بسم الله الرحمن الرحيم
ماذكرته في الأعلى سماعا سمعته أما ما نقلته في الأسفل فهو رسالة كتبت كتابة
صاحب الفضيلة الشيخ / سليمان بن ناصر العلوان حفظه الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته 0
فأسأل فضيلتكم عن حكم كشف المرأة لوجهها مع تغطيتها لرأسها ، ورقبتها بحيث لا يظهر إلا وجهها للأجانب 0
أفيدونا مأجورين . والله يحفظكم ، ويرعاكم 0
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته 0
الأخ المكرم .............................. حفظه الله تعالى
عليكم السلام ورحمة الله وبركاته 0
الجواب : يأتي الحجاب بمعنى تغطية رأس المرأة وشعرها ، وعنقها ، وهذا واجب عن الأجانب بالإجماع ، ومن لم تأت به فهي آثمة عاصية ، ومن جحدت وجوبه ، وأنكرت ذلك فهذا تكذيب لكلام الله ، وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم ، وتحليل للحرام المجمع على تحريمه ولا يختلف العلماء أن هذا كفر 0
ويأتي الحجاب ، بمعنى الجلباب الذي تغطي به المرأة وجهها ، وهذا مختلف في وجوبه دون سنيته ، والصواب أنه يجب على المرأة تغطية وجهها ، وفي وقت الفتنة أشد لقوة الأدلة في هذا من كتاب الله تعالى ، ومن سنة رسوله صلى الله عليه وسلم 0
قال الله تعالى { يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً } 0
قال عبد الله بن عباس رضي الله عنهما ، في تفسير الآية : أمر الله نساء المؤمنين إذا خرجن من بيوتهن في حاجة أن يغطين وجوههن من فوق رؤوسهن بالجلابيب ، ويبدين عيناً واحدة . أخرجه ابن جرير في تفسيره ، وفي صحته خلاف ، فقد رواه عن ابن عباس علي بن أبي طلحة ، ولم يسمع منه ، ولكن ثبت أنه يروي بواسطة مجاهد ، وعكرمة وهما ثقتان ، فانتفت علة الانقطاع 0
وفي إسناده عبد الله بن صالح كاتب الليث . مختلف في توثيقه ، وقد اعتمد الإمام البخاري رحمه الله تعالى على صحيفته التي رواها عن معاوية بن صالح ، عن علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس رضي الله عنهما 0
ووثقه عبد الملك بن شعيب ، وابن معين ، وجماعة 0
وقال عنه الحافظ ابن حجر ( صدوق كثير الغلط ثبت في كتابه، وكانت فيه غفلة ).
وهذا الأثر من كتابه ، وليس من حفظه ؛ فإذا لم يخالف غيره من الثقات فصحيفته مقبولة . والله أعلم 0
وجاء عن ابن عباس رضي الله عنهما في معنى الآية قول آخر ، والصواب من ذلك ما وافق الأدلة الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم من تغطية الوجه ، وأنه عورة لا يجوز كشفه لأجنبي 0
وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم ( المرأة كلها عورة فإذا خرجت استشرفها الشيطان ) قال أبو عيسى هذا حديث حسن صحيح 0
وهذا الأصل في المرأة فلا تكشف من بدنها شيئاً بدون دليل صحيح صريح ، ولا يختلف ذلك ، من بلد إلى آخر ، ولا من امرأة إلى أخرى ، وحكم المحرمة في ذلك حكم غيرها . وقد روى مالك في الموطأ بسند صحيح عن هشام بن عروة ، عن فاطمة بنت المنذر أنها قالت : كنا نخمر وجوهنا ونحن محرمات . ونحن مع أسماء بنت أبي بكر الصديق رضي الله عنها 0
وقال عمر رضي الله عنه وافقت ربي في ثلاث ، قلت : يا رسول الله لو اتخذنا من مقام إبراهيم مصلى؟ فنـزلت ( وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى ) وآية الحجاب ، قلت يا رسول الله لو أمرت نساءك أن يحتجبن فإنه يكلمهن البر والفاجر ، فنـزلت آية الحجاب ، واجتمع نساء النبي صلى الله عليه وسلم في الغيرة عليه ، فقلت لهن : عسى ربه إن طلقكن أن يبدله أزواجاً خيراً منكن ، فنزلت هذه الآية . أخرجه البخاري في صحيحه (402) من طريق حميد ، عن أنس رضي الله عنه 0
وأساس الفضيلة في المرأة الحياء ، فهو الذي يبعث على الحشْمة والعفة ، فإذا ذهب تهيأت لكل رذيلة ، واندفعت في التبرج والزينة ، والصدور للرجال ، في الشوارع والممرات ، والقنوات الفضائية ، والصحف ، بدون غطاء الوجه ، ولا حشمة 0
وجاء البخاري في صحيح البخاري (4758) من طريق ابن شهاب ، عن عروة ، عن عائشة رضي الله عنها قالت : يرحم الله نساء المهاجرات الأول ، لما أنزل الله (وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ) شققن مروطهن فاختمرن بها .
قال الحافظ ابن حجر في الفتح (8/490) أي : غطين وجوههن 0
وقال النبي صلى الله عليه وسلم (من جر ثوبه خيلاء لم ينظر الله إليه يوم القيامة) فقالت أم سلمة : فكيف يصنعن النساء بذيولهن؟ قال (يرخين شبراً) فقالت : إذاً تنكشف أقدامهن. قال (فيرخينه ذراعاً لا يزدن عليه) أخرجه الترمذي في جامعه (1731) والنسائي في الكبرى (9735) من طريق أيوب ، عن نافع ، عن بن عمر رضي الله عنهما وقال الترمذي : هذا حديث حسن صحيح 0
وهذه بعض الأدلة في وجوب تغطية المرأة وجهها ، ولا تختلف زوجات النبي صلى الله عليه وسلم عن نساء المؤمنين ، ولم يثبت التخصيص ، فقد أمر الله المؤمنات بذلك وجاءت الأدلة عامة ، والذين يجيزون للمرأة كشف وجهها لا يملكون الأدلة القوية بحجم أدلة المحرمين ، وكيف يجيز الشرع الحكيم ، كشف وجه المرأة ، ويحرم كشف ما هو أدنى من ذلك بمراتب ، وهو وجوب تغطية ضفرها ، وستر قدميها ، فإن هذا من أضعف التصور ، وأبعد ما يكون عن المنطق السليم ، ونحن نرى أن الخاطب إذا أراد النظر إلى مخطوبته أول ما ينظر إلى وجهها ، وليس إلى يديها وقدميها 0
وقد أجمع العلماء على أن كشف الوجه في زمن الفتن ، وكثرة المغريات ، وانتشار الدعاة إلى الرذيلة ، أنه من المحرمات 0
وجاء في روضة الطالبين للنووي (7/21) في توجيه قول أبي محمد والإمام في منع النظر إلى الوجه والكفين . قال :
ووجهه الإمام باتفاق المسلمين على منع النساء من الخروج سافرات ، وبأن النظر مظنة الفتنة ، وهو محرك للشهوة ، فاللائق بمحاسن الشرع ، سد الباب فيه ، والإعراض عن تفاصيل الأحوال ، كالخلوة بالأجنبية 0
وقال ابن رسلان الشافعي اتفق المسلمون على منع النساء أن يخرجن سافرات الوجوه ؛ لا سيما عند كثرة الفساق 0
والمجيزون لكشف المرأة وجهها ، ليس لديهم دليل صحيح صريح يبيح ذلك ويأذن فيه فأدلتهم ما بين صريح ليس بصحيح ، أو صحيح ليس بصريح ، وأقوى ما لديهم حديث جابر . أن النبي صلى الله عليه وسلم أتى النساء ، فوعظهن وذكرهن وقال تصدقن فإن أكثركن حطب جهنم ، فقامت امرأة من وسط النساء سفعاء الخدين .... 0
وهذه اللفظة (سفعاء الخدين) جاءت في صحيح الإمام مسلم من رواية عبد الملك ابن سليمان ، عن عطاء ، عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما 0
ورواه البخاري ومسلم من طريق ابن جريج ، عن عطاء ، عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما ، وليس فيه هذه الزيادة 0
وابن جريج في عطاء أوثق من عبد الملك بن أبي سليمان 0
قال الإمام أحمد رحمه الله : عبد الملك من الحفاظ إلا أنه يخالف كان يخالف ابن جريج في إسناد أحاديث ، وابن جريج أثبت منه عندنا 0
والقول بأن الزيادة من ثقة فيجب قبولها ، دعوى غير صحيحة ، فإن أكابر المحدثين لا يحكمون على الزيادات بحكم كلي يعم كل الأحاديث ، بل يعتبرون القرائن ويحكمون على كل زيادة بما يترجح عندهم 0
وحين نعلم أن ابن جريج أوثق من عبد الملك في عطاء فإننا نقدم روايته ، ونحكم على رواية عبد الملك بالشذوذ 0
وأما حديث عائشة الوارد عند أبي داود (4104) من طريق سعيد بن بشير ، عن قتادة ، عن خالد بن دريك ، عن عائشة : أن أسماء بنت أبي بكر دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعليها ثياب رقاق ، فأعرض عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال (يا أسماء إن المرأة إذا بلغت المحيض لم يصلح لها أن يري منها إلا هذا وهذا) وأشار إلى وجهه وكفيه 0
فهذا خبر ضعيف . فخالد بن دريك ، لم يسمع من عائشة رضي الله عنها 0
وقد أشار إلى ذلك ، الإمام أبو داود فقال عقبه : هذا مرسل خالد بن دريك لم يدرك عائشة رضي الله عنها 0
وفيه علل أخرى لا أطيل بذكرها 0
وقد رواه أبو داود في المراسيل من طريق هشام ، عن قتادة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم .... ) وهذا هو المحفوظ ، ولا تثبت به حجة ، والأحاديث الصحيحة على خلافه 0
وأما النظر إلى المرأة الأجنبية ، أو نظرها إلى الرجل ، فهو على ثلاث مراتب :
الأولى : النظر بشهوة ، فهذا حرام بالإجماع 0
الثانية : قصد النظر إلى المرأة ، أو قصد المرأة النظر إلى الرجل ، بدون حاجة فهذا حرام ، ولو بدون شهوة ، لقوله تعالى { قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ . وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ } 0
ومنه حديث أم سلمة رضي الله عنه قالت : كنت أنا وميمونة عند النبي صلى الله عليه وسلم ، فجاء ابن أم مكتوم يستأذن ، وذلك بعد أن ضرب الحجاب ، فقال (قوما) فقلنا : إنه مكفوف ، ولا يبصرنا ، قال : (أفعمياوان أنتما لا تبصرانه؟) رواه أبو داود (4112) والترمذي (2778) وقال أبو عيسى : هذا حديث حسن صحيح 0
وصححه ابن حبان (12/387) 0
وقال الحافظ ابن حبيب العامري المتوفى سنة (530هـ) : إن الذي أجمعت عليه الأمة ، واتفق على تحريمه علماء السلف والخلف من الفقهاء والأئمة هو نظر الأجانب من الرجال والنساء بعضهم إلى بعض وهم من ليس بينهم رحم من النسب ولا محرم من سبب – كالرضاع وغيره – فهؤلاء حرام نظر بعضهم إلى بعض ، وهو كل من حرم الشرع تزويج بعض منهم ببعض على التأبيد ، فالنظر والخلوة محرم على هؤلاء عند كافة المسلمين لا يباح بدعوى زهد وصلاح ، ولا توهم عدم آفة ترفع عنهم الجناح ، إلا في أحوال نادرة من ضرورة ، أو حاجة فما سوى ذلك محرم سواء كان عن شهوة أو غيرها ...) 0
ولم يزل العلماء العاملون ، والأئمة المهديون ، يحذرون من اللحظات فهي سهم مسموم ، من سهام إبليس ، ويوجبون حفظ البصر ، وغض الطرف ، وقد جاء في الصحيحين عن أبي سعيد رضي الله عنه . أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (أعطوا الطريق حقه) قالوا : وما حقه يارسول الله؟ قال (غض البصر ، وكف الأذى ، ورد السلام ، والأمر بالمعروف ، والنهي عن المنكر ) 0
قال الشاعر :
وكنت متى أرسـلت طرفك رائداً لقلبك يوماً أتعبتك الـمناظر
رأيت الذي لاكـله أنت قـادر عليه ولا عن بعضه أنت صـابر
وقال بعض العلماء ( الصبر على غض البصر ، أيسر من الصبر على ألم ما بعده) 0
الثالثة : أن يكون النظر غير مقصود لذاته ، ولا يترتب عليه مفسدة ، فهذا مباح ومنه نظر عائشة إلى الحبشة وهم يلعبون بالدرق . والخبر في الصحيحين 0
أخوكم
سليمان بن ناصر العلوان
19/2/1425هـ
__________________
واتقوا يوماً ترجعون فيه إلى الله
|