أخي كبير المحايدين تحية لك ...
ذكرني عنوان موضوعك بجدلياتٍ فكريةٍ شُغل بها بعض الباحثين والمثقفين وربما بعض العلماء كما في جدلية ( الأصالة والمعاصرة ) و( الثابت والمتغير ) و ( المفكر والمجدد ) وكثيرٌ من هذا القبيل ، بعضها صنعه الخلاف أو لأكون أكثر دقةً الصراع الفكري الواقعي الذي جعل البعض يستسلم لمعطياتٍ لاتستقيم في ذهن العاقل غير أن فرض الواقع أو مايُسمى الرضوح للواقع ومعطايته جعله يؤمن بما كان يُنكر ...
ويبدو لي أن أصل المشكلة و من جدلية سابقةٍ وهي: هل المفكرون هم من يقود الإصلاح أم المجددون من العلماء ؟
فتجد المتأصلون بالعلم الشرعي وقواعده الشرعيّة يؤمنون بأن الإصلاح ينطلق من داخل المدرسة الشرعيّة المرتكز والمنبق من الكتاب والسنة مصداقاً لحديث يبعث الله على رأس كل سنةٍ من يجدد لها أمر دينها ، ولا يمكن لمن سيكون مرجعه الكتاب والسنة إلا أن يكون عالماً بالأدلة الشرعية وأصولها ولغةِ الغرب فالإصلاح أو ( التجديد ) يقوده في الأمة العلماء العاملون والتأريخ يشهد بذلك ، وأما من يرى قداسة للمفكرين ممن قد يكون منطلقه مرةً الكتاب ومرةً العقل كما هو حال أهل المدرسة التنويريّة - ممّن انتشروا في الآوانة الأخيرة - فهؤلاء تجدهم تارةً يعظمون النص وتارةً يعظمون قول أرسطو أوأفلاطون أو أفلوطين أو سقراط أو فولتير أوغيرهم ويزعم أن الحق ضالة المؤمن رغم أنه مع التتبع تجده شيئاً فشيئاً يترك النصوص أويلوى عنقها لأجل العقل البشري ثم في النهايّة يجعل العقل من حيث يشعر أو لايشعر هو المقدس وأما النص فينزع عنه القداسة تدريجياً ، ولذا تجد أصحاب هؤلاء المدرسة فضلاً عمن أعلن رفضه للنص المخالف لعقله يقدس المفكرين ويرى فيهم رمز الإصلاح والمعاصرة والحداثة وكسر المحرم ( التابو ) والتطاول بكل وقاحةٍ على الوحيين والتحدث بكل فنٍ والانبهار بحركاتِ التحرر والإصلاح كمارتن لوثر ، ونهرو وغاندي وأفكار فلاسفة التنوير مارتن ونيتشه وغوته وغيرهم .
هذا ياعزيزي ماجعل المثقف يزهد بالعلم والعلماء ، وهذا ماجعل بعض العلماء يتخلى عن العلم ويتركه وينطلق للقراءة والبحث والتأثر بأفكار مدرسة الإصلاح التنويرية في مصر كجمال الدين الأفغاني ومحمد عبده ، وهذا ماجعل الكثيرين يتحدثون حديث المثقف لاحديث طالب العلم المؤصل ، فصارت المجالس مسرحاً لهؤلاء العابثين الذين لم يجعلوا للعلم قدراً ولم يعرفوا لأهل العلم الصادقين وزناً...
وهناك أيضاً من الأسباب ماجعل لهذه الثنائية وغيرها أن تظهر ، وهو انغلاق العالِم على مكتبته وكتبه وفنه دون أن يعيش وسط الناس يبين لهم ما يؤثر على أفكارهم ، فأصبح وعي العالِم بسيطاً في الوقت الذي زاد فيه وعي الناس بفعل التقنية المستحدثة ً، فأصبح العالم يتلقى من طلابه الواقع ومافيه ومايدور حوله ثم يحاول أن يقول في المسألة قولاً فلا يعرف للصواب طريقاً فيأتي حينها المثقف ويتندر بالعالِم وأنه حبيس عقله وبيته رجيع التفكير عفى عليه وعلى فكره الزمن ...
يظل العالِم نبراساً للآخرين ، كما رأينا ابن باز وابن عثيمين والألباني يجسدون العلماء العاملين المنافحين عن الحق الصادعين به المتاعبين لكل وقائع الزمان تغيراته ، مما جعلهم يبرزون وتسطر أقوالهم ومواقفهم وإن كان يؤخذ من أقوالهم ويترك فهم ليسوا بأهل عصمةٍ غير أن موافقتهم للصواب أكثر من غيرهم لقربهم من الكتاب والسنة والعمل بهما ....
تحياتي .
آخر من قام بالتعديل النفس المتحررة; بتاريخ 07-09-2011 الساعة 05:46 AM.
|