قوله تعالى : {وَإِذِ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ يَنشُرْ لَكُمْ رَبُّكُم مِّن رَّحمته ويُهَيِّئْ لَكُم مِّنْ أَمْرِكُم مِّرْفَقًا } (16) سورة الكهف
قوله تعالى : " وإذا اعتزلتموهم وما يعبدون إلا الله "
( ما ) هنا موصولية , وليست نافية , والمعنى : وإذا اعتزلتموهم واعتزلتم الذين يعبدون , ومعنى الاستثناء ( إلا الله ) أي أنكم اعتزلتم هؤلاء المشركين واعتزلتم معبوديهم إلا الله تعالى , وهذا يدل على أن أقوامهم كانوا يعبدون الله ولكن يشركون معه آلهة أخرى .
وهذا مثل قوله تعالى عن إبراهيم عليه السلام : " {قَالَ أَفَرَأَيْتُم مَّا كُنتُمْ تَعْبُدُونَ , أَنتُمْ وَآبَاؤُكُمُ الْأَقْدَمُونَ , فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِّي إِلَّا رَبَّ الْعَالَمِينَ } سورة الشعراء
وقوله تعالى : {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَرَاء مِّمَّا تَعْبُدُونَ , إِلَّا الَّذِي فَطَرَنِي فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ } سورة الزخرف .
وإن كانوا لا يعبدون الله تعالى أبدا فإن الاستثناء يكون منقطعاً , وتفصيل ذلك في علم النحو .
- وفي الآية دليل على مشروعية الاعتزال والفرار بالدين إذا خشي الإنسان على نفسه من الفتنة في دينه , ولم يستطع مواجهة الواقع .
- عدم ذكر مكان الكهف يدل على أنه لا ينفعنا بشيء , بل المقصود هو القصة ذاتها , ولو كان فيه منفعة لذكر الله لنا اسمه ومكانه ( ذكره ابن كثير عن ابن عباس وقتادة ) .
- دخول الشمس على الكهف عند الغروب فقط لانكسار ضوئها , لئلا تحرق بشرتهم وهي في قوتها أول النهار , ولئلا تفسد أجسامهم حين يعتزلون أشعة الشمس نهائيا , فجعل الله لهم من الشمس قبسا بسيطا , وهو أنها تقرضهم قرضا سريعا بما فيه صلاح أجسادهم .
- قوله تعالى : " من يهدِ الله فهو المهتد " ( ال ) في المهتد للكمال , أي أن من هداه الله فهو الذي قد حصل الهداية الكاملة .
- قوله " ونقلبهم ذات اليمين " أي أن الله تعالى يقلب أجسادهم في منامهم ذات اليمين وذات الشمال لئلا تأكل الأرض أجسادهم من طول اللبث [ مروي عن ابن عباس ]
- قوله تعالى : وكذلك بعثناهم ليتساءلوا : اللام في ( ليتساءلوا ) ليست للتعليل كما قد يفهم البعض , فالبعث ليس لأجل أن يتساءلوا , ولكن اللام للصيرورة والعاقبة , أي بعثناهم فتساءلوا ,, كما قال تعالى " {فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا إِنَّ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا كَانُوا خَاطِئِينَ} (8) سورة القصص , فهم لم يلتقطوه ليجعلوه عدوا , وإنما التقطوه فكان لهم عدواً وحزَنا .
- الورِق : هي الفضّة , وهي نقودهم التي كانت معهم , وحمل النقود معهم لا ينفي التوكل على الله تعالى , بل هو فعل المتوكلين على الله حق التوكل .
- قوله : فلينظر أيها أزكى طعاما , قيل : أجودَه , وقيل : أطهرَه وأحلَّه , وهذا يدل على أنهم مع تقواهم وزهدهم فأنه لم يمنعهم ذلك من الحرص على جيد الطعام ونقيِّه .
- شدة خوفهم على دينهم بالتواصي على الحذر ( وليتلطف ) ( ولا يشعرن بكم أحدا ) , وبينوا سبب هذا الخوف , وهو أن قومهم إن ظفروا بهم كان ذلك سببا في فتنتهم عن دينهم , وردهم إلى الكفر أو تعذيبهم ورميهم بالحجارة , وحينئذ لن تفلحوا أبدا عند الله تعالى إن دخلتم في دينهم . {إِنَّهُمْ إِن يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ يَرْجُمُوكُمْ أَوْ يُعِيدُوكُمْ فِي مِلَّتِهِمْ وَلَن تُفْلِحُوا إِذًا أَبَدًا} (20) سورة الكهف
__________________
وَمِنْ عَجَبٍ أنَّ الفتَى وهْوَ عاقِلٌ ,,, يُطِيعُ الهَوَى فِيما يُنافِيه رُشْدُهُ
يَفِرُّ منَ السُّلوان وهْوَ يُرِيْحُـهُ ,,, ويأوِي إلى الأشْجانِ وهي تَكُدُّهُ
[ محمود سامي البارودي ]