الموضوع: مناجاة شعرية
مشاهدة لمشاركة منفردة
قديم(ـة) 16-10-2011, 09:09 AM   #10
أبو سليمان الحامد
كاتب مميّز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2006
البلد: في مكتبتي
المشاركات: 1,537
عودة للنقد الجميل من الأخ معلم مغترب .

أولا : أنا لستُ بشاعر يا أخي الكريم , وإنما هي محاولات شعرية أحاول أن أشاركَ أهل هذا الفن ركضهم فيه وإن لم أكُن منهم , وإني لأخشى أن أكون شاعر الحطيئة الرابع

ثانياً :
أطْوَلُ : من الطَّوْل وهو الفضل والغنى كما قال تعالى : " ومن لم يستطِعْ منكم طَولاً " أي غنى وقدرةً .
ومنه الحديث الشريف : " أسرعكن لحاقا بي أطولكُنّ يدا " أي أكثركن فضلا وصدقة
فيكون معنى : " لكن فضلكَ أطْوَلُ " أي أن فضلك أوسع غِنى وفضلا .
قد تقول : كيف تخبر عن الفضل بالفضل ؟
أي أنك كررت المبتدأ في المعنى .
فالجواب أن في الخبر زيادة معنى وهو التفضيل , كأني قلت : لكن فَضْلَكَ أفْضَلُ فَضْلٍ , ولكن تغايرَ اللفظ بين فضل وأطول ليكون أبعد عن التكرار .
ويجوز أن يكون من المجاز : من الطُّول , والمراد به طول القَدْرِ والشأن كما قال الفرزدق :
إن الذي سمك السماء بنى لنا ,,, بيتا دعائمه أعزُّ وأطْوَل .

أما علاقة الفضل بالشكر , فإني لما ذكرتُ أن الشكر لله وحده والبشر يعجزون عن إدراك الشكر , بينتُ أن فضل الله أوسع لهم ولو لم يستطيعوا تحقيق الشكر كله , ففضل الله واسع لمجازاتهم على القليل منه .
أما بالنسبة للركاكة فهي مسألة ذوقية لا أستطيع دفعها عنك أو إنكارها , فربما تكون ركيكة من وجهة نظرك لكنها جيدة من وجهة نظر أخرى .
ولكن الركاكة غالبا تأتي من سقمٍ في الأسلوب , أو ضعف في الأداء النحوي للجملة , ولا أدري أين تجد هذا السقم اللغوي أو النحوي في العبارة ؟

أما مسألة تعدي الفعل ( يعجَز ) باللام هنا , فكلامك جميل جدا بأن الأصح أن يتعدى بعن .
ولكن مجيء اللام بمعنى ( عن ) جائز عند كثير من النحاة , وذكره ابن هشام في مغني اللبيب من معاني اللام , واستدلوا عليه بقوله تعالى : " وقال الذين كفروا للذين آمنوا لو كان خيرا ما سبقونا إليه " أي وقالوا عن الذين آمنوا .
وقوله تعالى :" ولا أقول للذين تزدري أعينكم لن يؤتيهم الله خير " أي ولا أقول عن الذين تزدري أعينكم ...
وقول الشاعر :
كضرائر الحسناء قلن لوجهها ,,, حسنا وبُغْضاً : إنه لَدَمِيمُ
أي قُلنَ عن وجهها .

وأنت تعلم أن تناوب حروف الخفض بعضها مع بعض كثير في العربية , ولا حصر له .


ثالثاً
: قولك : قبل هذا البيت كنت تخاطب الله مباشرة وفي هذا البيت غيرت الضمير وأتيت بضمير الغائب ( هو)
وهذا غير محمود فينبغي أن تكون القصيدة كلها وصف أو كلها خطاب لله .

كيف حكمتَ بأنه غير محمود ؟
وهل لديك حجة في ذلك من أقوال أهل البلاغة والفن ؟
تغيير الكلام من الخطاب إلى الغيبة أو العكس فن بلاغي معروف , ويسمى الالتفات , لتنشيط ذهن السامع , وتغيير طريق الكلام عن وجهة واحدة , وهو كثير في كلام العرب وفي كتاب الله تعالى ,
ومن ذلك قوله تعالى : {هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ حَتَّى إِذَا كُنتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِم } (22) سورة يونس .
فانتقل من الخطاب " يسيركم , كنتم " إلى الغيبة : " وجرينَ بهم " .
وقوله تعالى : " {وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللَّهِ لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِّنَ الْأَمْرِ لَعَنِتُّمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ أُوْلَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ} (7) سورة الحجرات
فقال : " فيكم , يطيعكم , حبب إليكم , وكرَّهَ إليكم " وهذا كله خطاب , ثم انتقل إلى الغَيبة فقال : " أولئك هم الراشدون " .
وقوله تعالى : {ادْخُلُوا الْجَنَّةَ أَنتُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ تُحْبَرُونَ} (70) {يُطَافُ عَلَيْهِم بِصِحَافٍ مِّن ذَهَبٍ وَأَكْوَابٍ وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الْأَنفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ وَأَنتُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} (71) سورة الزخرف
ففي الآيتين التفات من جهتين :
بدأ بالخطاب : ادخلوا , أنتم , أزواجكم ,, ثم انتقل إلى الغَيْبَة " يطاف عليهم " , ثم رجع إلى الخطاب : " وأنتم فيها خالدون " .
والشواهد على ذلك كثيرة , وهو من جماليات اللغة , وهو من أنواع علم البديع في البلاغة .
وارجع إلى كلام السيوطي في الإتقان في علوم القرآن 3/253 – 259 , وستجد فيه ما يسرك إن شاء الله .

رابعاً : قولك : موئل: أرى أنها قليلة في حق الله فيجب أن تختار كلمة أعظم وأدق في الوصف
فالله ليس مجرد موئل بل هو أعظم موئل..
قد يكون معك حق في ذلك , والله تعالى أعظم مما نقول , ومهما قلنا في ثناء الله فلن نبلغ محامِدَه , ولكن ربما ألجأتني القافية وضيق المساحة الشعرية لهذه الخاتمة .

وأخيرا أشكرك أخي العزيز على ملاحظاتك الجميلة , ولا شك أن لها حظا كبيرا من النظر , وكما قلت لك في البداية : أنا لست بشاعر تطاوعني الأبيات , ولكني أحاول أن أُصَفْصِفَ من الكلمات ما يكون به الوزن مستقيما , فيخرج شبيه الشعر .
__________________

وَمِنْ عَجَبٍ أنَّ الفتَى وهْوَ عاقِلٌ ,,, يُطِيعُ الهَوَى فِيما يُنافِيه رُشْدُهُ
يَفِرُّ منَ السُّلوان وهْوَ يُرِيْحُـهُ ,,, ويأوِي إلى الأشْجانِ وهي تَكُدُّهُ


[ محمود سامي البارودي ]
أبو سليمان الحامد غير متصل