15-03-2011, 03:17 AM
|
#1
|
عـضـو
تاريخ التسجيل: Jun 2007
البلد: تَحْتَ أجْنِحَتَهُم [ مُنَعَّمَةْ ] .!
المشاركات: 4,768
|
هلاّ أرعيتم النظر قليلاً .! [ مشاركة في العطاء ]
[BACKGROUND="100 #FFCCFF"]
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
طابت أيامكم ولياليكم بكل خير 
-1-
تعال ياقلمي وأكتب..تعال ﻷفرغ شحنة الهم التي تجثم على صدري.. أعلم أنه لاجديد ؛ وكأني مرغمة بأن أعيد أحداث تتكرر كل يوم ..فهذا هو مصيري ..وتلك هي حياتي ..
خرجت على هذه الدنيا ﻷبوين كانوا من الفقر لا يجدون مايطعمونني أنا وإخوتي الثمانية سوى الرغيف المتبقي من بيوت أحد التجار ؛ تبلله أمي بعصير الطماطم ليكن وجبة دسمة لنا ؛ وأيضاً بعض الثمار التي تخرج في أرض مزرعتنا الصغيرة .
كنت أحلم دائما بأن يكون لي لعبة مثل غيري من الفتيات ، ألعابي ليست سوى قطع أخشاب تناثرت جمعتها وكونت منها عائلة خرافية !
كان أجمل ما عرفته في حياتي هو أننا نصلي لله في اليوم خمس مرات , علمتني أمي كيف أقرأ فاتحة الكتاب وكيف أدعو الله وأبتهل إليه ولكني أعترف بأننا نجهل الكثير الكثير من تعاليم ديننا الحنيف .
المدرسة لا أعرفها إلا بالإسم فقط؛ فكثيراً ماكنت أسمع ابنة جارتنا الثرية وهي تحكي عن مغامراتها وصديقاتها داخل أسوار مدرستهم ؛وكيف تتعلم العلوم المتنوعة من
معلمتها وترسم الحروف بخفة متناهية , كيف كانوا يقرأون القرآن ويحفظون أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم .. حقاً أغبطها ولكن ليس لي حيلة ..فلأبقى نديمةً للجهل والألم !
كبرت وكانت لي زميلة تعاني مثل ما أعانيه .. كانت تشكو إلي همومها فأبكي همومي لديها
نتشاطر الأحزان كما هي تشاطرنا, نتسلى بها كل ليلة ونسهر على أنغام الدموع .!
أتت إلي ذات يوم وكادت تطير من الفرح قالت لي بالحرف الواحد : سوف أذهب للخليج ..هنااااك بعيداً عند العرب المسلمين ..حصلت على تأشيرة عمل وسوف أشتغل خادمة لدى
عائلة خليجية لمدة عامين وقد تطول !
يااااه
كم غبطتها لحظتها ..حتما ستودع الفقر وسترمي بالأحزان جانباً .. ستسكن عند عائلة غنية ومنزل واسع وجميل كل الطلبات مجابة ولو لم يحصل لها كل ذاك فعلى اﻷقل القليل
(ستتناول طعاماً يدعى طعام بمعنى الكلمة !) .
ذهبت صديقتي وبقيت أنا وحدي غارقة بأحلامي ..أفكر كيف أذهب إلى هناك وأعيش ملكة ؟!
-2-
ظللت بعدرحيل رفيقتي أتجرع الأحزان وحدي فلا رفيق يسمعني ولا قريب يفهمني.. وكنت أدعو في صلاتي دوماً (رب لاتحرمني العمل في تلك الديار)
بعد مرور شهرين من ذهابها تلقيت من البريد رسالة كتبت بخط يدها ومعها شريط كاسيت سجلته بصوتها ﻷنها تعرف تماماً أني ﻻأجيد القراءة وليس لدينا أي جهاز اتصال أستطيع محادثتها من خلاله ؛ أخذت الشريط وبسرعة البرق إنطلقت لجارتنا أستعير منها جهاز المسجل فلا جهاز لدينا !
دخلت غرفتي أغلقت الباب وجلست على سريري بعدما فتحت المسجل وأرهفت سمعي جيداً ؛ ما إن سمعت صوت صديقتي حتى بدأت الدموع تتساقط على وجنتي
كانت تسلم وتسأل عن الأحوال وتطمئنني عليها وآخر قولها : ( إن كنت تريدين المجيء إلى هنا أخبريني وسأتدبر أمرك )
ياااااه كم أنا سعيدة بهذا الخبر ؛ ذهبت ﻷبي المُقْعد أخبره وكلي سعادة وتفاؤل بأنه سيوافق على الفور ولكنه أبدى انزعاجه وعدم موافقته ؛سألته : لم يا أبي ؟
أجابني بكل برود : جلوسك بيننا أحب إلي من كنوز الأرض تأتيني وأنت عن عيني بعيدة .
رجعت الدموع تتحجر في عيني وصرخت فيه قائلة : إذا الفقر يعجبك فإنه لايعجبني أبداً .
وعصيت أمره ﻷول مرة في حياتي ؛ وأخبرت صديقتي بأني مستعدة للعمل هناك ؛ وبقيت أنتظر الرد .
-3-
اليوم سأغادر الفقر إلى اﻷبد .. اليوم ستتحقق أحلامي جميعها .. سأركب الطائرة ! ياترى كيف هو شكلها من الداخل ! ممم مالي وشكلها كلها سويعات وأركبها يآآآه كم أنا سعيدة .
( تتذكر فجأة حماسها غير العادي للرحلة ثم تنظر للساعة وسرعان ما تعكر مزاجها ) أوووف تباً لعقارب الساعة ما أبطأها !
سأقوم بإعادة ترتيب أمتعتي وأتأكد أني وضعت كل شيء ,أخذت أرتب الأمتعة وأضعها في الحقيبة ، لبست واستعديت للخروج ثم سلمت على أهلي الذين كانوا يغالبون عبراتهم حزنا على فراقي ودعواتهم تملأ الأرجاء .
وفي ساحة الإنتظار جلست أنتظر الإعلان عن رحلتي .. بقيت أتأمل بالناس الغادين والرائحين ؛ أتراهم مثلي ذاهبون للبحث عن لقمة عيشهم أم أنهم من فرط أموالهم ذاهبون
للسياحة وتبذير أموال لم يعرفوا قيمتها بعد !
لبيت نداءهم حين أعلنوا رحلتي وتوجهت للطائرة وأنا مشبّعة بكل المشاعر !
-4-
خفقات قلبي تزداد مع كل خطوة أخطوها نحو الطائرة ، شعرت به يبكي ربما ﻷنه لم يعتد على الغربة والبعد عن الوطن واﻷهل ، حاولت بث الفرح داخل روحي حتى أتغلب على ذلك الخوف المتمكن والذي أخشى أن يوقف قلبي وأموت قبل أن أصبح غنية !
أخذت مكاني في الطائرة وعيناي لا يغمض لهما جفن ، تلاحقان كل شيء .. كل شيء ! كنت أراقب الأشخاص والكراسي والأجهزة الغريبة بل وحتى السقف !
بعد أن تأقلمت قليلاً تذكرت أني خائفة وأنها المرة الأولى التي أركب فيها طائرة ووحدي أيضاً !
يارب ساعدني وألهمني الصبر فلولا حاجتي للمال لما ابتعدت عن أهلي وقاسيت مرارة الغربة .
أقلعت الطائرة وكاد قلبي معها أن يطير ، أغمضت عيني واتكأت على المقعد وبدأت أفكر في كل شيء ؛ أهلي وأصحابي وبيتنا وذكرياتي وكل ماتركته خلفي ،وقبل هذا وذاك أرى تفكيري يسبقني للمكان الذي سأقيم فيه وأصحابه وكم عددهم وماهي أشكالهم وكيف يتحدثون وما الطريقة التي سأخاطبهم بها وكيف هو شكل غرفتي وووو حتى أخذني النوم رغماً عني .!
-5-
- السلام عليكم =)
- وعليكم السلام =)
- ما أسمك ؟
- أنا فاطمة
- أووهـ جميل إسمك عربي .!
- مممم هو إسم إبنة الرسول صلى الله عليه وسلم =)
- حسناً إصعدي معي للأعلى وسأريك غرفتك إرتاحي قليلاً وغداً في الصباح تكونين في المطبخ حتى أخبرك بقائمة أعمالك اليومية .
- حاضر .. لكِ ما أردت سيدتي .
وفي الصباح صليت الفجر ونزلت مسرعة للمطبخ وكلي لهفة وماعلمت أنني أركض نحو تعاستي الأشد ألم وأكبر خيبة وحزن .!
جهزت الإفطار كما طلبت مني ربة المنزل , نظفت المطبخ , كنست المنزل , مسحت الأرضية , غسلت السور الخارجي , صعدت لأغسل الملابس وأقوم بكيّها , نزلت مرة أخرى لإعداد وجبة الغداء , إنتظرتهم يأتوا من أعمالهم ومدارسهم , وضعته لهم وعدت مرة أخرى لتنظيف المطبخ وغسل الأواني .
ما إن أذن المؤذن لصلاة العصر إلا وطاقتي قد استنفدت كلها .!
صعدت لغرفتي الصغيرة الخالية من الأثاث سوى فراش متهالك ومجموعة من الملابس القديمة ؛ صليت وتمددت قليلاً على الفراش حتى أرتاح وما إن تباطئتني ربة المنزل (التي لم تستيقظ من نومها إلا قرابة العصر )
بدأت تصرخ وتنادي علي لدرجة أنني ظننت أن بهم سوء .!
نزلت بسرعة وإذا بها تصرخ وتشتم وتصفني بأبشع الصفات ليس لشيء فعلته سوى أنني أردت الراحة قليلاً .!
- أمرك سيدتي
- لمَ تأخرتِ .. كل هذه صلاة .!
- ...
- أجيبيني ؟! ماذا كنتِ تفعلين في الأعلى .!
- عذراً سيدتي ؛ فقط أردت أن أرتاح قليلاً بعد تعب اليوم .
- هههههه أي تعب تقولينه .! لم أر أنك فعلتِ شيئاً يستحق الراحة , مافعلتيه اليوم ماهو إلا تمرين بسيط للأيام المقبلة .!
- ...
- وأقولها لك من الآن : غرفتك لا تصعدي لها إلا في وقت النوم فقط , أريدك في المطبخ دائماً حتى لا أضطر للصراخ في كل مرة أحتاجك فيها .!
- حسناً
- الآن إذهبي واعملي لنا قهوة المساء وبعض من الكعك وإن انتهيتِ أريدك أن تقومي بتنظيف المجالس وغسل دورات المياه .
- حسناً
- هيا بسرعة .!
-6-
هكذا بدأت حياتي الجديدة وبخيبة كبيرة غير متوقعة , قابلتني بعدها خيبات أخرى أشد إيلاماً لاسيما وأني أصبحت غريبة فلا أحد يسمعني , ولا أهل يشاطرونني الحزن , أبيت وقد هدني التعب والإرهاق , تمر علي الأيام صامتة لا أتكلم مع أحد لأن لا أحد يرغب بسماعي , بل إنهم يتقززون مني وكأني مخلوق غريب , أشعر أمامهم بالإنكسار والضعف وقلة الحيلة , وفي كل يوم أتذكر وجه أبي حين رفض ذهابي ورفضت أنا أن أطيعه .!
الكل يأمرني والكل يريد مني أن أطيعه حالاً والويل لي لو تأخرت لحظة واحدة والويل لي لو لم ألقاهم بابتسامة , يظنون بأني آلة لا تشعر ولا تحس ولا تتوجع , يظنون بأني أصبحت ملكاً لهم بعد أن دفعوا لي ذاك الملبغ الزهيد
الذي لا يسد إحتياجاتي واحتياجات أهلي الذين ينتظرونني كل شهر .!
وحدة , عمل شاق , قلة في النوم والطعام , معاملة سيئة وعدم إحترام , إهانات من الصغير قبل الكبير .
وإن شكروني مرة عاقبوني عليها ألف مرة .!
-7-
الحمدلله
إنتهت المدة ولم يتبقى سوى أشهر قليلة وأعود لحريتي السابقة وحياتي التي أفتقدها جداً , سئمت هذه الحياة الغبية التي أعيشها والتي إخترتها بنفسى , كنت أظن أني سأنجو من الفقر ولكني ذهبت لفقر آخر أشد مرارة ؛ فقر يصحبه فقد وحزن وعمل شاق , ما أجمل فقري وأنا بين أهلي وأحبتي , نتقاسم المر سوياً ونضحك ببساطة لا أحد يراقب تصرفاتي ولا أحد يصنع لي حياتي كما يشاء هو لأنني وافقت على العمل لديه .!
شكراً لك أيها القلم المطيع ~
أنت الوحيد الذي يستمع إلي في كل ليلة وينصت جيداً لعزف الدموع ونغمات شهقاتي المتهالكة .!
شكراً لك يا قلمي ~
فأنا الآن بأحسن حال لأني إقتنعت بحياة الفقر هذه ولن أتجبر عليها أبداً =)
[/BACKGROUND]
__________________
...
حيْنَ يُسكِنُ اللهُ الَرضَى دَاخلَ قُلوبِنا ..
يُصبِحُ لونُ الوَاقعَ ... ورديَاً ! ♥
..
|
|
|