كاتب مميّز
تاريخ التسجيل: Feb 2006
البلد: في مكتبتي
المشاركات: 1,537
|
ذكرياتي مع سُهيل !
خرجت قبل قليل من صلاة الصبح فحانت مني التفاتة إلى الجنوب , فلمحت نجماً يومِضُ ببريقٍ خافت على مُحَيّاه , يُلْقِي التحيةَ على مُبْصِريه , فعرفتُ أنه النجم المحبوب لدى أهل نجد , المعروف مكانُه وزمانُه , إنه النجمُ سُهَيلٌ اليمانيُّ الذي يلوح في الأفق جنوباً أواخر فصل الصيف , وبداية فصل الخريف مُعِلناً – بإذن ربِّه – انتهاء حرارة الجو الحارقة , وبداية البرودة العليلة في الأجواء .
فهيَّجَ هذا النجم شوقي إلى ماضٍ جميلٍ كنتُ فيه فتى يافعاً أدرج إلى مرحلة الشباب حين تعرفتُ على هذا النجم الجميل , حين كان يُمْسِك بيدي ذلكم الشيخُ الجليل ( أبو صالح ) في سطح منزلنا الشعبي بحي الفاخرية ليُرِيَنِي هذا النجم بعد صلاة الفجر , ويخبرني بمزاياه وأهميته لدى أهل نجد ومُزَارِعيها , ويخبرني بالأمثال المشتهرة على ألسنتهم : إذا طلع سهيل لا تأمن السيل ! وإذا طلع سهيل تلقَّط التمر بالليل !.
وطلع هنا ليس معناه انتهى كما يفهم كثير من الناس , وإنما ظهر وبدا في السماء كما قال فتية من الصحابة : طلعَ البدرُ علينا .
وإنما كانوا يتحدثون عن التمر بطلوع سهيل لأن التمر عندهم آنذاك ليس إلا الشقراء التي يتأخر بدوُّها وصلاحها , فلا تطيب – غالباً – إلا بعد طلوع سهيل !
رحمك الله يا والدي رحمة واسعة , وأسكَنكَ فسيح جناته , فقد كنتَ تقياً نقياً ومربياً عظيماً .
ذكَّرَني هذا النجم الجميل ببدايات محبتي وتعلقي بعلمِ النحو الكبير , حيثُ الدراسة في المعهد العلمي , وحفظ ألفية ابن مالك , ودراسة شرحها الكبير لابن عقيل , على يد معلمِنا القدير ( أبي سُهيل ) عبد الله السهلي في الصف الأول ثانوي , وما زلتُ أشكر له حرصَه على أن نحفظ الألفية , ويشدد على ذلك جزاه الله خيرا .
ثم ذكّرَني بأبي سهيل آخر التقيته في دراستي الجامعية فكان نِعمَ الأستاذ والمربي والصديق لي ولجميع من عرفه وصادقَه .
ذكَّرني ( سُهيلٌ ) بما أخبرنا به ابن مالك رحمه الله من أن ( حيثُ ) لا تضاف إلا إلى الجمل : وألزموا إضافة إلى الجمل ,, حيثُ وإذْ ...
ولكن الشارح أفاد بأن حيث قد تضاف للمفرد عند بعض العرب كقول الشاعر :
أما ترى حيثُ سُهيلٍ طالعاً
نجماً يضيء كالشهاب لامعاً
فأضاف ( حيثُ ) إلى المفرد ( سهيل ) .
وكان أستاذ المادة آنذاك ( في ثاني ثانوي ) : الشيخ عبد العزيز الزايد وفقه الله وحفظه يُمْتِعُنا بترديد البيت بفصاحته المعهودة , وتلقائيته الجميلة , فحفظته مع كثير من الشواهد الأخرى عن ظهر قلب .
ذكَّرني هذا النجم بتلك القصة الأدبية الرائعة التي قرأتها في كتاب الكامل للمبرد أيامَ الثانوية حين خطب الشاعر الأموي عمرُ بن أبي ربيعة فتاةً تُسمى الثريا من بني أمية , فرفضَ أبوها تزوجَه بحجة مجون الشاعر , وزوّجَها فتى من قريش يقال له : سُهيل بن عبد الرحمن بن عوف .
فأنشد عمر بن أبي ربيعة بيتين بهذه المناسبة :
أيُّها الْمُنْكِحُ الثُّريّا سُهَيلا ,,, عَمْرَكَ الله , كيف يلتقيانِ ؟
هي شاميّةٌ إذا ما استقلّت ,,, وسُهيلٌ إذا استقَلَّ يـَمانِي
في إشارة لطيفة إلى النجمين المشهورين : الثريا التي تظهر في شمال الأفق , وسهيل اليماني الذي يظهر جنوباً .
دارت بي هذه الذكريات الجميلة بلمح البصر حين رأيته ,
فأدركَني نشاطٌ غريب لتدوينها , وإمتاع القراء بها إن كان فيها مُتعة لِمُستمتِع .. .
علي الحامد
12/1/1432
__________________
وَمِنْ عَجَبٍ أنَّ الفتَى وهْوَ عاقِلٌ ,,, يُطِيعُ الهَوَى فِيما يُنافِيه رُشْدُهُ يَفِرُّ منَ السُّلوان وهْوَ يُرِيْحُـهُ ,,, ويأوِي إلى الأشْجانِ وهي تَكُدُّهُ
[ محمود سامي البارودي ]
آخر من قام بالتعديل أبو سليمان الحامد; بتاريخ 10-09-2011 الساعة 07:24 AM.
|