أحبتي :- لقد قضت حكمة الله وتجلت أن يمر بالإنسان في أيام العام أربعة فصول .. الصيف .. الشتاء .. الخريف .. الربيع ,
وكل ذلك بحكمة قدرها الله وقضاها قبل أن يخلق الخلق بآلاف السنوات , وصدق سبحانه القائل عن نفسه
[ إنه عليم حكيم ] , فسبحان مقدّر الأحوال , ومقسم الأرزاق والآجآل .. !!
إلا أن المسلم العاقل اللبيب يجب عليه أن يكون له مع هذه الفصول وقفات يستنير بها فؤاده ,
ويزداد به فكره , حتى لا يكون كهامش في الحياة تمر عليه هذه الوقفات من حيث لا يشعر , فهو
يعلم أنه عاقل يملك فكرا ميّزه الله عن غيره بهذا المُلْكَ العظيم
[ العقل ] .. !!
إذا تقرر ذلك واستقر فتحتم علينا أن نتناول هنا بعض الوقفات والفوائد من هذا الفصل الشتائي
حتى نستفيد من وقفاته , ونستلهم من دروسه , حكما وعبرا .. !!
فأقول اعلم - وفقني الله وإياك لمرضاته - أن لفصل الشتاء دروس منها ما يعود لنفسك ,
ومنها ما يكون لمجتمعك , كما أن منها ما يكون لآخرتك ,
{ فخذها بقوة } , وهي :-
1] عندما حلّ بك الشتاء وتجمّل , فهل تذكرت حال بيوت الفقراء الذين لا يملكون مؤونة فصل
الشتاء , إنهم فقراء ينامون بلا طعام , ويقومون في منتصف الليل من زمهرير برد الشتاء ,
فهل رأفت بحالهم , وهل رق قلبك لمآلهم .. !!
حبيبي الغآلي : يحدثني أحد زملائي عن بيوت من البيوت تعيش حال الفقر والضنك في العيش , وقد
بقي معه في يوم من الأيام شيئا من العشاء فذهب به إلى هذه البيت في قرابة الساعة 11:00 ليلا
في الشتاء , وإذا بالعجوز صاحبة المنزل تقوم وتأخذ العشاء وتحلف له أيمانا مغلظة أن أبنائها قد
باتوا بلا عشاء , وأنها ستوقظهم الآن لتناول هذا الطعام .. !!
صدقني أن رأس شعري قد شاب عندما علمت أن أناسا قريبون من بيوتنا يعيشون هذا الحال بلا
وعي منا وتفكر , ولن أطيل في هذه الوقفة ففي الإشارة بلغة وكفاية .. !!
2] تأمل هذا الحديث {
عن الزهري في آية : {لا يرون فيها شمسا ولا زمهريرا} قال: حدثني أبو سلمة
عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "اشتكت النار إلى ربها، فقالت: يا رب
أكل بعضي بعضا فنفسني، فجعل لها في كل عام نفسين نفسا في الشتاء، ونفسا في الصيف. فشدة
البرد الذي تجدون من زمهرير جهنم، وشدة الحر الذي تجدون من حر جهنم" }
فإذا ازداد عليك البرد واشتد فخذا هذا الحديث وتأمله وضعه بين عينيك واعلم أن شدة هذا البرد من زمهرير جهنم .. !!
3] يقول النبي صلى الله عليه وسلم
{ الشتاء ربيع المؤمون .. ليله طويل للقيام , ونهاره قصير
للصيام } أو كما قال النبي صلى الله عليه وسلم , فعليك بتربية النفس على هاتين العبادتين .
4)
ذهب ابن القيم -رحمه الله- إلى أن الوضوء بالماء البارد في شدة البرد عبودية : أي لأنه دليل
على قوة إيمان هذا المتوضئ حيث لم يترك الطهارة بسبب برد الماء، ومما يشهد لهذا
قوله -صلى الله عليه وسلم- في الحديث الصحيح
ألا أدلكم على ما يمحو الله به الخطايا ويرفع به
الدرجات؟ قالوا: بلى يا رسول الله. قال: إسباغ الوضوء على المكاره، وكثرة الخطى إلى المساجد
وانتظار الصلاة بعد الصلاة، فذلكم الرباط
رواه مسلم , فعد - صلى الله عليه وسلم- إسباغ الوضوء على المكاره من الرباط، وبين فضله وأجره.
فإذا ضاقت بك النفس وتضجرت من هذا الوضوء في هذا البرد فتذكر أنها عبودية حتى تقمع هذه النفس وتقهرها .. !!
* لا يسمح بنقله إلا مع ذكر المصدر .
* كتبه محبكم المعتز بدينه من ظهر يوم الثلاثاء ليوم الخميس 24/1/1431هـ في تمام الساعة 2:15 م