.
مهما توفرت وسائل العيش الشريف في هذه الحياة ، و مهما تطلعت الدنيا و متاعها إلى المرء ، إلا أنها طُبعت على الكدر ، و كتب الله على بني الإنسان أن يذُقوا الكبد بين الحين و الآخر ، و يظل المرء على هذه الحياة تتأرجح نفسه بين الأفراح و الأتراح ، و تتباين مشاعره في اضطراب يُحدده مقدار الإيمان المخالط للقلوب .
إلا أن المؤمن بالله قد امتلأ قلبه و اشتغلت روحه بين صبر و شكر ، صبر على البلاء يمنعه و يحجزه عن إلحاق الضرر بنفسه ، و تعليق الأمر و النفس و المال بالله تعالى ، أما حاله تجاه الفرح ، فلا تجد إلا دمعة من سرور يسبقها و يلحقها و يحفها الحمد العظيم ، و الامتنان الذي لا حد له تجاه المنعم تبارك و تعالى ، مستشعراً أنه ما من نعمة إلا من الله ..
تعز فإن الصبر بالحر أجمل**** وليس على ريب الزمان معول
فإن تكن الايام فينا تبدلت ****بنعمى وبؤسى والحوادث تفعل
فما لينت من قناة صليبية**** ولا ذللتنا للذي ليس يحمل
ولكن رحلناها نفوسا كريمة**** تحمل مالا تستطيع فتحمل
شرفت في العام الماضي بالتعرف على صديق ودود توثقت علاقتي به إلى حد كبير ، و أصبح من أخص الزملاء ، كنت أشعر معه بالسعادة و الأنس لما آتاه الله تعالى من خفة نفس و طيب و بساطة .. في بداية علاقتي معه كان راكبًا معي و سألته عن أهله و إخوانه ، فقال لي أنه قد توفي له أخوان .. في مرض أصابهما .. ذكر لي اثنان فقط ، و لم أكن أعلم أنه حتى لحظة كتابة هذه السطور سيكونوا ضعفين زيادةً على ما ذكر ..
في هذه السنة فقط أدينا الصلاة على أخيه ، و على أخته ، إضافة إلى من رحل من قبل .. حينما أستعرض الأيام مع هذا و مع الذين أصيبوا بمثل هذه المصائب ، أشعر أن الإنسان مهما اعتراه من الحزن ليس إلا متقلبًا في نعمة من نعم الله ، بل لربما كانت المحن مواطن منح و هبات من الله تعالى لا يُمكن أن يتصور العبد مقدار فضلها و أجرها إلا حُرك الإيمان متفاعلاً معها ..
أيها الكرام : نحن في زمن كثير فيه الأنين ، و تعالت أصوات الشكاية ، و استحكم الصوت الحزين على حياتنا ، هاكم فضاءات الإنترنت و برامج التواصل و الاتصال ، و انظروا حجم الأحزان المبثوثة في طيات تلك الوسائل .. أي ثقافة نريد أن نوصلها إلى الجيل القادم ( الأكثر مادية و ترفًا ) و هذه حالتنا ؟
أي ثمن نضيعه حينما نترك أرواحنا كمؤشرات الأسهم مع الظروف لا قرار لها و لا استقرار ..! إن الإيمان العَمَلي السلوكي هو الجوهر للمرء ، و به استقرار النفس و راحتها ، و بدونه لا حياة إلا حياة الويل و العناء و الكمد و الشقاء ، {
مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وّلنجزينّهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون } ، لا حياة إلا الحياة الطيبة ، و لا حياة طيبة إلا مع الله تبارك و تعالى .
كم هي موجعة و عصيبة تلك الظروف التي تغزو أرواحنا بين كل حين و حين ، و تدعنا بلا مجاديف نسير بها ، إلا أنها لا تشكل إلا عقبة يسيرة حينما نجعل الحبل الوثيق ممدوداً بيننا و بين الله تعالى ، نستجلب من هذا الحبل رحمته و رأفته و إنعامه و إكرامه ..
:::: أخيراً ::::
هذا مقطع لوالد صديقي يروي ما واجهه
مع الدكتور / محمد العريفي ..
لم يتمالك الشيخ إلا أن يُشاركهم الدمعة و الصبر ..
اللهم اغفر لهم و ارحمهم
و ألهم أهلهم الصبر و السلوان .
أخوكم / عبدالله