رابعا : لا انتهاء للحرب مع الكافرين إلا بأن يزال الضرر الواقع على المسلمين ، و أن ترجع إليه حقوقهم ، و أراضيهم ، و يستردوا حريتهم ، أما وضع نهايات أخرى ملفقة للحروب ، فذلك أمر من قبيل الخداع ، لا ينبغي الاستجابة له ، و في ذلك يقول خطاب رحمه الله ردا على سؤال حول قدرة المجاهدين على الصمود و متى تنهي الحرب بالنسبة لهم : " نعم – إن شاء الله - فلو لم تكن عندنا القدرة على ذلك لما دخلنا ( داغستان) لنجدة إخواننا في مناطق إقليمي (بوتليخ) و (كراماخي) لقتال الجيش الروسي المريض الذي أوقف الحرب في سنة (1996م) بعد دخول المجاهدين (جروزني) للمرة الثالثة ، وحصار القوات الروسية فيها من كل مكان ، وضرب قوافلهم عدة مرات ، وهذا السؤال الأحرى أن يوجه إلى قيادة الجيش الروسي المتهالك : هل عندهم القدرة على مواصلة القتال ضد المجاهدين أم لا ؟ أما إلى متى هذه الحرب؟ فنحن نقول حتى يباد الجيش الروسي في القوقاز وما ذلك على الله بعزيز "
خامسا : القائد ليس منصبا مريحا ، و لا يعني الأمان أو الابتعاد عن أوجه الخطر ، بل بالنسبة إلى خطاب القيادة معناها مزيد من التضحية ، و الفداء لإخوانه من كل خطر ، القيادة هي مسؤولية و ولاية تولاها على المسلمين ، فعليه أن يكون ناصحا لهم ، و هكذا كان خطاب رحمه الله ، كما يروي عنه رفاقه ، و يقول أبو عمر النجدي في مقالاته عن الانحياز من جروزني ، و الصعاب التي واجهوها في ذلك ، : " قام القائد خطاب حفظه الله برصد الطريق بنفسه لضمان سلامة الطريق وسهر الليالي الطوال المتواليات يفكر في أمرالجرحى والمرضى والأصحاء على حد سواء ، ولا غرابة في ذلك فقادتنا يسيرون على نهج المصطفى صلى الله عليه وسلم ويقتدون بأصحابه رضوان الله عليهم أجمعين " ، و يقول في موضع آخر : " كان القائد العام حفظه الله يبحث لنا عن طريق سهل علينا يحافظ فيه على قوانا وطاقتنا فعرض نفسه للخطر أكثر من أربع مرات كل ذلك حتى يجنبنا الإرهاق وذلك بصعود جبل شاهق كان يعرف أنه سينهك قوانا لو سلكناه أولاً فحاول الاستبقاء على قوانا ولكن دون جدوى ، فأمرنا أخيراً بعد المحاولات مضطراً الصعود إلى الجبل الذي تجنبه أولاً " ، أما خطاب نفسه ، فيقول ردا على سؤال حول اتهام قادة المجاهدين بأن لهم اتصالات سرية مع الروس : " كلّنا في أيدي الله. هنا نحن - واحد بدون رجل ، آخر بدون يد، و الثالث بدون عين، جروح ، و شلل. نحن بين المجاهيدين، نشارك في العمليّات، نطلق النيران من مسدّسات و نستخدم القنابل اليدويّة، و المدافع الرّشّاشة و باختصار أكبر، نقاتل بمعية الآخرين، و نحن في المقدّمة مثل المجاهدين الآخرين. عند الخروج إلى المعركة نطلب من الله الشهادة في سبيله. كلّ الأمور الأخرى هي أقاويل لا أساس لها ، من يريد أن يعمل في طريق اللّه دعه يأتي هنا ليرى كيف نجاهد ، كنّا في كلّ مكان - في دبا-يورت، جوهر، و في كلّ مكان ، حيث كانت هناك مشاجرات مكثّفة ، من جرح في البداية ؟ كان هؤلاء شامل و حرّاسه ، و من الأوّل للمرور فوق الألغام ؟ كانوا القادة ، و قد استشهد الكثير ، أصدقاء أكثر حميميّة لأصلان بيك و شامل و الآخرون فقدوا ، من انفجر , من جرح , و من أسر ؟ نحن لن نمدح و نخصّص كلّ شخص ، لكن الحقيقة أن أمراء كثيرين أصبحوا شهداء و هم ينقذون مجاهدين " ...
سادسا : وحدة الصف هي دعامة أساسية في مواجهة عدو غاشم و ملحد كالروس ، و عندها ينبغي التغاضي عن أي خلاف سياسي ، و اعتبار أن الجميع في خندق واحد ، و كان خطاب رحمه الله رغم ما بينه ، و بين أصلان مسخادوف من اختلافات كثيرة في المواقف أو الرؤى ، إلا أنه كان يحرص على إظهار وحدة الصف ، و أن الخلاف أمر طبيعي ، و المهم أن يكون الجميع في نفس الخندق ، يقول خطاب عن مسخادوف : " أصلان مسخادوف هو رئيس الجمهورية الشيشانية كما هو معلوم ، أما عن وجود خلافات ، فلا يخلو قوم منها وهذه من طبيعة البشر ، ولكن المهم أن الجميع يد واحدة وعلى قرار واحد في مواصلة الجهاد ضد الجيش الروسي الغاشم حتى نهايته ، وهذه بداية النهاية بإذن الله تعالى " ...
سابعا " لا ينبغي للقائد أن يصاب بالياس أو القنوط من رحمة الله تعالى ، حتى و هو في احلك الظروف ، و عليه أن يبذل كل الجهد للخلاص من الأزمة ، دون أن يبدي هلعا أو يثير الفزع في نفوس الإخوان ، و كان خطاب رحمه الله ذا إرادة حديدية لا يعرف اليأس لقلبه طريقا ، و في حصار جروزني الشهير ، لما ضاقت السبل بالمجاهدين ، لم يدفعهم ذلك للاستسلام أو التخاذل ، بل صمدوا ، حتى تحقق لهم الانحياز بما يشبه المعجزة العسكرية ، و يقول خطاب نفسه واصفا إحدى المواقف العصيبة أثناء ذلك : " أرسلت الأخ أبا عمر النجدي فضلَّ الطريق وانقطعت أخباره عنا ، ثم ذهبت أنا وأبو الوليد لنرصد الطريق فلما وصلنا إلى إحدى الغابات في الليل لمحنا ناراً من خلال الأشجار فظننت أنهم من المجاهدين ، فلم أتقدم خوفاً من أن يظنونا من الروس فيرموا علينا ، ولم أتوقع أنهم من الروس فلم يكن لهم من قبل أماكن كهذه ، فتقدم أبو الوليد إلى ثلاثة أمتار منهم وقال السلام عليكم ثلاث مرات ولكن لم يردوا فتراجع إلى الخلف وفتح أمان السلاح ، ثم أرسلت أحد الإخوة الشيشانيين لكي يتفاهم معهم بالشيشانية فبدأ الروس بإطلاق النار ، وجرح أحد الإخوة الشيشانيين وانسحبنا من المكان ، وقبل هذا كنت بجوارهم أتكلم في جهاز اللاسلكي لفترة طويلة ولكنهم لم يسمعوا ، ثم بدأنا نبحث عن طريق آخر وصعدنا إلى قمة أخرى لنسلكها وعند السير فوجئنا بكمين آخر للروس ، وبدأ إطلاق النار قتل فيه أحد الإخوة ، وجرح الأخ أبو الوليد في ظهره ثم انسحبنا لنبحث عن طريق ثالث ، وعلمنا أن الطريق الذي نحن فيه لا يصلح لوجود الروس فيه بكثرة ، فأرسلنا أحد الإخوة الشيشانيين فرجع ولم يكمل الطريق لأن الثلج قد نزل وأعاقه عن مواصلة الطريق ، فبدأت أجتهد وأبحث عن طريق آخر فلم يكن أمامي سوى خيار واحد هو صعود الجبل الذي إلى يسار الوادي - أي من جهة الشرق تقريباً - فأرسلت المجموعة الأولى معها أبو ذر الطائفي رحمه الله عبر هذا الطريق لكي يدخلوا إلى القرى ثم نأتي نحن من بعدهم ، وعندما سار أبو ذر كان الطريق جيدا ولكنه لا حظ على يمين الطريق مواقع للروس تبعد حوالي 1 كم فأخبرني بجهاز اللاسلكي عندها لم تطمئن نفسي لهذا الطريق ، فصعدت إلى أعلى الجبل وهناك جلست ، وفي اليوم السادس كان الروس يمشون على آثار الأخوة الذين مشوا بالأمس فتقابلنا في الجبل الذي يطل على الوادي الذي به المجاهدون وبدأت الرماية ، وكان ذلك في الساعة 11 قبل الظهر ثم جاءت المجموعات الأخرى بعدنا " ...
و يقول أبو عمر في مقالاته : " من الملاحظ أننا لم نكن نسمع المكالمات بين القادة ومجموعات الاستطلاع ، ولم نكن نعلم بالمحاولات التي يجريها القادة للخروج بنا من بعض المواقف الصعبة ، ولكننا سمعنا صوت أبي ذر يوم نادى القادة بالجهاز وأخبرهم عن وجود طريق نخرج منه خارج وادي الموت ، وأظن أن القادة وخاصة القائد العام كان حريصاً على ألا يصلنا أي خبر عن تفاصيل محاولات الخروج وخاصة المحاولات الفاشلة وقصده في ذلك ألا يفت في أعضادنا ويحبط نفسياتنا ، وكان هذا الفعل منهم حقاً فعلاً رشيداً اقتدوا فيه بسيد الأولين والآخرين ، ولم يسمعونا إلا الأخبار السارة والبشرى الحسنة ، اقتداءً برسول الله صلى الله عليه وسلم " ...
ثامنا : الرفق بالمدنيين والحرص على سلامتهم فالجهاد بالنفس و طلب الشهادة ، و التضحية بالغالي و النفيس ، لا يعني ان يتعامل المجاهدون مع المدنيين و الاهالي ، بنفس الأسلوب الذي يتبعونه مع أنفسهم ، بل ينبغي الرفق بهم ، و الحرص عليهم و على أرواحهم ، و كان خطاب رحمه الله مدركا لذلك تماما ، و كان حريصا على ألا يصيب الأهالي أي أذى بسبب المجاهدين ، يقول أبو عمر حاكيا عن دخول المجاهدين قرة تاوزني : " كان استقبال أهل القرية للمجاهدين عجيباً حيث خرجوا لهم بالطعام والشرب بل وفتحوا أبواب بيوتهم للمجاهدين للنوم والاستحمام والاستراحة مما كان له الأثر في رفع معنويات المجاهدين ، وارتحنا فيها بعد عناء طويل ، ثم أمرنا القائد العام بالخروج من القرية خشية أن يعلم الروس بنا فيحاصروا القرية ويؤذوا المدنيين ، فكان القادة حريصين على حياة المدنيين العزّل أكثر من حرصهم على راحة المجاهدين ، فالحفاظ على أرواح المدنيين كانت على قائمة المهمات التي يراعيها القادة فهم على استعداد أن يتحملوا ويحملوا المجاهدين العناء بشرط ألا يتضرر مدني واحد ، وكان من أهم الأسباب التي تم تحويل أسلوب حرب المجاهدين من حرب نظامية إلى حرب عصابات هو الحفاظ على أرواح المدنيين و حتى لا يقصف الروس القرى التي يقطنها المدنيون ، فمن قال أن المجاهدين يتترسون بالمدنيين فهو عدو يردد ادعاء الأعداء ولم نشهد من القادة إلا الحرص على أرواح المدنيين ودينهم وأعراضهم وأموالهم .
معالم الفكر الجهادي عند خطاب :
خمسة عشر عاما تقريبا قضاها خطاب رحمه الله في جهاد متواصل ، في مناطق مختلفة من العالم الإسلامي ، في أفغانستان ، و طاجيكستان ، و داغستان , و الشيشان ، و خلال تلك الأعوام المتلاحقة ، تكونت لديه رؤية واضحة للجهاد في سبيل الله ، كانت تسوقه في مسيرته الباسلة ، و تمهد له الطريق في دروب الجهاد الوعرة ، رؤية تنطلق من كتاب الله و سنة نبيه عليه الصلاة و السلام ، و ترتكن على خبرة و تجربة عريقة رغم حداثة السن ، و يمكن ان نصوغ معالم الفكر الجهادي لخطاب في النقاط التالية :
أولا : الجهاد ذروة سنام الإسلام ، و له أهدافه التي لا ينبغي أن يحيد عنها المجاهدون ، و إلا لم يعد ما يفعلونه جهادا ، و الانطلاق من الكتاب و السنة ، وفهم السلف في مسيرة الجهاد الطويلة الشاقة أمر لا تفريط فيه ، و كان خطاب رحمه الله سلفيا بمعنى الكلمة في جهاده ، فقد كان يرى أن تطبيق شرع الله هو الهدف الأسمى للجهاد ، كما أن نصرة المسلمين واجب شرعي لا يترك ، يقول : " نحن أمام واجب شرعي قبل أن تكون مهمة إنسانية ، وهذا الواجب هو تقديم النصرة لإخواننا المسلمين في كل مكان بالنفس والمال ، كما قال الله تعالى " وإن استنصروكم في الدين فعليكم النصر " .. و يكفي لإثبات سلفية خطاب في جهاده أن نقرأ ما قاله عنه الخائن احمد قديروف الصوفي الحاقد ، الذي استأجره الروس و حولوه من مفت للشيشانيين إلى مندوب لهم في الشيشان ، يقول أحمد قديروف عن خطاب و رفاقه : " أنا لا أستطيع التنقل بدون حراس ، ومع ذلك وبالرغم من الحراسة فقد تأذيت على أيدي الوهابيين – خطاب و رفاقه من العرب - خسرت خمسة أفراد من حراسي " ، و يقول : " لقد فجروهم لأني أعلنت أن الإسلام العصري الذي كان سائداً في أرض الشيشان سيعود، ولن أسمح بتغييره، ولن أسمح بمجيء تيار آخر بزرع الفرقة بين الشعب، لن أسمح بمجيء من يسميهم كتاب الله أهل دم " ، و يضيف : " نحن عندنا مذهب السوفيتي الصوفية منذ أن اعتنقنا الإسلام ، وبالتالي هل جميعنا مشركون على مدى الأجيال ، قبل أن يظهر عندنا أبو عمر ، وعبد الرحمن ، وخطاب ، وغيرهم " ..
ثانيا : يوقن خطاب تماما أن النصر في هذه المعركة الشرسة مع الروس ثاني أقوى دولة في العالم ، إنما يكون بتوفيق الله سبحانه و تعالى ، و بقوة الإيمان و اليقين ، يقول : " يعود سبب وقوفنا في وجه هذه الآلة العسكرية وانتصاراتنا عليهم لفضل لله - عز وجل – أولاً ، ثم إلى الرسالة الصادقة التي يحملها المجاهدون في الدفاع عن عقيدتهم وأرضهم حتى يحققوا الخلاص من الحكومة الروسية المتهالكة " ، و يقول : " أما عن السلاح فعندنا سلاح الإيمان والتوكل على الله وحده أولاً ، ثم السلاح الروسي الذي نغنمه من القوات الروسية ( وجعل رزقي تحت ظل رمحي) كما قال صلى الله عليه وسلم""
ثالثا : الحرب التي يخوضها العالم الغربي ، و روسيا ، إنما هي في مجملها حرب ضد الإسلام ، مهما اختلفت المسميات ، و مهما حاول الكافرون أن يظهروها على غير ذلك ، و يقول خطاب في هذا الشأن : " الحرب ضدّ الإسلام بدأت منذ وقت طويل ، لكنّ الآن هي ببساطة حرب علنية ، بالإضافة إلى ذلك ، يريدون أن يدمّروا الإسلام باستعمال أيدي مسلمة ، و يسمّوننا إرهابيّين , لتبرير قتلهم ، يعرف العالم بالكامل , من الإرهابيّون الحقيقيّون ، لكنّ الجميع صامت ، لأن ذلك في مصلحتهم .. " .
و في وعي واضح لأسلوب الغرب في استغلال شخص أو مجموعة لتبرير الأعمال التي تقوم بها ، ضد شعب أو شعوب بأكملها ، قال خطاب تعليقا على الاتهام الأميركي لبن لادن أنه السبب في إشعال هذه الحرب الهائلة : " لا يمكن أن يكون شخص واحد السبب لمثل هذه الحرب الكبيرة ، إنّها كذبة ، الأسباب الحقيقيّة مختلفة ، الجميع ينبغي أن يبرّر أفعاله لذلك اعتبر أسامة بن لادن مذنب و سيّئ ، هناك حكم إسلاميّ في أفغانستان ، هناك شريعة ، و المسلمون هناك أقوياء ، الغرب و روسيا مستاء من ذلك منذ وقت طويل ، و يبحثون عن الأسباب لبدء حرب ، حتّى لا يسمحوا للشريعة أن تنشئ في الدولة .. " ...
رابعا : يعلم خطاب جيدا في جهاده ضد الروس أن هزيمتهم لن تكون هزيمة عسكرية بالمعنى المفهوم ، أي مواجهة بين جيش الشيشانيين و الروس تنتهي بانتصار المسلمين ، و انسحاب الروس لعجزهم العسكري ، و لكن النصر على الروس يكون إن شاء الله باستغلال أهم نقطة ضعف عندهم ، و هي العجز عن تحمل قدر كبير من الخسائر البشرية بالأخص يستمر لفترة طويلة ، على الرغم من احتفاظهم بقوتهم العسكرية كاملة كما هي ، و قدرتهم على تعويض خسارتهم ، يقول خطاب – رحمه الله - : " الجميع يعرف أنّ الرّوس حضّروا لهذه الحرب بعناية فائقة ، نحن نعتبر كجماعة من قطاع الطرق الصغيرة ، لكنّ الرّوس بدءوا حربهم كما لو كانوا في حالة حرب مع جيش منضبط ، استعملوا كلّ الأسلحة الموجودة لديهم ، لكنّ إن شاء الله، ليس من الممكن أن يفوزوا بهذه الحرب ، منذ سنتين ، لم يستطيعوا فعل شيء معنا ، اليوم الرّوس قد فهموا جيّدا أنّ الحلّ العسكريّ للمشكلة لن يساعدهم ، فقد ثارت الأمّة بالكامل على روسيا ، عرفنا , بالتّأكيد ما هي الطريق التي يجب أن نسلكها عندما قبلنا هذه الحرب ، نحن اليوم أقوى مما مضى ، يوميًّا ندمّر القوّة البشريّة الكثيرة و قوات الهندسة ، مع ذلك روسيا تحاول أن تخفي خسائرها ، يظهرون أن شخص واحد قتل ، و واحد و نصف جرح ، لقد فزنا بهذه الحرب بالفعل ، لكنّ الرّوس مازالوا لا يعترفون بذلك ، فيما بعد سيعرفون ما هو الأفضل لهم " ..
خامسا : في إطار المواجهة العسكرية مع الجيش الروسي يعتبر خطاب و رفاقه أن أهم عوامل التفوق و إرباك العدو ، هو عدم وجود اي منشآت حيوية ، أو مقرات ثابتة للمجاهدين في الشيشان ، بل هم دائما مجموعات صغيرة دائمة التنقل ، يتبدل مكانها من المدن و القرى إلى الجبال حسب تطورات المعارك ، و ينعى خطاب على الجيش الروسي الذي عجز عن التوافق مع هذا التكتيك فمضى يحارب المجاهدين بأسلوب عقيم لا يتناسب مع ظروف الميدان ، فيقول : " أود أن أبين قضية مهمة بالنسبة للوضع العسكري الروسي : عدد القوات الروسية في داخل جمهورية الشيشان تضاعف من خمسين ألفاً إلى ما يقرب من مئتي ألف جندي ، وهذا العدد الضخم ضد قوات المجاهدين القليلة نسبياً لا شك أنه يفرض نفسه في واقع التكتيك الميداني ، ومع هذا العدد الكبير إلا أن القوات الروسية استخدمت تكتيكات كانت تعتقد أنها سوف تنجيها من الفشل الذي لحق بها في الحرب الأولى ، و هو الضرب من بعد كما فعلت قوات الأطلسي في يوغسلافيا ، ومحاولة تجنب الاشتباك القريب مع المجاهدين ، إلا أن هذا التكتيك كان فيه سوء تقدير فنحن لا نشبه الحكومة اليوغسلافية من حيث إننا نعتمد على منشآت حيوية ومواقع استراتيجية لإدارة الحرب ، ولكننا في الشيشان نعتمد أولاً على الله في إدارة الحرب ، ثم لدينا طرق أخرى لا تعتمد على مرافق ولا منشآت حيوية أو حتى ترتبط بمدن معينة ، فهذه التقديرات الخاطئة التي اعتمدت عليها القوات الروسية في وضع خطتها العسكرية سببت لها إحراجاً شديداً ، وهي الآن تقرر مضطرة استخدام أساليب حرب المشاة والاشتباك في ميادين القتال ، ولهذا بدأت بتهيئة الرأي العام الروسي لاستقبال أعداد كبيرة من جثث الجنود.
سادسا :كان خطاب يؤمن بالجهاد من خلال الإعلام و نقل عنه أنه قال " إن الله أمرنا بمجاهدة الكافرين وقتالهم بمثل ما يقاتلوننا به . وهاهم يقاتلوننا بالدعاية والإعلام لذلك فيجب علينا أيضا مقاتلتهم بإعلامنا " ، لذلك فهو دائماً يصر على تصوير كل عملياته . ويقولون إن لديه مكتبة بها مئات الشرائط المصورة في أفغانستان وطاجيكستان والشيشان . وهو يعتقد بأن الكلام وحده ليس كافياً لدحض الادعاءات الكاذبة لإعلام العدو بل يجب توثيق هذا الكلام بالأدلة عن طريق الأفلام المصورة لدحض ادعاءاتهم . وهو أيضا قد صور شرائط مطولة للعمليات الأخيرة في داغستان تظهر مقتل أكثر من 400 جندي روسي وهذا الرقم يزيد عشرة مرات عن الرقم الرسمي للمسؤولين الروس الذين قالوا أن قتلاهم في داغستان كانوا 40 جندياً .
سابعا : النصر في المعركة بين المجاهدين و الروس ، له علامات خاصة ، و تدهور الأحوال العسكرية للجيش الروسي لا تعني بالضرورة أن يسترجع الشيشانيون أراضيهم و يطردوا الروس منها بين عشية و ضحاها ، بل لابد قبل ذلك من صبر طويل ، و استنزاف للعدو الروسي ، و هذا يعني أن الاحتفاظ بالأرض يحتاج إلى فقه واقعي عسكري حكيم ، ففي بدء المعارك أصر المجاهدون على الاحتفاظ بالمدن الرئيسة تحت سيطرتهم و قاوموا الغزو الروسي أسابيع طويلة ، لأن الاحتفاظ بها يرمز إلى الثبات ، و لكن لما اشتد الهجوم و زادت وحشية القصف ، و لحق الضرر بالمسلمين ، ظهرت المرونة في تكتيك المجاهدين ، حيث تنازلوا عن المدن التي يحتفظون بها ، و انتقلوا فورا إلى مرحلة حرب العصابات ، و التي من أهم شروطها عدم الاحتفاظ بمكان ثابت ، و الدفاع عنه بالقوة ، و في هذا المعنى يقول خطاب : " أود أن أبين أمراً يغفل عنه كثير من المطلعين على الحرب الآن ، و هو أن سقوط المدن الشيشانية أو حتى العاصمة لا يشكل هزيمة للمجاهدين ، ولا يشكل كذلك انتصاراً للقوات الروسية ، بل في تقديري إن سقوط المدن في أيديهم يشكل عبئاً عليهم ، فهم سيحولون تكتيكاتهم من الهجوم إلى الدفاع والمحافظة على المناطق التي سقطت ، والمتابع لأحداث الحرب الأولى ، يعرف أن سقوط المدن لم يشكل هزيمة للمجاهدين ولا نصراً لعدوهم ، فقد سقطت في الحرب الأولى تقريباً كل جمهورية الشيشان في أيدي القوات الروسية ، ومع ذلك لم تستطع الصمود أمام قوات المجاهدين أكثر من عشرين شهراً ، لا سيما أن وضع المجاهدين في هذه الحرب أقوى من وضعهم في السابق ، وكذلك وضع القوات الروسية أضعف من وضعهم في السابق ، ونحن نرجو من الله أن يؤيدنا بنصره ويهزم عدونا إنه على ذلك قدير ، فمهما كان فإن التقديرات المادية والعسكرية لا يمكن أن نعتمد عليها فنحن نعتمد على تقدير رب العالمين ولطفه بنا "
نظريات خطاب الجهادية الثلاث :
لم يكن المجاهد و القائد خطاب رحمه الله ، يقاتل بأسلوب عشوائي وإنما كان له فكر جهادي ناضج حتى أصبح مدرسة ومنهجا يدرسه أكبر المعاهد العسكرية في العالم، وكان له رحمه الله نظريات ثلاث في جهاده:
النظرية الأولى : التربية ، وعلى هذا الأساس كلما أتى بلداً من البلدان وأراد أن يفتح باب الجهاد فيها قام بأخذ مجموعة من شبابها ، ثم اعتنى بهم ووضعهم في محاضن دعوية حتى يكونوا هم أساس الدعوة والجهاد في ذلك البلد ، وفي الشيشان أنشأ معهد القوقاز الديني لتخريج الدعاة ، وأول مجموعة اعتنى بها في الشيشان كانت 90شخصا ثم صفاها حتى وصل عددها إلى 60 شخصاً وهم الآن أصل الجهاد في تلك البلاد ، مع العلم أنه وجد معارضة من بعض الطيبين في هذا الأمر حيث طالبوا بالقتال ابتداء وكانوا يحتجون بضيق الوقت واحتلال بلاد المسلمين والعبث بها ؛ ولكنه أسكنه الله فسيح جناته أصر على هذا الأمر ، وقد راهنهم عليه ونجح نجاحاً كبيراً .
وكان يحث جنوده على مسألة طالما نسيناها وهي مطابقة الفعل مع القول ؛ حيث كثيراً ما خاطب أصحابه من العرب قائلاً : إن هؤلاء لا يعرفون لغتكم ، ولا ينبغي أن يكون هذا حاجزاً بينكم وبينهم ؛ بل أروهم صدق أفعالكم .
النظرية الثانية : التجهيز ، وهذه النظرية لا نظن أن أحداً يعلو عليه فيها ، فقد بلغ به الأمر أنه كان يجهز عتاد السنة ونحوها قبلها ، وكان يقول أيام حربه في طاجكستان : لا تكونوا مثل إخوة لكم يأتون لينصروا أناساً ، فإذاهم يطلبون من ينصرهم . لا مال معهم ولا سلاح ولا طعام .
فكان رحمه الله يُعْجِز من حوله بدقة الترتيبات ؛ حتى كان مدرسة في التنظيم والترتيب منذ كان في أفغانستان ؛ بل وقبلها أيضاً ، وكان استعداده يشمل الطعام والسكن والطريق والاستخبارات حول العدو بحيث يحصل التكامل في تجهيزه واستعداده .
النظرية الثالثة : القتال ، وهذه مثلنا لا يتكلم عنها ؛ ولكن دع خبراء الروس يتكلمون عنها ، والذين طالب بعضهم أن تدرس أفكاره العسكرية في جامعاتهم ، ويكفي إعجابنا به أن نرى الشيشان صغيرة مكشوفة تكنولوجياً وعسكرياً ، ومع ذلك ينجح في مهمتين من كل منهما إنجاز في ذاته : حيث استطاع التخفي بجنوده والحفاظ عليهم ، واستطاع أيضاً دك القوات الروسية وإيقاع الخسائر بها
قاتل عدوك قبل أن يغزوك :
لم يكن رحمه الله ممن يعتمد سياسة ردود الأفعال في جهاده بل كان رحمه الله يكرر قول : قاتل عدوك قبل أن يغزوك ، فلا ننتظره حتى يغزونا ، ثم نصيح كما تصيح النساء ؛ بل متى ما رأينا أنه قد همَّ بنا فإن كان لنا قدرة أوقفناه حتى لا يتجرأ على بقية بلاد المسلمين ، ولهذا غضب رحمه الله لما لامَه بعض الصالحين في غزوه لداغستان مما أشعل فتيل معركة الشيشان الثانية ؛ بل ورماه البعض بالعجلة وإلقاء المسلمين إلى التهلكة ، وهو من هذه التهمة براء ؛ حيث ذكر أن الروس قد جمعوا العزم على حرب هذه البلد مرة ثانية من خلال نشرهم لاستخباراتهم ، وكذلك صنعهم للتفجيرات في موسكو وغير ذلك من الأسباب التي تعطي الروس الضوء الأخضر لغزو الشيشان مرة أخرى ، فأراد رحمه الله أن يجعل الشيشان وداغستان بلداً واحدة كما كانت قديماً من أجل كسب مساحة أكبر في قتال العدو ، وكذلك إثارة أكبر عدد من المسلمين لمحاربة عدوهم .
وفعلاً تبين صحة رأي خطاب بعد أشهر ، وأظهرت روسيا نواياها وأطماعها ، وقامت بغزو الشيشان تحت مسمى " حرب الإرهاب " ، حتى قال رحمه الله : إلى متى ونحن الدعاة نجلس ننتظر العدو ؟ ونعلم أنه يجهز العدة لإبادتنا حتى يغزونا ويهلكنا ، فنقف على المنابر نشكو هتك الأعراض ، وقتل الأنفس ، واحتلال البلدان .
خطاب يبحث عن الموت :
يخطئ من يظن هذا العنوان مبالغا فيه بل هي عين الحقيقة ، وعندما نقول خطاب يبحث عن الموت فهو في نظر الكثيرين أما هو فيبحث عن الحياة الكاملة إنه يبحث عن الشهادة.
لم يجدها في أفغانستان رغم بحثه المضني ومحاولاته الدءوب فالتمسها في طاجكستان ولم ينلها أيضا فلم ييأس فغادر إلى الشيشان ولازال يبحث عنها في مظانها حتى بلغه الله مراده نحسبه كذلك، نسأل الله أن يتقبله في الشهداء.
ولم تكن رحلة الموت أو البحث عن الشهادة لم تكن مفروشة بالورود وإنما هي جراحات ومعاناة وبطولات أدهشت الأبطال أنفسهم قبل أن تدهش الروس الذين ربما سيبقون مدة طويلة غير مصدقين أن تغتال يد الغدر هذا البطل الذي أذاقهم الموت والذل سنوات طويلة.
|