شكرا لك عزيزي مؤمن ،،
كلام مؤصل رائع ..
ستكون مشاركتي نقلا لموضوع طرح هنا منذ فترة ليست بالقصيرة ( للكاتب : أبوس) رده الله إلينا :
تأصيل كلمة ( بُهْ ) القصيمية :
أحبتي الأكارم :
لعل مما يبعث التساؤل في قرارة الفكر ، هو أصل هذه الكلمة القصيمية الراسخة في لسان أهل القصيم .
ولا ريب أنها لم تأت عبثاً ، بل كانت نتيجة تطورات على مر السنين صيرتها إلى وضعها الآني .
فجراء هذا شئت أن أردها إلى أصولها ، وأبين كيف انقلبت حركاتها إلى غير ما كانت عليه من قبل .
إذن فـ ( بُهْ ) { بضم الباء وسكون الهاء } منقلبةٌ عن ( بِهِ ) { بكسر الباء والهاء } , وسنأتي الآن على الكلام على هذه الكلمة من عدة جوانب :
أولاً : معناها :
( به ) مكونة من كلمتين ، حرفٍ واسمٍ ، فالباء حرف لـه عدة معانٍ ، وهو في إطلاقنا لا يقتصر على معنى واحد فحسب ، بل لـه معاني الباء الأصلية الفصيحة ، ومنها على مراد المثال لا على الحصر :
1 ـ الاستعانة :
فإذا قلتَ بلهجتك العامية تعني القلمَ ـ مثلاً ـ : ( كتبت بُه ) أردتَ أنك استعنتَ به ، فهي هنا بمعنى الاستعانة .
2 ـ الظرفية :
أي أنها ترد في اللهجة العامية بمعنى ( في ) ، فإذا قلتَ : ( جلست بالبيت ) ، أي : جلست في البيت ، مثل قوله تعالى :
(( وما كنتَ بجانب الغربي )) { القصص ـ 44 } أي : في جانب الغربي .
وغيرها من المعاني النحوية المعروفة .
ثانياً : إعرابها :
الباء : حرف جر .
والهاء : ضمير متصل مبني على الكسر في محل جر اسم مجرور .
ثالثاً : حيثيات تطورها التأريخي :
الأصل في هذه الكلمة أنها بكسر الباء والهاء ، مثل قوله تعالى : (( إنّ هذا ما كنتم بِهِ تمترون )) { الدخان ـ 50 } ، وغيره في القرآن كثير .
غير أنه وقع فيها بعضُ التغييرات على مر السنين ، حتى آلت إلى هيئتها الآن .
وأحسب ـ في رأيي ـ أن التغيير حدث تدريجياً ، ولم يكن دفعة واحدة ، حيث أن هذا هو حال عامة الأمور ، كالتوحيد مثلاً ، إذ لم ينحرف انحرافاً مفاجئاً إلى الشرك ، بل كان مُفرزَ ممارساتٍ أوقعته في هذا الحمأ المسنون .
وكذلك حال هذه الكلمة ، فإن من البيّن أنها تبدلت نتيجة ظروف بيئية ، وأيام متوالية ، ولعل التبدل حدث فيها كما ألخصه في الآتي :
أولاً :
كان أصل هذه الكلمة هو ( بِهِ ) بكسر الباء والهاء ، وكانت بمعنى ( فيه ) وهي واردة في القرآن على هذا النحو ، وكان حديث الناس بها بدلاً من ( فيه ) ، فإذا أرادوا قول : ( ما فيه شيء ) ـ مثلاً ـ قالوا : ( ما بِهِ شيء ) { بكسر الباء والهاء } ، وليس على هذا غبار .
ثانياً :
غير أن تعاقب الأيام واختلاف الألسن والتمازج الحضاري أحدث خللاً في نطق هذه الكلمة ، فصارت كسرةُ الهاء ضمةً ، لأن الأصل في الهاء ـ هاءِ الغيبة ـ الضمُّ ، قال العُكْبَري في كتابه ( التبيان في إعراب القرآن ) : ( الأصل في هذه الهاء الضم .... ثم قال .... وإنما كُسرت لتجانس ما قبلها من الياء والكسرة ) .
فلذلك ردوا هذه الكلمةَ إلى أصلها ، وهو الضم ، فصاروا يلفظونها : ( بِهُ ) بكسر الباء وضم الهاء ـ على الأصل ـ ، وصاروا ـ مثلاً ـ ينطقون ( عليهم ) هكذا : ( عليهُم ) ـ بضم الهاء ـ .
هذه هي المرحلة الأولى في التطور في نطق هذه الكلمة وفقاً لاستنباطي .
ثالثاً :
ثم تلا هذه المرحلةَ مرحلةٌ أخرى استلزمها فشوُّ هذه الكلمة ، حيث أن نطقها بات ثقيلاً بعض الثقل ، ومع جريانها على الألسن انحرفت قليلاً إلى نطقها هكذا : ( بُهُ ) بضم الباء والهاء ، والمبرر لذلك هو ابتغاء التجانس ، ويسر النطق ، كما كُسرت الهاء للتجانس ، وهذا سائرٌ في كلام العرب .
إذن فقد تعاور هذه الكلمة مؤثرات حتى استحالت كلمةً أخرى هي : ( بُهُ ) بضم الباء والهاء .
رابعاً :
غير أن تحول اللغة الفصحى إلى لغة عامية ، وحيث أن من أبرز مظاهر اللهجة العامية هو تسكين أواخر الكلمات ، فإنه ما من ريب أنه كما جرى ذلك على اللغة كافة فكلمة ( به ) داخلة ضمن هذا العموم ، وإن كان لها تصريفٌ آخر قد يُقِرّ بصحتها .
ونخلص من هذا أن هذه الكلمة أصبحت تنطق هكذا : ( بُهْ ) ـ كما هو أمرها الآن ـ ، والدافع لذلك أمران يدرآن عنها التهمة الواقعة بها :
أحدهما :
أن الموجة التي أتت على الفصحى لم تبقِ ولم تذر ، إذ أصبحت كل الكلمات ـ أو ربما جلُّها ـ لا يحرَّك أواخرُها ، سواء في لهجة أهل القصيم أم في لهجة من عداهم ، ولهذا فلا تثريب علينا ، وقمِنٌ بمن تكلم على هذه الكلمة منكراً أن ينكر كلماته التي يتحدث بها حين يسكن أواخرَها متجاهلاً القواعدَ النحوية :
وننكر إن شئنا على الناس قولَهم **** ولا ينكرون القولَ حين نقولُ
ثانيهما :
أنه يضاف إلى الأمر الأول في هذه الكلمة ـ خصوصاً ـ أن يقال في تسكين الهاء ما قيل في تسكين الميم ـ ميمِ الجمع ـ ، حيث أن الأصل فيها أن يكون بعدها واو ، وقد قال العكبري في التبيان : ( والأصل في ميم الجمع أن يكون بعدها واوٌ ، كما قرأ ابن كثير ، فالميم لمجاوزة الحد ، والألف دليل التثنية نحو : عليهما ، والواو للجمع نظير الألف { أي أن الأصل في ( عليهم ) زيادة الواو فتكون ( عليهمو ) ، ويدل على ذلك أن علامة الجمع في المؤنث نون مشددة نحو : عليهنّ ، فكذلك يجب أن يكون علامة الجمع للمذكر حرفين ، إلا أنهم حذفوا الواو تخفيفاً ، ولا لبس في ذلك ..... ) .
قلتُ :
بل الأمر في حذف الواو من ميم الجمع أعظم ، لأنهم حذفوا الواو ، وهو حرف ، وسكّنوا الميم .
أما هاء الغيبة فلم يكن لها واوٌ أصلاً ، بل كل الأمر أنهم سكنوا حركتها ، وهي الضمة ، وليست بحرف كالواو في ميم الجمع ، وما فعلوا ذلك إلا تخفيفاً وتيسيراً كما فعلوا في ميم الجمع .
فمجمل القول أن التغييراتِ في هذه الكلمة ناشئةٌ عن قواعد مرعية ، ولها نظائرُ مشاهدة في كلام العرب يدركها من تتبّعها .
وخاتمة المطاف :
أنّا لا نزعم أننا جزمنا بفصاحة هذه الكلمة أو بشبه فصاحتها ، ولكنْ إنْ نظنّ إلا ظناً وما نحن بمستيقنين ، والظنّ لا يغني من الحق شيئاً ...
مع أملي منكم حسنَ الرأي ، ومحكَمَ التعقيب ..
والله ولي التوفيق ، وصلى الله على محمد وآله ....
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته ..
وكتبه أبوس ..
الرابط :
http://www.buraydahcity.com/vb/showt...&postid=124315