قوله تعالى : " قل الله أعلم بما لبثوا ... "
قال ابن كثير كلاما نفيسا هنا أنقله بنصه : " أي إذا سُئِلْتَ عن لبثِهم وليس عندك علم في ذلك , وتوقيف من الله تعالى فلا تتقدّم فيه بشيء , بل قل في مثل هذا : " الله أعلم بما لبثوا له غيب السموات والأرض " أي لا يعلم ذلك إلا هو , ومن أطلعَه عليه من خلقِه , وهذا الذي قلناه عليه غير واحدٍ من علماء التفسير كمجاهدٍ ,وغير واحد من السلف والخلف " تفسير ابن كثير ( سورة الكهف ) .
وهذا التفسير ردٌّ على من قال بأن لبث أهل الكهف ليس ( ثلاثمائة سنة ) لأن الله قال بعدها : الله أعلم بما لبثوا .. فظنَّ هذا القائل أن قوله : الله أعلم بما لبثوا استدراك على عدد السنين الوارد في الآية قبلها .
قال أبو سليمان : وهذا غير صحيح , لأن الله تعالى أخبر بنفسه عن العدد بقوله : " ولبثوا في كهفهم ... " ولا يمكن أن ينسخ الله خبرا أخبر به سبحانه , لأنه ليس أحدٌ أصدق من الله قيلا , وليس أحدٌ أصدق من الله حديثاً ,, ولأن الأخبار الواردة في القرآن لا يدخلها النسخ كما هو معلوم عند علماء التفسير والأصول .
وقد يكون قوله : الله أعلم بما لبثوا ,, تأكيد للعدد الذي ذكره الله قبلا ( ثلاثمائة سنين ) : أي يا محمد لا تلتفت لمن يكذب هذا الخبر أو يزيد عليه أو ينقص فنحن أخبرناك به ونحن أعلم بما لبثوا , فلذلك قولنا هو الحق .
- قوله تعالى : أبصر به وأسِمع : أسلوب تعجبي : أي ما أبصره ! وما أسْمَعه ! , والضمير يعود إلى الله تعالى , وبدأ بالإبصار هنا لأن حال الكهف المصورة من أول السورة تستدعي النظر قبل السماع , فحالهم وهم فارون , وهم منعزلون , وهم نائمون , وهم متقلبون , وحال كلبهم , وحالهم بعد البعث , كلها أحوال بصرية , فسبق الإبصار هنا عن السماع ,, والله أعلم .
__________________
وَمِنْ عَجَبٍ أنَّ الفتَى وهْوَ عاقِلٌ ,,, يُطِيعُ الهَوَى فِيما يُنافِيه رُشْدُهُ
يَفِرُّ منَ السُّلوان وهْوَ يُرِيْحُـهُ ,,, ويأوِي إلى الأشْجانِ وهي تَكُدُّهُ
[ محمود سامي البارودي ]