((هذا حالنا)) .. هل نتحسر عليه أم نضحك منه
أسعَدَ الله أوقاتَكم ..
تعبتُ وأنَا أقلِّبُ القلمَ من يدٍ إلى أخرَى ، أريدُ أنْ أعرفَ كيفَ أكتُبُ الحسْرَةَ تلوَ الحسرَةِ ، ثمَّ لم أشعرْ بنفسي إلا قدْ اختلَفت عليَّ الأوضاعُ ، فتارةً أريدُ كتابة هذه الزفراتِ قائماً ، وأخرى قاعداً ، أو على جنبي ، حيثُ تثقلُ اللبيبَ الحالُ التي وصلَ لها الحال ، فالمرءُ لا يعْلمُ متى يستقرُّ عيشُه ، ولا متى تهنأُ نفسُه ، فالترْبِيَةُ صارتْ عسيرةً ، بل أصبَحَ المُرَبي يخشَى منهُ على المُرَبَّى ، فالآباء والأمهاتُ محلُّ الأمنِ ومقصِدُ الرِّعايةِ ، وإليهما يتَّجِه الخائفُ والباحِثُ عن النُّصحِ والإرشادِ ، ولكِن في هذا الزمنِ تغيرَتِ الآيةُ والله المستعانُ ..
ما دفَعَني لكتابةِ هذه السطور، هو قصَّةٌ حكَتْهَا لي إِحْدى الأقاربُ ، تقولُ : دُعيْتُ لحفلٍ من إحدى الصَّدِيقاتِ بالعملِ بمنطقة الرياض لحفلٍ بمنزلها ، فقلتُ إنها قريبةٌ من قلبي ولا بدَّ من إجابةِ دعوتها ، فلما حضرتُ إلى منزلهَا الذي تبدو عليهِ آثارُ النِّعمةِ ، دخلتُ فإذا عددُ كبيرٌ من النساء قدْ حضرنَ قبلي ، وجلستُ وعلى حدِّ علمي أنَّ الحفلةَ مقامةٌ لابنةِ صديقتي ، أما السببُ فلا أعلمُه ، وأما البنتُ فلم يسْبِق لي أن قابَلتُها ، فلما مضَت برهةٌ من الزمن إذا بالبنتِ تُطلُّ علينا ، وبدأتْ الزغاريدُ تصدحُ ، والابتهاجُ يعلو ، والتصْفيقُ يترددُ في تلك الصالةِ الفخمةِ التي زانهاَ الرُّخامُ والأثاثُ الفاخرُ ، فقلتُ لعلَّها زِيجَةٌ لم أعلمْ بها وهي العروسُ تقدمُ لما يسمى "بالزوارة" ، أو لعلَّها قد حصلتْ على شهادةٍ عليا ، فقررتُ قطعَ الشكِّ باليقينِ ، واقتربتُ لأسمعَ المباركاتِ لمَ ولمنْ ..
فلما اقتربتُ إذا بالمباركاتِ تنهالُ على صدِيقتِي وابنتها ولكنَّ ما فاجأني هو صِغَرُ عمرِ الفتاةِ ، فمباشرةً استبعدْتُ أن تكونَ عروساً ، وبالتالي استبعَدْتُ أن تكونَ فرحةَ حصولٍ على شهادةٍ علميةٍ ذاتِ بال ..
فاقتربتُ من إحدى الحاضراتِ والتي كانتْ تكثرُ الكلامَ والتبريكَ و "اللقافة" فقلتُ لها ، ما شاء الله أخيراً حقق الله مناهم ، محاولةً معرفةَ سبب الحفلةِ بأقربِ مناسبٍ لكلِّ مناسبةٍ من الكلام ..
فردَّتْ عليَّ : ( إيه والله ، الواحد كم مرة يبلغ بعمره ) فاستَغربْتُ من إجابتها ، وقلتُ لها : أنا دُعيتُ لهذه المناسبةِ ولم تتسنَّ لي الفرصةُ للسؤالِ عن سببِها ، فهل توضِّحينَ لي سبَبَها ...
قالتَ -ويالهول ما قالت- : "هذي ابنة صديقتك فلانة بلغت اليوم ، ومسوين لها حفلة بلوغ " ، قلت : بلوغُ أيِّ شيءٍ ، قالت : "بلغت يعني ما تفهمين " ..
ولم أصْحُ من هول الصدْمَةِ إلا على دخول التُّرتَة (الكيك) ، حيثُ زادَ مواجعي ، فقد شُكِّلَ على هيئةِ كيسِ محارم (( فــام )) ..
والجميع مبتَهجٌ إلا من رحم الله ، ومعجبٌ بالتصميم الذي سيأكلون منه ، قالت : فاتصَلتُ على زوجي مذعورةً فقلتُ له : تعالَ بسرعةٍ وأقلنيْ فلم أجد داعٍ لجلوسي ..
كما تشاهِدونَ هذهِ حالٌ تضَعُ عقلَ اللبيبِ على كفِّه ، ولكنْ هونَ عليَّ أن هذا من سننِ الله التي قضى بأن تمضيَ ، أوليسَ أخبرَ النبي صلى الله عليه وسلم : (لتتَّبعُنّ سننَ من كانَ قبْلَكُم ، حذوَ القُذَّةِ بالقُذَّةِ ، حتى لو دخلوا جُحرَ ضبٍّ لدخلتموه ) أو كما قال عليه الصلاة والسلام ..
وإلا لم تُعرَف هذه الطُّقوسُ إلا عن اليهود فَهمْ وحدَهم الذيْنَ يُقيمونَ حفلاتِ البلوغ ، ولكن بطابعٍ دينيٍّ ، ولكن جَعلنَاها نحنُ بطابعٍ تَبَعيٍّ معدَّلٍ ، باستِخدامِ "فام" ولا أدري هوَ ماكسي أو رومانس ..
هيا .. هيا لنُحرِّرَ الأقصى ، هيا .. هيا ، الله يخلف بس ..
|