(1)
قطعةٌ من البيوتِ القديمة القابعةِ في أطراف قريةٍ نائةٍ ...
سكانها طيبون ...لاترى في عيونهم وأسمالهم سوى البسمة والفرحة والنشاط للعمل الباكر ...
يعمل أهلُ القريةِ الصغيرةِ في الزراعةِ ...حيث يقوم الفلاحُ البسيط بإخراج مكنوزات الأرض من ثمارٍ وخضاروتمرٍ وبُرٍ وغيرها ...
حتى إذاما صدح المؤذنُ بصوته الرقراقِ في سماء القريةِ ( اللهُ أكبر ) مؤذناً الناس بقربِ صلاةِ الفجر قام الفلاح وزوجه إلى ماءٍ زلالٍ لتسكبوا على وجوههم الوضوء لأداء صلاة الليل ( مثنى مثنى ) ...
ما إن ينتهي الزوج وشريكة حياتهِ من ( صلاتهما ) حتى يهرولان سعياً لإعداد العدةِ وما أدخراه بالأمس لبيعه في سوق المدينة الفسيحةِ ( سوق التمر والفاكهة والخضار ) متفائلين بوعدِ الرسول الكريم _ صلى الله عليه وسلم _ : ( بوركَ لأُمتي في بُكورها )...
يجتمع النّاس لصلاةِ الفجر في العتمةِ حيثُ لانور إلا نورُ المصباح الخافت المعلق في السرايا ...يقرأ الإمام في أيام صلوات القريّة بطوال السور أما في المدن المتحضرة فلو تجاوز الأربع أو الخمس آيات لنالته سياطُ الكلام ( تعبنا ...قد شققت علينا ...يالك من إمام متشدد فلان في المسجد الآخر يصلي قبلنا ) ...آه ما أجمل صلاة أهلِ القرية تؤادة وخشوع وهدوء وسكينة يجملها سكون المكان وصوت الآيات من صوتٍ ندي لم يدنسه عبق الحضارةِ الزائفةِ !
لاعلينا ...يخرج المصلون من مسجدهم عجلى إلى أعمالهم يذكرني مرآهم بحالِ صحابةِ رسول الله صلى الله عليه وسلم رهبان في الليل عبادٌ وعاملون متكسبون في النهار ...لقد نُهى عن القعود والكسل وتحري الرزق ...وما تنكس المسلمون الطريق إلا حينما قعدوا عن العمل وقام بهِ غيرهم ...تجد المجتمع المدني الغربي كخلية النحل التي لا تهدأ فهم يعملن ليلاً ونهاراً وكل ذلك لأجل الدنيا حتى صنعوا حضارتهم وأمتلكوا السلاح والقوة ... أما نحن المسلمون _ والذي أمرنا بإعمار الدنيا والآخرة _ فنسينا العمل لأجل بناء الحضارة وقيادة العالم ....!
لا أدري مادخل الحديث السابق في قصتي ...لكن هي خواطر عابرة فأقبلوها !
نعم ...قلتُ أنا الفلاح البسيط ذي الهندام المرقع والنعل الذي خصفه بيده ...يحمل هو وزوجه ( محصوله اليومي ) في مؤخرة سيارته ( الددسن ) في ثم يقطع عباب الأرياف ريفاً ريفاً يهبط حينا ويرتفع حيناً ....وقد علت وجهه بسمةُ الرضى ويحمد الله ويكبر عند العلو والهبوط ...ولاينس أن يدير المذياع ليسمع آيات الله تقرأ ( وابتغوا من فضل اللهِ واذكروا الله كثيراً ) من صوتٍ لايعرفه ولايهمه أن يعرف صاحبه ...فيخرج من فمه كلمةٌ صغيرة الحجم كبيرة القدر ( لا إله إلا الله ) ...
ما أجمل حياته ...صلاة في الليل ...وقيام مع الجماعة لصلاة الفجر ...وطلب للرزق ....وسماع للذكر ...شتان بين من يريق على عقله _ في بداية يومه _سلسبيلاً من آيات القرآن وبين من يُغرق أُذنيه بسماع آلات الغناء ...وقد اكتشف العلم أن في العقل خلايا لاتنشط في الصباح إلا بسماع القرآن ...والعهدة في ذلك عليهم !
أين وصلتْ ..
آه تذكرت ...يصل الفلاحُ إلى سوقه ...فيسلم على القريب والبعيد ...ويسأل عن أخبار فلان ...وصحة علان ...وفي قلبه الحب لهؤلاء الذين يراهم في الغدو في هذا السوق ....!
لايحلفون على الكذب ليروجوا لسعتهم ....ولايَحسد بعضهم بعضاً ..ويبارك بعضهم لبعضٍ في رزقه ويدعو له في ظهر الغيب ...ما أجمله من سوق ...في هذا السوق لاينسون تبادل الفتوى التي سمعوها من مشائخهم وأخبار العلماء هنا وهناك ...ويمضون صبحهم في البيع والشراء ...والسوالف الحميده ...وترديد الأشعار الجميلة !
أين هم من الأسواق في هذا الزمان ...كذب ونفاق ...حلف بالإيمان لتمرير السلعة ...النفوس لاتعرف سوى الدرهم والدينار ...حتى قلت البركة مع عظم الكسب ...لقد صدق فيهم قوله عليه الصلاة والسلام ( اليمين الكاذبة منفقة للسلعة ممحقة للكسب )...
وقد قيل في أحد الأزمان الخوالي أن جيش الصليبين اراد غزو المسلمين في الأندلس ..فجاء ملك الصليبين بستشاره ليخبره بالأمر فقال المستشار لاتفعل حتى أقول لك ذلك !
فخرج المستشار متنكراً متنقلاً حتى وصل بلاد المسلمين فدخل البلد وذهب لسوقه ...فإذا به يرى أهل السوق متحابين متآخين ..كل يقول له : إن بضاعة جاري خير من بضاعتي فابتعه منه !
فرجع خائباً إلى سيده ليقول له : إياك وإياهم ...فقال الملك : ولمَ ... قال : لأنك لن تقدر على كسر شوكتهم !؟
وبعد مدةٍ ...نزل المستشار إلى المدينة متنكراً مرة أخرى ..فإذ به يجد الحلف الكاذب ...وكل يجره من يده إليه ويحلف أنَّ بضاعته خيرٌ من صاحبه !
فعاد مسرعاً إلى سيده وهو يقول : غنيمة باردة فعليك بهم !؟
فهجم العدو على بيضتهم فقطعهم شذر مذر !
لعلي أطلت ....أتوقف هنا ...لأتابع لاحقاً بقية القصةِ !
__________________
المرءُ بأصغريه ...قلبهِ ...ولسانه ...!
آخر من قام بالتعديل سميّة بنت خياط; بتاريخ 19-09-2005 الساعة 11:57 PM.
|