قالت لي بنيّتي : أبي .. صف لي جدتي .
اعتدلت في جلستي ، وضعت فنجان القهوة .
وأخذت نفسا عميقا ، واغرورقت في عيني دمعة .
ترى أي حرف سيفي بوصفها ، فهي ليست كالأمهات في نظري .
الحديث عنك يا أمي محض مغامرة ، إن منيت بالفشل .
فسيكون خيبة أمل ، وإجحاف في حقك .
أمي ..
يابنة الريف والفلاح ..
أين تعلمت هذا الوقار , والصبر, والإدراك ؟!
فلم تمسكي قلما ، ولم تقرئي كتابا ، أوتسمعي واعظا .
من أين لك ذلك البشر والنضارة ؟! فلم تقتني يوما أصباغا ، ولا مساحيقا .
أم هو أثر الوضوء لكل صلاة ، ونزاهة وسكينة تسكنان جنبيك .
صوتك منارة ذكر ، وزواياك محراب وقبلة .
يا ذات الطهر ، قطرات الماء من أطرافك بعد الوضوء كسبت طهرا فوق طهرها .
أمي ..
لم يعد للإنجاز في حياتي فرحة ومذاق ، فقد كان كل شيء لأجلك .
تعلمت هذا منك ، فأنت من تذوب كل الدنيا ، وتصبح حطاما في عينيها .. لأجلنا .
فعندما تفرحين ، تتدفق في قلبي جداول ، وتخضر أغصان ، وتتفتح أزهار
عطر آسر في أشيائك ، في سجادتك ، و رداء صلاتك .
حنان في كل ما لامست يداك ، في خبزك ، وحسائك .
حتى الألم يتلاشى ، بل يزول مع ضمادك ، ودعواتك .
لا .. لا .. ليس هذا ما أريد ، سألتزم الصمت ، فهذا عبث إزاء إجلالك ، ومقامك
فمجازفتي بالحديث عنك ، باءت بالفشل وهذا ماكنت أخشاه
إذ لو تركت هذا المتصفح أبيضا كقلبك ، وقلب ابنتي
لكان أجمل من تلطيخه بعبث حرفي وسواده .
أفقت من شرودي بعد طلب بنيّتى ، وليس حولي إلا الصمت ، وفنجان بارد
( ما أعدلك يا الله أن جعلت حبّها ، وبرّها عبادة ، وتقربا إليك )
اللهم أسكنها الفردوس الأعلى .
|