"
أعوذ بالله من الشيطن الرجيم
قَالَ إِنْ سَأَلْتُكَ عَنْ شَيْءٍ بَعْدَهَا فَلَا تُصَاحِبْنِي قَدْ بَلَغْتَ مِنْ لَدُنِّي عُذْرًا فَانْطَلَقَا حَتَّى إِذَا أَتَيَا أَهْلَ قَرْيَةٍ اسْتَطْعَمَا أَهْلَهَا فَأَبَوْا أَنْ يُضَيِّفُوهُمَا فَوَجَدَا فِيهَا جِدَارًا يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ فَأَقَامَهُ قَالَ لَوْ شِئْتَ لَاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْرًاقَالَ هَذَا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ مَا لَمْ تَسْتَطِعْ عَلَيْهِ صَبْرًا أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَهَا وَكَانَ وَرَاءَهُمْ مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْبًا وَأَمَّا الْغُلَامُ فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ فَخَشِينَا أَنْ يُرْهِقَهُمَا طُغْيَانًا وَكُفْرًا
,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,
) وقفات تربوية (
من الأخطاء التي نقع فيها كثيراً الاهتمام بالتفاصيل و الجزئيات كالأسماء و الزمان و المكان على حساب الكليات في القضية التي نحن بصددها ،
و العلاج جاء في القرآن واضحاً قوياً بذكر قصة موسى مع العبد الصالح دون تحديد للاسم ، أو مكان أو زمان وقوع هذه الأحداث ، و ليتربى المسلم على الموضوعية و الدقة و الضن بالجهد أن يذهب سدى فيما لا يفيد
عندما يضيع الهدف يثقُل الاحساس بالزمن و يستوي السير في أي اتجاه ، و كم ندفع و تدفع أمتنا من غالي الثمن لتشتت أهدافنا و عشوائية تخطيطنا ، وعندما يتحدد الهدف و تتعمق الفكرة فلا عبرة عندئذ بالزمن ، و كان لموسى عليه السلام هدفاً واضحاً محدداً حيث صمم على بلوغ مجمع البحرين مهما تكن المشقة و مهما يكن الزمن الذي ينفقه في الوصول و هو يعبر عن هذا التصميم بما حكاه القرآن في قوله تعالى ( أو أمضي حقبا ) ، و الحقب قيل عام و قيل ثمانون عام ،
الغفلة عن الحكمة التي قد تتولد عن الوقوع في خطأ ما ، أو عن وقفة يصحح و يعدل فيها الانسان مساراته في هذه الحياة بما يقربه من بلوغ هدفه ، خطأ أيضاً ( فأني نسيت الحوت) ، ( فارتدا على آثارهما قصصا ) .
من الخطأ البحث في ماهية كل ما يصطدم بالمنطق و الاحكام الظاهرة ، فهذا ما لا طاقة للعقل به ، و هذا ما أتعب الكثير من الملحدين و أشباههم في البحث فيما يُسمى بما وراء الطبيعة ، أما الموحد فيعلم أن للعقل حدوداً في البحث و التقصي فلا يُضيع جهده و عمره هباءاً فيما لا طائل من ورائه ،
قد يستغرب ، يندهش ، يستنكر ، كما حدث لموسى عليه السلام لما رأى من أفعال العبد الصالح ، إلا إنه يملك في ذلك منهجية محددة ( ستجدني إن شاء الله صابراً ) ، فإذا وصل العقل لمرحلة حرجة يُخشى عليه فيها ، هنا تتجلى رحمة الله تعالى فترده بلطف ، لتهدأ مخاوفه و يتلقى شحنة من التثبيت ( سأنبئك بتأويل ما لم تستطع عليه صبرا).
الصبر و التلطف لم يفارقا العبد الصالح في مواجهة تساؤلات موسى عليه السلام ، بل و الحكمة أيضاً ، فلقد منح موسى عليه السلام الفرصة ليقف على حقيقة ما أعلنه سابقاً ( ستجدني إن شاء الله صابراً ) ، و هذا منهج رائع في التربية .
التعامل مع سلبيات الآخرين و تقاعسهم عن البحث و الاستقصاء و إيجاد الحلول ، لا يكون فقط بتقديم المساعدة و مد يد العون لهم من دون تفعيلهم و إشراكهم و حثهم على تقديم كل ما لديهم مهما رأوه بسيطاً ،
و لذا نلحظ صيغة الأفعال التي وردت في حديث ذي القرنين مع القوم الذين سألوه بناء السد ، فكان خطابه إليهم ( فأعينوني ، آتوني ، انفخوا ) ،
فصاحب الرسالة و هو يرسي معالم في طريق بناء هذه الأمة لا يهمل أبداً قيمة الفرد في بناء هذه الأمة .