أخي العزيز الغالي أبا عطا :
بارك الله فيك
ونحن نعلم أن التصوير حرام , ونعلم الأحاديث الواردة فيه , ولا نشك في ذلك
ولكن الخلاف الآن : هل التصوير الفوتوغرافي داخل في معنى التصوير الوارد بالنص أم لا ؟؟؟
لا يمكن أن أحتكم لمعاجم اللغة العربية في أمر لم يكن موجودا في عصرهم , ولا يمكن أن يتخيلوه
ولكن أعطيم معنى التصوير من كتاب الله تعالى وانظر هل ينطبق هذا على الصور الفوتوغرافية أم لا ؟؟
قال تعالى : " الذي خلقك فسواك فعدلك ,, فِي أَيِّ صُورَةٍ مَّا شَاء رَكَّبَكَ} (8) سورة الإنفطار
فالجسم مخلوق من لحم وعظام , وهو مسوى بأحسن تسوية من توزيع الأطراف بتناسق عجيب ,, فماذا بقي ؟
بقيت شكل الجسم وصورته التي يكون عليها الإنسان , وبها يتمايز الناس من طول وقصر ولون وشكل الوجه الذي به يتمايز الناس فمع كثرة الخلق إلا أن صورهم تختلف وهذا من كمال قدرة الله تعالى ؟
فقال سبحانه : في أي صورة ما شاء ركبك .
فالتصوير هنا : تشكيل الوجه والجسم على هيئة معينة بحيث يتمايز عن غيره , ولذلك كان الله تعالى : هو المصور .
وقال تعالى : {هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الأَرْحَامِ كَيْفَ يَشَاء لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} (6) سورة آل عمران
أي سواكم حسنا وقبحا واستقامة أو ميلانا في الخلقة كما قال الزجاج والنحاس والبغوي وغيرهم
وقال القرطبي : " واشتقاق الصورة من صاره إلى كذا إذا أماله , فالصورة مائلة إلى شبهٍ وهيئة " تفسير القرطبي : 4/7 .
وقال تعالى : " {وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلآئِكَةِ اسْجُدُواْ لآدَمَ فَسَجَدُواْ إِلاَّ إِبْلِيسَ لَمْ يَكُن مِّنَ السَّاجِدِينَ} (11) سورة الأعراف
فلعلك تلحظ أن التصوير غير الخلق , فالخلق كتلة من اللحم والعظم , والتصوير هو تجسيد الأطراف وتشكيل الوجه على وجه حسن , ولذلك امتن الله على الناس بأن جعل صورتهم حسنة فقال سبحانه : " {اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ قَرَارًا وَالسَّمَاء بِنَاء وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ وَرَزَقَكُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ فَتَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ} (64) سورة غافر
{خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ} (3) سورة التغابن .
وتأمل أخي الكريم هذه الآيات جيدا فانظر هل ينطبق معنى التصوير المراد في الآيات على التصوير بالكاميرا أو ما يسمى بالتصوير الفوتوغرافي ؟؟؟
هل فيه تجسيد ؟
هل فيه شق للسمع والبصر ؟
هل فيه تحديد للوجه على نحو يريده حامل الكاميرا ؟؟؟
أم أن الكاميرا تنقل الصورة التي خلقها الله كما خلقها الله , دون أن يكون للمصور دور في شق السمع والبصر ؟
ثم إن الحديث الشريف ذكر علة النهي وهي : أن المصورين يضاهؤون خلق الله ؟؟
والمضاهاة هي المحاكاة والتقليد .
جاء في فتح المجيد بشرح كتاب التوحيد ما نصه : " وقد ذكر النبي صلى الله عليه وسلم العلة : وهي المضاهاة بخلق الله , لأن الله تعالى له الخلق والأمر ... وهو الذي يصور جميع المخلوقات , كما قال تعالى " {الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنسَانِ مِن طِينٍ} (7){ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِن سُلَالَةٍ مِّن مَّاء مَّهِينٍ} (8) ثُمَّ سَوَّاهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِن رُّوحِهِ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلًا مَّا تَشْكُرُونَ} (9) سورة السجدة
فالمصور لمّا صَوّرَ الصورة على شكل ما خلقه الله تعالى من إنسان وبهيمة صار مضاهئا لخلق الله , فصار ما صوّره عذابا له يوم القيامة ..." انتهي من فتح المجيد ص : 438 .
ولعلك تلحظ معنى التصوير والمضاهاة من كلام العلامة عبد الرحمن بن حسن آل الشيخ رحمه الله
فهل الكاميرا الفوتوغرافية فيها مضاهاة لخلق الله ؟
هل فيها تقليد لخلق الله ؟؟
أم أنها تنقل خلق الله كما هو ؟؟
أترك الإجابة لك .
إذن ليست المسألة خلاف وبحث عن التيسير بقدر ما هو قول له حظه من النظر , ولسنا نأخذ القول الراجح لأن فلانا قاله , وإنما يجب أن نتبع الدليل وما جاء به النص من دلالة واضحة بينة تناسب لغة العرب وطريقة كلامهم .
علما أني لست في مقام الإفتاء بتحليل أو تحريم
ولكني أردت أن أبين لك أن القول الآخر له حظه من النظر , بل حظه قوي جدا .
بارك الله فيك وهدانا وإياك إلى صراطه المستقيم .
__________________
وَمِنْ عَجَبٍ أنَّ الفتَى وهْوَ عاقِلٌ ,,, يُطِيعُ الهَوَى فِيما يُنافِيه رُشْدُهُ يَفِرُّ منَ السُّلوان وهْوَ يُرِيْحُـهُ ,,, ويأوِي إلى الأشْجانِ وهي تَكُدُّهُ
[ محمود سامي البارودي ]
|