PM   #1
مساهم2
Registered User
 
تاريخ التسجيل: Aug 2010
البلد: حي الخليج
المشاركات: 28
الإيثار و (خلك مع الاولين لو بحلق اللحى ) !!


عنوان هذا الموضوع الغريب بعض الشىء ، ملخص موقف حدث معي ، تأثرت به
كثيرًا ، فصُغته وكتبته على شكل قصة قصيرة ، بحثت عن عنوان لها فلم أجد أبلغ من هذا العنوان مع طوله :
الإيثار .. بين إمكانية التطبيق ورسوخ المثل البائد:
خلك مع (الاولين)لو بحلق اللحى!!
إليكم القصة :

(العوالي) أحد أحياء مكة الراقية .. هناك اجتمع عشرات الرجال والنساء لتناول وجبة الغداء في منزل الشهم الكريم سليمان ..
السيارات وما حولها عند باب المنزل ، يوحي بأن هذا الجمع في مناسبة غيرعادية .
حضرت بعد الظهر بقليل ، برفقة والدتي وأخي ، كنا متأخرين بعض الشيء ، إلا أني لم أكن أتوقع أن الضيوف قد بدأوا بالخروج باتجاه حافلة نقل قد ركنت أمام هذا المنزل ..
أسرعنا في إنزال عربة الوالدة المتحركة لتحميلها في الباص ، وركبنا معهم مباشرةً ..
انطلقنا على بركة الله - والكل يبتهل ويلبي - باتجاه عرفة ..
لا أستطيع أن أصف شعوري تلك اللحظة العظيمة ، خاصة وقد تيسر لنا الوصول للحرم للطواف والسعي ـ بسيارتنا الخاصة ـ قبل الظهر بكل يسر وسهولة ..
على غير المعتاد في كل عام ، كانت الحافلة التي تقلنا مليئة بالحجاج عن آخرها ..
صادفت فيها أحد طلابي في الثانوي في العام الماضي ، وكان جالسا في المقعد الذي أمامي تحديدًا ، ووالدُه وأخٌ يصغره أمامهُ بمقعدين ، في الجهة اليسرى من الباص ..
سلمت عليه بحرارة ، وأبديت سعادتي وحفاوتي بلقائه ..
أذكر تميزه العلمي ، وأعرف بيته المحافظ ونشأته الخيرة ..
هذا الطالب تخرج بنسبة لا تقل عن 98% إن لم تخني الذاكرة ..
تلك النسبة أهلته لدخول تخصص نادر هو جدير به ..
شد انتباهي ـ ونحن نسيرـ شخص واحد فقط لم يجد له مكانًا إلا بالوقوف بين الكراسي ممسكًا بأقرب مرتبة إليه !
قلت في نفسي : ليتهما اثنان أو ثلاثة ليخف الحرج عليه بعض الشىء ..
من حسن الحظ أو من سوئه .. لا أدري ، أنه وقف ممسكًا بالكرسي الذي أمام هذا الطالب ..
لم أشك حينها أن صاحبي الأنموذج ، سيلقي درسًا فوريًا في الإيثار ونبذ الأنانية لجميع الركاب ..
خُيل إلي أن هذا الرجل سيكون أسعدنا بالوصول ، كسعادة إقامة الصلاة لمن خانه تقدير الإقامة فدخل المسجد وظل واقفا منتظرًا ، يظن أن كل من في المسجد يفكر بوقوفه الطويل !!
تعجبت كثيرًا من شفقة الطالب على الرجل ، والتي أبت أن تحضر حتى والباص يرتج بنا يمنة ويسرة ، ومشهد الرجل الذي يزيد عمره عن الخمسين يدعو للشفقة والإيثار دون أي تردد ..
وتألمتُ أكثر من الموقف السلبي للركاب الخمسين ، وكأنهم اتفقوا جميعا على الصمت المطبق تجاه هذا الموقف !
استغرقت في تفكير عميق وأنا أشاهد وأتأمل الحدث ..
أشفقت على الآباء .. كيف يفوتون هذه الفرصة ويتركون توظيف هذا الحدث في هذه المناسبة الفريدة ، ليكون درسًا عمليًا لأبنائهم المرافقين ؟!
أما أنا .. فثمة أسباب جعلتني لا أبادر بإيثار النفس ..
فحيائي من أحمد منعني من مبادرةٍ قد توقعه في حرج معي ، لا سيما وأنا أعرف قدر معزتي عنده .
يا الله .. كيف تفوت هذه الفرصة في موقف كهذا ؟! وعن طالب مثل هذا ..؟!
هكذا ظللت أفكر وأتساءل مرة أخرى ، باحثًا ومنتظرًا لفرج يريح الرجل من معاناته وحرجه الذي طال في نظري ربما ..
ازداد قلقي حتى مللت الانتظار وبلغ صبري منتهاه ، فعزمت أن يكون أحمد هو بطل مشهد توقير الكبير وإيثار النفس ـ ولو بالتذكير ـ والذي سيبدأ الآن ..
غمزتُه خافتًا ـ وهو القريب من الرجل ـ أن يطلب منه الجلوس بعدما أشعرته بصعوبة موقفه بطريقة غير مباشرة ..
ويالهول المفاجأة علي ..
التفت إلي وقال:
أين يجلس ؟!
بمكاني؟! (كان يسألني مستغربًا)!!
أجبته بسرعة وأنا أخفي حزني وامتعاضي من سذاجته وقلة فطنته فقلت :
أو بمكاني .
رفض الرجل الانصياع لطلب أحمد بالجلوس رفضًا قاطعًا !!
لعل برودة الطلب أو تأخره سبب هذا الرفض الغريب والمنطقي في نفس الوقت !!
أردت ألا أفوت هذه الفرصة لإيقاظ و تعليم هذا الشاب درسًا عمليًا في إيثار رغبات النفس وتوصيات الغير الأنانية ..
ابتسمت هامسا لصاحبي :
الرجل رفض الجلوس وأنت نلت الأجر بمجرد نيتك الحسن
يا أحمد !!

إشارة :

(محبة النبي صلى الله عليه وسلم تزكو وتنمو بقراءة السيرة النبوية ، فيا حبذا أن يكون لك ورد تقرؤه من السيرة ، لتحكم ربط علاقتك مع الرسول صلى الله عليه وسلم ، حتى لا يكون اقتداؤك مجرد كلمة تقال ... ولو أنا عرضنا سيرته وشخصيته صلى الله عليه وسلم بالشكل الصحيح لأولادنا (وطبقناها عمليا) لما ابتغوا عنه بديلا) .
من الكتاب الروعة: مع المصطفى صلى الله عليه وسلم لسلمان العودة زاده الله من فضله
مساهم2 غير متصل